"الوطنية للانتخابات": إبطال جزئى للجنتين فرعيتين فى بلقاس وطوخ    وزارة العمل توقف 11 شركة لإلحاق العمالة بالخارج بسبب مخالفات قانونية    حركة السفر بمطار القاهرة ترتفع إلى 2.6 مليون راكب في نوفمبر بزيادة 10%    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    رئيس اقتصادية قناة السويس: المنطقة منصة مثالية للشركات الأمريكية لعمليات التصنيع والتصدير    قطر: نعمل للوصول إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة    الفاتيكان: نحو 150 ألف شخص تجمعوا لحضور قداس البابا ليون الرابع عشر في بيروت    تعرف على التشكيل الرسمي لمنتخب مصر أمام المغرب بنهائي بطولة شمال إفريقيا    محمد شريف في الهجوم.. تشكيل منتخب مصر أمام الكويت بكأس العرب    موعد مباراة مانشستر سيتي وفولهام بالدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته بمنشار كهربائى بالإسماعيلية إلى 9 ديسمبر    تعليم الغربية: تنظيم رحلة ل50 طالبا وطالبة للمتحف المصري الكبير    لأول مرة في الدراما التلفزيونية محمد سراج يشارك في مسلسل لا ترد ولا تستبدل بطولة أحمد السعدني ودينا الشربيني    مدير الهيئة الوطنية للانتخابات: الاستحقاق الدستورى أمانة عظيمة وبالغة الحساسية    بتكلفة 20 مليون جنيه.. رصف وتوسعة طريق بنى هلال في الشرقية    الأمم المتحدة: 50 مليون شخص حول العالم ضحايا الرق الحديث    قائمة برشلونة - غياب أراوخو ودي يونج في مواجهة أتلتيكو مدريد    مكتب نتنياهو: إسرائيل تستعد لاستلام عيّنات من الصليب الأحمر تم نقلها من غزة    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    بدء نوة باقى المكنسة فى الإسكندرية بأمطار غزيرة ورياح شديدة تكنس البحر    طارق العوضي يكشف تفاصيل جديدة في جريمة التحرش بأطفال المدرسة الدولية بالإسكندرية    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    زيلينسكي: وثيقة جنيف للسلام في أوكرانيا تم تطويرها بشكل جيد    مجموعة مصر.. مدرب الأردن: الإمارات خصم قوي وصاحب إمكانيات كبيرة    "المسرح وذوو الهمم" ضمن ملفات العدد الجديد من مجلة مصر المحروسة    وزير الصحة يبحث مع وزير المالية انتظام سلاسل توريد الأدوية والمستلزمات الطبية    6 نصائح تمنع زيادة دهون البطن بعد انقطاع الطمث    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    بعد التحرك البرلماني.. كيف تحمي طفلك من انتشار الفيروسات في المدارس؟    مصرع شاب غرقا بترعة النعناعية فى المنوفية    محمود ناجى حكما لنهائى كأس ليبيا بين أهلى طرابلس وبنى غازى غدا    كأس العرب - مؤتمر مدرب العراق: مواجهة البحرين صعبة.. ونستعد بالبطولة للملحق العالمي    11 عامًا من النجاح.. "البوابة" منصة مفتوحة للحوار البناء والتواصل الفعّال بين القارئ والمسؤول من الملفات المتخصصة والتحقيقات الاستقصائية إلى بريد القراء.. كيف أصبحت "البوابة" صوت الشعب؟    