محافظ الغربية يتابع أعمال توريد القمح بشونة محلة أبو علي    بدء التوقيت الصيفي فى مصر 2024 .. تغيير الساعة الليلة    «بحوث الصحراء» يكشف مشروعا عملاقا في سيناء لزراعة نصف مليون فدان    نائب محافظ البحيرة: تركيب إنترلوك بمنطقة السنوسي بحوش عيسى بتكلفة 2 مليون و 400 ألف جنيه    وزارة التخطيط تشارك في المنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة بأديس أبابا    مسؤول أمريكي: بيان مرتقب من واشنطن و17 دولة أخرى لإطلاق سراح المحتجزين بغزة    الرئيس الفلسطيني يؤكد لنظيره الفنلندي ضرورة الإسراع في وقف إطلاق النار بغزة    ممثلة الرئيس الأوكراني في القرم: نكافح لاستعادة أراضينا    فائز ببطولة الفروسية للناشئين على هامش «البطولة العسكرية»: منبهر ب«نادي العاصمة»    فينيسيوس يقود قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد بالدوري الإسباني    رئيس اتحاد الجودو: الدولة المصرية لا تدخر جهدًا لدعم الرياضة    انتقاما من أسرتها.. مصرع فتاة حرقا بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    ريهام عبد الغفور عن تكريم المسرح القومي لاسم والداها: سيرتك حلوة وأثرك طيب    أول تعليق من منى زكي بعد فوز فيلمها «رحلة 404» في مهرجان أسوان    لقاء عن التراث الشعبي واستمرار ورش ملتقى فتيات «أهل مصر» بمطروح    احتفالا بذكرى تحريرها.. المطرب مينا عطا يطرح كليب "سيناء"    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تاريخ موعد عيد الأضحى في مصر فلكيًا مدفوعة الأجر للموظفين 2024    "حزب الله" يستهدف جنودا إسرائيليين في محيط موقع الضهيرة    مدرب الترجي: سنعمل على تعطيل القوة لدى صن داونز.. وهدفنا الوصول لنهائي إفريقيا    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    بلغ من العمر عتياً.. مسن ينهى حياة زوجته بعصا خشبية بقرية البياضية بالمنيا    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    حسام المندوه يعقد جلسة مع جوميز في مطار القاهرة | تفاصيل    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    هشام الحلبي: إرادة المصريين لم تنكسر بعد حرب 67    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح هاشم : قضايا الفقراء باتت مرضا عنكبوتيا أو سرطانيا متشعبا
نشر في صوت البلد يوم 16 - 08 - 2017


محمد الحمامصي
يعبر هذا الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة "الفقراء الجدد سوسيولوجية القهر والحيلة" للباحث د. صلاح هاشم عن نسق فكري خالص يحاول أن يصف العلاقة بين الدولة والفقراء من خلال جملة من الأفكار المركزة التي كتبها الباحث في صورة مقالات خلال عامي 2015 و2016 مشيرا إلى أنها كتبت في أوقات متفرقة وعبرت عن أحداث متباينة مرت بها مصر خلال العامين، إلا أنها تشكل في مجملها موضوعا للنقاش الفكري والجدل، حول العلاقة الساخنة بين الدولة والشعب فيما يتعلق بسياسات القهر وفنون الحيلة.
ولا يعتبر الكتاب نسيجا مختلفا عن سابقيه من الكتب التي تناول فيها الباحث قضايا الفقراء، الذي أكد أنه في كل دراسة بحثية أجراها وفي تلك القضايا حقها "ولكن يبدو أن قضايا الفقراء باتت مرضا عنكبوتيا أو سرطانيا متشعبا لا يمكن وصفه أو الحديث عنه في كتاب واحد، أو دراسة بحثية واحدة".
فقراء الكتاب - كما أوضح الباحث - ليسوا الفقراء الذين وصفهم المناضل الشيوعي هنري مايو "بأنهم من سلالتين مختلفتين"، وخول لكل سلالة منهما السلطة الكافية في التعامل مع الأخرى، بل واختزل استمرار تعايش السلالتين في الوطن الواحد في قدرة كل منهما على التحايل على قهر الأخرى. وإنما الفقراء هنا "هم عامة الشعب الذين لا يختلفون عن ملاك المال والسلطة سوى في جودة الحياة".
