محافظ كفر الشيخ يستقبل مفتي الجمهورية لبحث عدد من الملفات ودعم البرامج الدعوية    المتحف المصري يستقبل منتخبي البرازيل والأرجنتين للكرة الطائرة الشاطئية    سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 19 يوليو 2025    للعاملين بالدولة.. الموعد الرسمي لصرف مرتبات يوليو 2025 بالزيادات    أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 19 يوليو 2025    بريطانيا: نشعر بالصدمة من أعمال العنف فى جنوب سوريا    العلاقات «المصرية - السعودية».. شراكة استراتيجية وركيزة استقرار للشرق الأوسط    مودرن سبورت يعلن التعاقد مع محمد يسري مدافع المنصورة    الأهلي يعتذر للحزم: ديانج ليس للبيع    رابطة الأندية تحدد موعد قرعة الدوري المصري.. رسميا    انتشال جثتين أسفل أنقاض عقار الساحل.. وإخلاء 11 منزلًا    انخفاض واضطراب وأتربة.. درجات الحرارة المتوقعة غدا الأحد على كافة الأنحاء    أمير كرارة: نفسي الجمهور يفضل يشوفني في كل حاجة ويحبني دايمًا| خاص    جنات تنضم لنجوم الصيف وتكشف موعد طرح ألبوم «ألوم على مين»    في حر الصيف.. احذر حساسية العين والنزلات المعوية    تعويض إضافى 50% لعملاء الإنترنت الثابت.. وخصم 30% من الفاتورة الشهرية    حصاد الأسبوع    35% زيادة فى أسعار برامج رحلات العمرة لهذا العام    حسن سلامة: العلاقة بين مصر والسعودية أقوى من محاولات الفتنة والتاريخ يشهد    احتجاجات غاضبة بالسويد ضد جرائم إسرائيل في غزة    جهاز المحاسبة الألماني يحذر من عجز محتمل في صندوق المناخ والتحول التابع للحكومة    «أمن قنا» يكشف ملابسات العثور على «رضيع» في مقابر أبوتشت    فيلم مصري يقفز بايراداته إلى 137.6 مليون جنيه.. من أبطاله ؟    تنويه عاجل من «التنظيم والإدارة» بشأن مستندات المتقدمين لوظائف هيئة البريد    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت 5.47 مليون خدمة طبية مجانية خلال 4 أيام    فستان جريء ومكشوف.. 5 صور ل نادين نجيم من حفل زفاف ابن ايلي صعب    ليالي المسرح الحر تختتم الدورة ال20 وتعلن نتائج المسابقات    براتب 900 يورو.. آخر فرصة للتقديم على فرص عمل في البوسنة ومقدونيا    قوات العشائر تسيطر على بلدة شهبا بريف السويداء    دون إبداء أسباب.. روسيا تعلن إرجاء منتدى الجيش 2025 إلى موعد لاحق    تقارير.. راشفورد قريب من الانضمام إلى برشلونة    الأهلي يعلن استقالة أمير توفيق من منصبه في شركة الكرة    وفد الناتو يشيد بجهود مصر في دعم السلم والأمن الأفريقي    رئيس جامعة قناة السويس يوجه بسرعة الانتهاء من إعلان نتائج الامتحانات    روسيا: مجموعة بريكس تتجه نحو التعامل بالعملات الوطنية بدلاً من الدولار    صدقي صخر صاحب شركة إعلانات في مسلسل كتالوج    هل يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها الفقير؟.. محمد علي يوضح    دعاء أواخر شهر محرم.. اغتنم الفرصة وردده الآن    بلغة الإشارة.. الجامع الأزهر يوضح أسباب الهجرة النبوية    يومًا من البحث والألم.. لغز اختفاء جثمان غريق الدقهلية يحيّر الجميع    ضبط 20 سائقًا يتعاطون المخدرات في حملة مفاجئة بأسوان (صور)    وزير الصحة يوجه بتعزيز الخدمات الطبية بمستشفى جوستاف روسي    محافظ كفرالشيخ ورئيس جامعة الأزهر يتفقدان القافلة الطبية التنموية الشاملة بقرية سنهور المدينة بدسوق    ليلى علوي نجم الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    داعية إسلامي يوضح أسرار الصلاة المشيشية    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يتابع مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال توفير التغذية الكهربائية لمشروعات الدلتا الجديدة    "بائعة طيور تستغيث والداخلية تستجيب".. ماذا حدث في المعادي؟    ضبط طن من زيت الطعام المستعمل داخل مصنع مخالف لإعادة تدوير زيوت الطعام ببنى سويف    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    خبر في الجول - جلسة بين جون إدوارد ومسؤولي زد لحسم انتقال محمد إسماعيل للزمالك    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    برنامج تدريبي لتأهيل طلاب الثانوية لاختبار قدرات التربية الموسيقية بجامعة السويس    توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية ولويفيل الأمريكية    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    أسعار اللحوم اليوم السبت 19-7-2025 بأسواق محافظة مطروح    خالد جلال: معالي يشبه الغندور وحفني.. وسيصنع الفارق مع الزمالك    سوريا وإسرائيل تتفقان على إنهاء الصراع برعاية أمريكية    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحث عن المستقبل في " قطعة ليل "
نشر في صوت البلد يوم 16 - 03 - 2017

من يقرأ قصص "قطعة ليل" للأديب المصري أحمد الخميسي سيجد أن شخصياتها قد تم اختيارها بدقة لتكشف عن هواجس كاتبها وتجربته الحياتية بأسلوب لغوي خالص، اتخذها ترجمة صريحة لمشاعر الإنسان الممزقة بين الأسى والحلم بشعاع أمل قد يأتي لاحقا.