محمية رأس محمد تستقبل فتيات الملتقى الثقافي ال22 ضمن مشروع "أهل مصر"    "الأوقاف": حجم مشاركة غير مسبوق في مسابقة القرآن الكريم العالمية    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    وزير العمل يسلّم 25 عقد توظيف في مجال النجارة والحدادة والبناء بالإمارات    إسرائيليون يتظاهرون أمام منزل نتنياهو للمطالبة برفض العفو عنه    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    فيتامينات طبيعية تقوى مناعة طفلك بدون أدوية ومكملات    أحمد بنداري: التعامل وفق القواعد القانونية يُعزز الثقة في العملية الانتخابية    "ماسح الأحذية" تتوج بجائزة أفضل عرض متكامل بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    حوادث المدارس والحافز.. مشاهد تُعجل بنهاية "وزير التعليم" في الوزارة.. دراسة تحليلية.. بقلم:حافظ الشاعر    أمين عمر حكما لمباراة الجزائر والسودان في كأس العرب    الفيشاوي وجميلة عوض يعودان للرومانسية في فيلمهما الجديد «حين يكتب الحب»    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الخارجية يؤكد على ضرورة تكاتف أبناء الوطن لدعم الاقتصاد الوطني    أسعار اللحوم في أسواق محافظة أسوان — يوم الثلاثاء 2 ديسمبر 2025    «وزير الري»: الدولة المصرية تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة    بسبب الشبورة المائية وأعمال الصيانة، ارتفاع تأخيرات القطارات على خط بورسعيد    طقس اليوم: معتدل نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 23    لإشعال الثورة البوليفارية، مادورو يعلن عن قيادة جديدة للحزب الاشتراكي في فنزويلا    البديل الألماني يطرد عضوا من كتلة محلية بعد إلقائه خطابا بأسلوب يشبه أسلوب هتلر    ما حكم الصلاة في البيوت حال المطر؟ .. الإفتاء تجيب    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    المخرج أحمد فؤاد: افتتاحية مسرحية أم كلثوم بالذكاء الاصطناعي.. والغناء كله كان لايف    سر جوف الليل... لماذا يكون الدعاء فيه مستجاب؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المربّع» لأوستلند: نحن في الأدغال بمرافقة الفن الحديث والدولة
نشر في صوت البلد يوم 10 - 06 - 2017

لولا المنافسة الجزئية، وإنما الجدية التي شكلها في وجهه الفيلم الروسي «بلا حبّ»، لكان من شأن فيلم «المربّع» الذي انتهى به الأمر إلى نيل «السعفة الذهبية» في الحفل الختامي للدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، أن يعتبر منذ عرضه في المسابقة الرسمية خلال الأيام الأولى للمهرجان، الفيلم الذي سوف يفوز حتمياً بالجائزة الأسمى.
ولكن ليس لأن الفيلم تحفة سينمائية تذوب أمامها كل الأفلام الأخرى المنافسة يوماً بعد يوم، بل لأن الدورة في حد ذاتها كانت ضعيفة، إذ إن المعنيين راحوا يترصدون الأفلام المعروضة وهم يقيسونها بالمقارنة مع «المربع» و «بلا حبّ»، آملين بأن يطلع لهم فجأة ما يمكنهم اعتباره تحفة حقيقية ولكن من دون جدوى. بكلمات أخرى: في دورة من «كان» أكثر امتلاء بأعمال سينمائية جيدة، كان من شأن «المربع» أن يكتفي بجائزة التمثيل الرجالي، أو بجائزة الإخراج... فكان من حظه أن الضعف العام لهذه الدورة مكّن مخرجه الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمرة الأولى، بعد مشاركتين لا بأس بهما في تظاهرة «نظرة ما»، من العودة إلى بلده، السويد بأسمى الجوائز الكانية.