لا يهتم الباحث بمناقشة مفاهيم الفقر، إلا أنه يركز بشكل كبير على طبيعة الممارسات والتدابير التي تتخذها الدولة في التعامل مع الفقراء والتي رغم أنها تبدو بريئة في ظاهرها، بيد أنها تدفع في أحايين كثيرة إلى الإبقاء على الفقراء.
ورأى الباحث أن قليلا من المفكرين أولئك الذين يوافقون على اعتبار نقص القوة في التأثير على النسق السياسي أو لمواجهة سياسات التحيز والاقصاء هو تعرف كامل للفقر، إذ إن الفقراء عادة ما يفتقرون إلى القوة، والقوة أيضا عادة ما تستمد من مصادر مختلفة، كالوجاهة والسيطرة والسلطة والنفوذ، إذًا فهم يفتقرون إلى القوة بكل معانيها، فهم لا يملكون الموارد ليصبحوا من الوجهاء، ولا يمكنهم معاقبة الآخرين اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا إلا من خلال الانتخابات. هذا في حالة إذا كانت الانتخابات نفسها تتم بطريقة نزيهة.
القضية الأساسية التي يتناولها الباحث تدور حول التهميش والإقصاء المتعمد لطوائف الفقراء على مدار التاريخ وفي شتى ملفات التنمية وفي مختلف قطاعات الحياة، وما إذا كانت الدولة بالفعل وعلى مدار تاريخها الطويل تبنت سياسات اجتماعية واقتصادية جادة لمحاربة الفقر، أم أن سياساتها كانت تستهدف في الأساس محاربة الفقراء. أيضا تطرح بعض مقالات الكتاب تساؤلات أهمها: هل استكان الفقراء لاستبعاد الحكومات أم أنهم قاموا بثورات اجتماعية عديدة ومارسوا حيلا عديدة للتعايش مع السلطات المجحفة للحكومات وذلك ليس لشيء سوى ليعيشوا في وطن آمن؟
ورأى الباحث أن وجود الفقراء ييسر الممارسة السياسية ويعمل على استقرارها، فمن المعروف أن مشاركتهم السياسية كانت ضعيفة، وبالتالي فإن اختياراتهم السياسية كانت محدودة، حيث يضطرون إلى بيع أصواتهم إلى مرشحي حزب بعينه. وفضلا عن ذلك فإن وجود الفقراء يتيح الفرصة للأغنياء لكي يشغلوا أنفسهم بعديد من الأنشطة الاقتصادية التي تعود عليهم بالفائدة، فالخدم مثلا يجعلون الحياة أكثر يسرا لمستخدميهم ويتيحون لهم الفرصة لمزيد من الغنى والقوة، كما أنهم يدفعون نسبة عالية من دخولهم في الضرائب، وهم بالتالي يساهمون أكثر من غيرهم في الخدمات الحكومية التي يستفيد منها عادة الجماعات الأكثر امتيازا في النظام.
وأضاف "أن الفقراء يدعمون المستحدثات في الممارسات الطبية، حيث يستخدمون كحقل للتجارب في المستشفيات التعليمية والبحثية، وإذا كانت التقارير تؤكد أن مصر بها أكثر من 37 مليونا، فماذا لو استمرت الحكومة في تحاملها على الفقراء؟ وماذا لو تمكن عمال النظافة والصرف الصحفي وسائقو النقل العام وعمال المصانع من تنظيم أنفسهم وأضربوا عن العمل؟ عموما التحدي الحقيقي الذي يواجه دولة السيسي واستقرارها يتمثل في كيفية التعامل مع قضايا هذه الفئات واحتياجاتهم، بما يضمن استمرارهم في أعمالهم في ظل رفع أجورهم، وتحسين أحوالهم المعيشية، وإذا كانت هذه هي المعادلة الأصعب فهل سوف يتحامل السيسي على الفقراء؟"
وأشار الباحث إلى أن الدولة استخدمت على مدى التاريخ أسلوبين ل "تركيع" الشعوب، الأول: "تجهيل الشعب كما حدث قديما في العصر الروماني وحديثا في عهد الخديوي إسماعيل، والثاني يكمن في قهر الشعب وتجويعه من خلال تطبيق حزمة من السياسات الضريبية التي تستنزف قدرة الشعب على إشباع احتياجاته أو لجعله منشغلا عن أمور الحكم والسياسة بالبحث عن لقمة العيش.
ولفت إلى أن معظم الأنظمة الضريبية التي اتبعتها الأنظمة الحاكمة لم تفض إلى تحسن ملحوظ في حياة المصريين بل عادة ما كانت تنقلهم من سيء إلى أسوأ. فعادة ما كانت هذه الضرائب تتعرض للسرقة والسطو من كبار المسئولين في الدولة والقائمين على جبايتها دون رادع أو رقيب، مما تسبب في إفلاس الدولة وإصرارها إلى فرض المزيد من الضرائب تحت مسميات مختلفة، رغم أن الدولة لم تعد قادرة على تقديم خدمات تستحق أن يجمع لها ضرائب، وعموما فإن لم يقابل فرض الضرائب بتحسن في حياة الشعوب، فإن فرضها يعد نوعا من الاستعباد.
وأوضح الباحث "في مصر قام الشعب بثورتين تصور في كليهما أن تغيير النظام هو الحل، وأن النظام متجسد في شخص واحد أو جماعة واحدة، وحقيقة الأمر أن المشكلة ليست في الشخص الحاكم، وإنما في النظام الذي تدار به البلاد، والذي يجعل الحاكم دائما أسدا، فإذا كانت الثورات العربية قد أطاحت بحكام مفسدين، قإن الواقع يشهد أنها فشلت جميعها في الإطاحة بالأنظمة المستبدة. والتنمية في مصر لا تزال متخلفة يجرها قطار تقوده "أرانب" حكومات تركب نفس القطار المتجسد في سياسات بالية، عجزت عن فهم حقيقة التنمية وآليات تحقيقها، فأصبحت مصر دولة تقوم التنمية فيها على الاقتراض والاستدانة: فتقوم الدولة بالاقتراض من الخارج لتقرض بالداخل، وتتحول الدولة من مسئول أول عن التنمية إلى وسيط تقترض أموالا من الخارج لتقرضها لمواطنيها بفائدة أعلى بالداخل وتصبح معضلة التنمية في مصر تكمن في إمكانية تحرير الدولة من استراتيجية "الدائن المدين".
وقال "لما كان الفقر في مصر يزداد حدة، لدرجة أن هناك فئات سكانية عريضة تجاوزت خط الفقر ووصلت بجدارة إلى خط الاحتياج، فإن الحديث عن المجاعة بات ملحا، لما قد تفضي إليه المجاعات من فرص لزيادة حدة التفاوت الطبقي، الذي يكرس لإقصاء فئات عديدة عن المشاركة وحتى الانتفاع العادل من موارد الدولة ويسمح بإنتاج فئات جديدة من العبيد في مجتمع يدعو إلى احترام قيم المواطنة.
وأكد الباحث أنه في حال استمرار الحكومة والنظام في تجاهلها لجملة الاحباطات التي يعيشها المصريون الآن، واستهانت باستهانتهم للموت وإن لم تتمكن الحكومة من إعادة تشكيل معنى الحياة لديهم فإن أرصدة الديون لن تتوقف عن التزايد، وعجلة التنمية لن تتحرك إلى الأمام، فالمصريون ليسوا بحاجة لوجبة غذاء بقدر حاجتهم إلى "أمل" يربطهم مجددا بالحياة، أو إلى "حلم" يشاركون في تحقيقه.
محمد الحمامصي
يعبر هذا الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة "الفقراء الجدد سوسيولوجية القهر والحيلة" للباحث د. صلاح هاشم عن نسق فكري خالص يحاول أن يصف العلاقة بين الدولة والفقراء من خلال جملة من الأفكار المركزة التي كتبها الباحث في صورة مقالات خلال عامي 2015 و2016 مشيرا إلى أنها كتبت في أوقات متفرقة وعبرت عن أحداث متباينة مرت بها مصر خلال العامين، إلا أنها تشكل في مجملها موضوعا للنقاش الفكري والجدل، حول العلاقة الساخنة بين الدولة والشعب فيما يتعلق بسياسات القهر وفنون الحيلة.