بين موقفين متطرفين
لكننا إذ نقول هذا، لن نعني أن الفيلم ضعيف، كما رآه ناقد فرنسي أبدى خيبته لتفوق «المربع» على أي فيلم فرنسي آخر شارك في المسابقة، ولا سيما على «120 دقة قلب في الدقيقة»، الذي لا شك في أن النقاد خلطوا بين قيمته الأخلاقية وشجاعته الإجتماعية، وبين تميّز سينمائي افترضوه فيه - وتلك القيمة هي التي تفسّر بالطبع نوع التصفيق الذي كان في النهاية من نصيب الفيلم الذي يحكي عن النضال ضد وباء السيدا في سنوات الثمانين، إذ بدءاً من لجنة التحكيم وصولاً إلى كل فرد في الصالة وقفوا تحية لشجاعة الفيلم، إذ أُعلن منحه «الجائزة الكبرى» التي تعتبر ثاني أعلى جوائز المهرجان بعد «السعفة» -، ف «المربّع» قوي، حتى وإن كان من غير المنطقي في الوقت ذاته اعتباره عملاً إبداعياً يتأرجح بين «تشويقية» هتشكوك، و «تأمليّة» انغمار برغمان، كما يقترح ناقد مجلة «فارايتي» متحمساً.
ليس «المربّع» لا هذا ولا ذاك. هو بالأحرى فيلم ينتمي إلى ما بعد الحداثة، يتأرجح بقوة وعن قصد بين أقصى درجات الهزل، وأدنى درجات العنف. مضبوط في إخراجه والسيناريو الموزون المكتوب له، متوازن في أداء ممثليه ولغة مخرجه. وعنيد في موقفه النقدي مما آلت إليه الفنون الحديثة، ويكاد يماثل «قواعد اللعبة» فيلم جان رينوار الكلاسيكي في «فضحه» للعقلية البورجوازية وتفاهتها.
ذلك هو، باختصار شديد، ما يمكن به تلخيص هذا الفيلم الذي يتحلق مع هذا، وعلى تعدد موضوعاته وطروحاته، من حول مدير متحف للفن الحديث في استوكهولم، يعيش أيامه المتسارعة متنقلاً بين حياته الشخصية المليئة بالمشكلات (هو شاب مطلّق، يعبد ابنتيه الصغيرتين اللتين يضطر الى تولي أمرهما بين الحين والآخر)، وبين حياته المهنية المؤلفة من عروض وحفلات غايتها اجتذاب الرعاة الأثرياء كي يمولوا نشاطات المعرض. أما آخر النشاطات التي يجري العمل على قدم وساق لتحقيقها، فعرض في باحة المتحف الملكي الخارجية تحت عنوان «المربّع»، هو مبدئياً عبارة عن رسم مربع على أرض الباحة يصار انطلاقاً منه إلى تحديد مكانة القيم الإنسانية في عالم اليوم.
بين مشهدين / مفتاحين
يتأطر الفيلم، في هذا السياق، بين مشهدين هما من القوة والفاعلية إذ حملا الفيلم كله: في البداية حين يكون كريستيان، الشخصية المحورية مسرعا للوصول إلى حيث يتابع شؤون عمله، يسمع في الطريق صراخ امرأة تستنجد بالمارة، لأن ثمة من يطاردها ليقتلها. يتدخل بعض المارة وعلى رأسهم كريستيان ليحولوا دون المهاجم والوصول إلى ضحيته التي يتبين أنها زوجته. وحين تسوّى الأمور، يكتشف كريستيان أن ثمة من سرق منه، خلال المعمعة، حافظة نقوده وأوراقه وجهازه الخليويّ! وهنا يبدأ رحلته التحقيقية، على الأقل لاسترجاع الجهاز... أما المشهد الثاني المؤطر للفيلم، فعبارة عن حفل عشاء يقام ضمن إطار المتحف لجمع تبرعات من الرعاة. أما نقطة الذروة في الحفل فعرض راقص تعبيري يقوم به «ممثل» حيوانيّ السمات عنيف التعبير يتقافز بين الطاولات والفاتنات الأنيقات والسادة المنتشين وكأنه وحش في الغابة، حتى لحظة أخيرة حين يحوّله أداؤه إلى حيوان حقيقي من دون أن يجرؤ أحد، أول الأمر، على إنقاذ ضحية اختارها من براثنه!