ولا يعتبر الكتاب نسيجا مختلفا عن سابقيه من الكتب التي تناول فيها الباحث قضايا الفقراء، الذي أكد أنه في كل دراسة بحثية أجراها وفي تلك القضايا حقها "ولكن يبدو أن قضايا الفقراء باتت مرضا عنكبوتيا أو سرطانيا متشعبا لا يمكن وصفه أو الحديث عنه في كتاب واحد، أو دراسة بحثية واحدة".
فقراء الكتاب - كما أوضح الباحث - ليسوا الفقراء الذين وصفهم المناضل الشيوعي هنري مايو "بأنهم من سلالتين مختلفتين"، وخول لكل سلالة منهما السلطة الكافية في التعامل مع الأخرى، بل واختزل استمرار تعايش السلالتين في الوطن الواحد في قدرة كل منهما على التحايل على قهر الأخرى. وإنما الفقراء هنا "هم عامة الشعب الذين لا يختلفون عن ملاك المال والسلطة سوى في جودة الحياة".
لا يهتم الباحث بمناقشة مفاهيم الفقر، إلا أنه يركز بشكل كبير على طبيعة الممارسات والتدابير التي تتخذها الدولة في التعامل مع الفقراء والتي رغم أنها تبدو بريئة في ظاهرها، بيد أنها تدفع في أحايين كثيرة إلى الإبقاء على الفقراء.
ورأى الباحث أن قليلا من المفكرين أولئك الذين يوافقون على اعتبار نقص القوة في التأثير على النسق السياسي أو لمواجهة سياسات التحيز والاقصاء هو تعرف كامل للفقر، إذ إن الفقراء عادة ما يفتقرون إلى القوة، والقوة أيضا عادة ما تستمد من مصادر مختلفة، كالوجاهة والسيطرة والسلطة والنفوذ، إذًا فهم يفتقرون إلى القوة بكل معانيها، فهم لا يملكون الموارد ليصبحوا من الوجهاء، ولا يمكنهم معاقبة الآخرين اقتصاديا ولا اجتماعيا ولا سياسيا إلا من خلال الانتخابات. هذا في حالة إذا كانت الانتخابات نفسها تتم بطريقة نزيهة.
القضية الأساسية التي يتناولها الباحث تدور حول التهميش والإقصاء المتعمد لطوائف الفقراء على مدار التاريخ وفي شتى ملفات التنمية وفي مختلف قطاعات الحياة، وما إذا كانت الدولة بالفعل وعلى مدار تاريخها الطويل تبنت سياسات اجتماعية واقتصادية جادة لمحاربة الفقر، أم أن سياساتها كانت تستهدف في الأساس محاربة الفقراء. أيضا تطرح بعض مقالات الكتاب تساؤلات أهمها: هل استكان الفقراء لاستبعاد الحكومات أم أنهم قاموا بثورات اجتماعية عديدة ومارسوا حيلا عديدة للتعايش مع السلطات المجحفة للحكومات وذلك ليس لشيء سوى ليعيشوا في وطن آمن؟
ورأى الباحث أن وجود الفقراء ييسر الممارسة السياسية ويعمل على استقرارها، فمن المعروف أن مشاركتهم السياسية كانت ضعيفة، وبالتالي فإن اختياراتهم السياسية كانت محدودة، حيث يضطرون إلى بيع أصواتهم إلى مرشحي حزب بعينه. وفضلا عن ذلك فإن وجود الفقراء يتيح الفرصة للأغنياء لكي يشغلوا أنفسهم بعديد من الأنشطة الاقتصادية التي تعود عليهم بالفائدة، فالخدم مثلا يجعلون الحياة أكثر يسرا لمستخدميهم ويتيحون لهم الفرصة لمزيد من الغنى والقوة، كما أنهم يدفعون نسبة عالية من دخولهم في الضرائب، وهم بالتالي يساهمون أكثر من غيرهم في الخدمات الحكومية التي يستفيد منها عادة الجماعات الأكثر امتيازا في النظام.
وأضاف "أن الفقراء يدعمون المستحدثات في الممارسات الطبية، حيث يستخدمون كحقل للتجارب في المستشفيات التعليمية والبحثية، وإذا كانت التقارير تؤكد أن مصر بها أكثر من 37 مليونا، فماذا لو استمرت الحكومة في تحاملها على الفقراء؟ وماذا لو تمكن عمال النظافة والصرف الصحفي وسائقو النقل العام وعمال المصانع من تنظيم أنفسهم وأضربوا عن العمل؟ عموما التحدي الحقيقي الذي يواجه دولة السيسي واستقرارها يتمثل في كيفية التعامل مع قضايا هذه الفئات واحتياجاتهم، بما يضمن استمرارهم في أعمالهم في ظل رفع أجورهم، وتحسين أحوالهم المعيشية، وإذا كانت هذه هي المعادلة الأصعب فهل سوف يتحامل السيسي على الفقراء؟"
وأشار الباحث إلى أن الدولة استخدمت على مدى التاريخ أسلوبين ل "تركيع" الشعوب، الأول: "تجهيل الشعب كما حدث قديما في العصر الروماني وحديثا في عهد الخديوي إسماعيل، والثاني يكمن في قهر الشعب وتجويعه من خلال تطبيق حزمة من السياسات الضريبية التي تستنزف قدرة الشعب على إشباع احتياجاته أو لجعله منشغلا عن أمور الحكم والسياسة بالبحث عن لقمة العيش.
ولفت إلى أن معظم الأنظمة الضريبية التي اتبعتها الأنظمة الحاكمة لم تفض إلى تحسن ملحوظ في حياة المصريين بل عادة ما كانت تنقلهم من سيء إلى أسوأ. فعادة ما كانت هذه الضرائب تتعرض للسرقة والسطو من كبار المسئولين في الدولة والقائمين على جبايتها دون رادع أو رقيب، مما تسبب في إفلاس الدولة وإصرارها إلى فرض المزيد من الضرائب تحت مسميات مختلفة، رغم أن الدولة لم تعد قادرة على تقديم خدمات تستحق أن يجمع لها ضرائب، وعموما فإن لم يقابل فرض الضرائب بتحسن في حياة الشعوب، فإن فرضها يعد نوعا من الاستعباد.
وأوضح الباحث "في مصر قام الشعب بثورتين تصور في كليهما أن تغيير النظام هو الحل، وأن النظام متجسد في شخص واحد أو جماعة واحدة، وحقيقة الأمر أن المشكلة ليست في الشخص الحاكم، وإنما في النظام الذي تدار به البلاد، والذي يجعل الحاكم دائما أسدا، فإذا كانت الثورات العربية قد أطاحت بحكام مفسدين، قإن الواقع يشهد أنها فشلت جميعها في الإطاحة بالأنظمة المستبدة. والتنمية في مصر لا تزال متخلفة يجرها قطار تقوده "أرانب" حكومات تركب نفس القطار المتجسد في سياسات بالية، عجزت عن فهم حقيقة التنمية وآليات تحقيقها، فأصبحت مصر دولة تقوم التنمية فيها على الاقتراض والاستدانة: فتقوم الدولة بالاقتراض من الخارج لتقرض بالداخل، وتتحول الدولة من مسئول أول عن التنمية إلى وسيط تقترض أموالا من الخارج لتقرضها لمواطنيها بفائدة أعلى بالداخل وتصبح معضلة التنمية في مصر تكمن في إمكانية تحرير الدولة من استراتيجية "الدائن المدين".
وقال "لما كان الفقر في مصر يزداد حدة، لدرجة أن هناك فئات سكانية عريضة تجاوزت خط الفقر ووصلت بجدارة إلى خط الاحتياج، فإن الحديث عن المجاعة بات ملحا، لما قد تفضي إليه المجاعات من فرص لزيادة حدة التفاوت الطبقي، الذي يكرس لإقصاء فئات عديدة عن المشاركة وحتى الانتفاع العادل من موارد الدولة ويسمح بإنتاج فئات جديدة من العبيد في مجتمع يدعو إلى احترام قيم المواطنة.
وأكد الباحث أنه في حال استمرار الحكومة والنظام في تجاهلها لجملة الاحباطات التي يعيشها المصريون الآن، واستهانت باستهانتهم للموت وإن لم تتمكن الحكومة من إعادة تشكيل معنى الحياة لديهم فإن أرصدة الديون لن تتوقف عن التزايد، وعجلة التنمية لن تتحرك إلى الأمام، فالمصريون ليسوا بحاجة لوجبة غذاء بقدر حاجتهم إلى "أمل" يربطهم مجددا بالحياة، أو إلى "حلم" يشاركون في تحقيقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.