بين المشهد الأول والأخير، سيكون كريستيان قد راكم الخيبات والمواقف الصعبة والعلاقات المهتزة والأخطاء الفادحة. سيكون قد فقد كل معنى لحياته وعمله. صحيح أن تحرياته «الإلكترونية» ستكون قد أرجعت له هاتفه الذي كان اكتشف أن من سرقه شخص من المقيمين في بنايات بائسة، لكن العملية جعلت فتى شرساً - أحس خلالها بإهانة وجهها كريستيان إليه وإلى أهله إذ عمّم الاتهام على سكان البناية جميعهم - يطارده متحدياً مستفزاً، وسط نظرات ابنتيه المستنكرتين تصرفه تجاه الصبي! وسيكون اكتشف خواء علاقة أقامها في شكل عابر مع صحفية أميركية سجلت له حديثاً تلفزيونياً أضاف إلى اهتراء نظرته إلى الفنون الحديثة التي تمر أمام أنظارنا مثيرة للدهشة في شكل سلبي، وصولاً إلى الطامة الكبرى حيث تستغل دائرة العلاقات العامة في المتحف طفلة فقيرة بائسة للترويج لمعرض «المربع» ما يشكل فضيحة إضافية لكريستيان الذي ستنتهي به كل هذه الأمور نهاية بالغة السوء، في فيلم سوداويّ عرف مخرجه روبن أوستلند كيف يعود فيه إلى تصوير اللؤم الاجتماعي، بأكثر وفي شكل أوسع مما كان فعل في فيلمه الروائي الطويل السابق «القوة القاهرة» (2014)، أو في سابقه «مسرحية» (2011).
وروبن أوستلند الذي يعتبر اليوم من أبرز مسرحيي وسينمائيي الجيل السويدي الأجدّ. ولد عام 1974، وحقق حتى الآن أربعة أفلام روائية طويلة وبضعة شرائط قصيرة. وهو يقول عن «المربع» أنه أراد له أن يكون «هزلياً ودرامياً في الوقت ذاته، لقد أردت أن أجعل منه فيلماً أنيقاً استفيد فيه من كل الإمكانات البصرية والبلاغية لكي أهز المتفرج وأرفه عنه في الوقت ذاته. وعلى صعيد الموضوع، يضيف أوستلند، يقارب الفيلم موضوعات عدة كالمسؤولية والثقة، الفقر والغنى، السلطة والعجز، ناهيك بالأهمية المتصاعدة التي باتت تعطى للفرد بالتناقض مع القصور في الاهتمام بالجماعة والحذر تجاه مفهوم الدولة نفسها في مجال الإبداع الفني وشؤون الميديا». وفي يقيننا أن هذا كله أطلّ برأسه حقاً في الفيلم ولكن نتفاً نتفاً وأحياناً من دون أي انتظام منطقي. وربما كان هذا، على أي حال، ما أعطى هذا الفيلم القوي والصغير سحره.
لولا المنافسة الجزئية، وإنما الجدية التي شكلها في وجهه الفيلم الروسي «بلا حبّ»، لكان من شأن فيلم «المربّع» الذي انتهى به الأمر إلى نيل «السعفة الذهبية» في الحفل الختامي للدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، أن يعتبر منذ عرضه في المسابقة الرسمية خلال الأيام الأولى للمهرجان، الفيلم الذي سوف يفوز حتمياً بالجائزة الأسمى.
ولكن ليس لأن الفيلم تحفة سينمائية تذوب أمامها كل الأفلام الأخرى المنافسة يوماً بعد يوم، بل لأن الدورة في حد ذاتها كانت ضعيفة، إذ إن المعنيين راحوا يترصدون الأفلام المعروضة وهم يقيسونها بالمقارنة مع «المربع» و «بلا حبّ»، آملين بأن يطلع لهم فجأة ما يمكنهم اعتباره تحفة حقيقية ولكن من دون جدوى. بكلمات أخرى: في دورة من «كان» أكثر امتلاء بأعمال سينمائية جيدة، كان من شأن «المربع» أن يكتفي بجائزة التمثيل الرجالي، أو بجائزة الإخراج... فكان من حظه أن الضعف العام لهذه الدورة مكّن مخرجه الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمرة الأولى، بعد مشاركتين لا بأس بهما في تظاهرة «نظرة ما»، من العودة إلى بلده، السويد بأسمى الجوائز الكانية.
بين موقفين متطرفين
لكننا إذ نقول هذا، لن نعني أن الفيلم ضعيف، كما رآه ناقد فرنسي أبدى خيبته لتفوق «المربع» على أي فيلم فرنسي آخر شارك في المسابقة، ولا سيما على «120 دقة قلب في الدقيقة»، الذي لا شك في أن النقاد خلطوا بين قيمته الأخلاقية وشجاعته الإجتماعية، وبين تميّز سينمائي افترضوه فيه - وتلك القيمة هي التي تفسّر بالطبع نوع التصفيق الذي كان في النهاية من نصيب الفيلم الذي يحكي عن النضال ضد وباء السيدا في سنوات الثمانين، إذ بدءاً من لجنة التحكيم وصولاً إلى كل فرد في الصالة وقفوا تحية لشجاعة الفيلم، إذ أُعلن منحه «الجائزة الكبرى» التي تعتبر ثاني أعلى جوائز المهرجان بعد «السعفة» -، ف «المربّع» قوي، حتى وإن كان من غير المنطقي في الوقت ذاته اعتباره عملاً إبداعياً يتأرجح بين «تشويقية» هتشكوك، و «تأمليّة» انغمار برغمان، كما يقترح ناقد مجلة «فارايتي» متحمساً.
ليس «المربّع» لا هذا ولا ذاك. هو بالأحرى فيلم ينتمي إلى ما بعد الحداثة، يتأرجح بقوة وعن قصد بين أقصى درجات الهزل، وأدنى درجات العنف. مضبوط في إخراجه والسيناريو الموزون المكتوب له، متوازن في أداء ممثليه ولغة مخرجه. وعنيد في موقفه النقدي مما آلت إليه الفنون الحديثة، ويكاد يماثل «قواعد اللعبة» فيلم جان رينوار الكلاسيكي في «فضحه» للعقلية البورجوازية وتفاهتها.
ذلك هو، باختصار شديد، ما يمكن به تلخيص هذا الفيلم الذي يتحلق مع هذا، وعلى تعدد موضوعاته وطروحاته، من حول مدير متحف للفن الحديث في استوكهولم، يعيش أيامه المتسارعة متنقلاً بين حياته الشخصية المليئة بالمشكلات (هو شاب مطلّق، يعبد ابنتيه الصغيرتين اللتين يضطر الى تولي أمرهما بين الحين والآخر)، وبين حياته المهنية المؤلفة من عروض وحفلات غايتها اجتذاب الرعاة الأثرياء كي يمولوا نشاطات المعرض. أما آخر النشاطات التي يجري العمل على قدم وساق لتحقيقها، فعرض في باحة المتحف الملكي الخارجية تحت عنوان «المربّع»، هو مبدئياً عبارة عن رسم مربع على أرض الباحة يصار انطلاقاً منه إلى تحديد مكانة القيم الإنسانية في عالم اليوم.
بين مشهدين / مفتاحين
يتأطر الفيلم، في هذا السياق، بين مشهدين هما من القوة والفاعلية إذ حملا الفيلم كله: في البداية حين يكون كريستيان، الشخصية المحورية مسرعا للوصول إلى حيث يتابع شؤون عمله، يسمع في الطريق صراخ امرأة تستنجد بالمارة، لأن ثمة من يطاردها ليقتلها. يتدخل بعض المارة وعلى رأسهم كريستيان ليحولوا دون المهاجم والوصول إلى ضحيته التي يتبين أنها زوجته. وحين تسوّى الأمور، يكتشف كريستيان أن ثمة من سرق منه، خلال المعمعة، حافظة نقوده وأوراقه وجهازه الخليويّ! وهنا يبدأ رحلته التحقيقية، على الأقل لاسترجاع الجهاز... أما المشهد الثاني المؤطر للفيلم، فعبارة عن حفل عشاء يقام ضمن إطار المتحف لجمع تبرعات من الرعاة. أما نقطة الذروة في الحفل فعرض راقص تعبيري يقوم به «ممثل» حيوانيّ السمات عنيف التعبير يتقافز بين الطاولات والفاتنات الأنيقات والسادة المنتشين وكأنه وحش في الغابة، حتى لحظة أخيرة حين يحوّله أداؤه إلى حيوان حقيقي من دون أن يجرؤ أحد، أول الأمر، على إنقاذ ضحية اختارها من براثنه!
بين المشهد الأول والأخير، سيكون كريستيان قد راكم الخيبات والمواقف الصعبة والعلاقات المهتزة والأخطاء الفادحة. سيكون قد فقد كل معنى لحياته وعمله. صحيح أن تحرياته «الإلكترونية» ستكون قد أرجعت له هاتفه الذي كان اكتشف أن من سرقه شخص من المقيمين في بنايات بائسة، لكن العملية جعلت فتى شرساً - أحس خلالها بإهانة وجهها كريستيان إليه وإلى أهله إذ عمّم الاتهام على سكان البناية جميعهم - يطارده متحدياً مستفزاً، وسط نظرات ابنتيه المستنكرتين تصرفه تجاه الصبي! وسيكون اكتشف خواء علاقة أقامها في شكل عابر مع صحفية أميركية سجلت له حديثاً تلفزيونياً أضاف إلى اهتراء نظرته إلى الفنون الحديثة التي تمر أمام أنظارنا مثيرة للدهشة في شكل سلبي، وصولاً إلى الطامة الكبرى حيث تستغل دائرة العلاقات العامة في المتحف طفلة فقيرة بائسة للترويج لمعرض «المربع» ما يشكل فضيحة إضافية لكريستيان الذي ستنتهي به كل هذه الأمور نهاية بالغة السوء، في فيلم سوداويّ عرف مخرجه روبن أوستلند كيف يعود فيه إلى تصوير اللؤم الاجتماعي، بأكثر وفي شكل أوسع مما كان فعل في فيلمه الروائي الطويل السابق «القوة القاهرة» (2014)، أو في سابقه «مسرحية» (2011).
وروبن أوستلند الذي يعتبر اليوم من أبرز مسرحيي وسينمائيي الجيل السويدي الأجدّ. ولد عام 1974، وحقق حتى الآن أربعة أفلام روائية طويلة وبضعة شرائط قصيرة. وهو يقول عن «المربع» أنه أراد له أن يكون «هزلياً ودرامياً في الوقت ذاته، لقد أردت أن أجعل منه فيلماً أنيقاً استفيد فيه من كل الإمكانات البصرية والبلاغية لكي أهز المتفرج وأرفه عنه في الوقت ذاته. وعلى صعيد الموضوع، يضيف أوستلند، يقارب الفيلم موضوعات عدة كالمسؤولية والثقة، الفقر والغنى، السلطة والعجز، ناهيك بالأهمية المتصاعدة التي باتت تعطى للفرد بالتناقض مع القصور في الاهتمام بالجماعة والحذر تجاه مفهوم الدولة نفسها في مجال الإبداع الفني وشؤون الميديا». وفي يقيننا أن هذا كله أطلّ برأسه حقاً في الفيلم ولكن نتفاً نتفاً وأحياناً من دون أي انتظام منطقي. وربما كان هذا، على أي حال، ما أعطى هذا الفيلم القوي والصغير سحره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.