صدرت هذه المجموعة القصصية سنة 2003 عن دار ميريت للنشر، وتحتوي على 12 قصة قصيرة حملت جملة في الإهداء تختزل خلفية مضمونها: "إلى المستقبل الذي لا يأتي أبدا".
القصة الأولى "تصادف أنني" تحكي لنا قصة شاب شاعر جاء من الريف وكل ثروته قصائد وآمال وجدها أمامه، خصوصا أنه التقى بفتاة شابة أصبحت تتذكره بعد رحيله، كما نقرأ ذلك على لسان السارد: " عيناها كانتا نفس العينين الواسعتين، تشاكسان بتحد ضاحك. لكن شيئا فيهما بعد رحيل الشاعر كان ينفلت من دورة الحياة حولها ويصب روحها كلها بعيدا في عالم آخر. أدهشني أنها ما زالت كما رأيتها وأنا صغير تعيش حقيقة واحدة، كما يحيا الإنسان على ضوء نجوم ربما لم تعد موجودة منذ زمن بعيد." (ص 6)
القصة الثانية "قطعة ليل" تحكي لنا عن رحلة ثلاثة من الشبان كانوا يسيرون منهكين في بحر من الضوء بحثا عن خيط من الظلمة، لكن كل ذلك التعب والإرهاق كان دون جدوى في النهاية: " كان الثلاثة يجرجرون خطواتهم والغبار يتصاعد حول أقدامهم والعرق يسيل من أعناقهم إلى ظهورهم. من وقت لآخر كان أحدهم يتطلع إلى جانبي الطريق المقفرة بحثا عن ظل شجرة، أو إلى السماء ربما تعبر سحابة مثقلة بالماء، أو يرهف السمع إلى خرير مياه في نهر بعيد متخيل." (ص 9)
القصة الثالثة "غيمة" تحكي لنا عن وفاة أم البطل وهي في كامل قواها العقلية والنفسية، حتى أنها لم تكن تريد سوى جرعة ماء قبل رحيلها غير أن روحها لازمت ابنها الأصغر على مدى شهرين:
"أشفقنا جميعا على أخي لأنه يعيش في نفس الشقة تحيطه أنفاس أمي وأشياؤها. وكنا نستشعر صعوبة وضعه إذا تجمعنا في البيت لسبب أو آخر، لأننا كنا نحس أن طيف أمي يجوس صامتا سجينا في الهواء." (ص 15)
قد يلاحظ المتلقي أن هناك علاقة موازية إجمالا بين النصوص القصصية في "قطعة ليل" وعناوينها التي تنطوي على صيغ وجدانية تتجسد في اندماج الشخصية الرئيسية مع الآخر.
تعود الذاكرة بالبطل إلى سن التاسعة في القصة الرابعة "إغفاءة" حين زار والده في السجن، وبمرور السنوات تتكرر زيارة الأب له وهو سجين، كما نستشف ذلك في المشهد السردي الآتي: " زارني وجلسنا في غرفة مأمور آخر، بسجن آخر. هذه المرة لم تسعفه حيل الكبار الأولى ولم تسعفني براءة السنوات الأولى. راح يتطلع فيما حوله بقلق مفتشا في الغرفة المقبضة عن ريشة من طائر البهجة، ثم وكأنما عثر عليها أخرج كيسا كبيرا دفع به تحت أنف المأمور قائلا: وضعت هنا كل الممنوعات معا الشاي والبن والورق والأقلام لتسمح بمرورها كلها دفعة واحدة. ودارى المأمور ضحكته بيده. فابتسم وضمني بعينيه يسألني دون كلام: شفت؟" (ص 22)
القصة الخامسة "نتف الثلج" تجمع البطل بحبيبته في رحلة على متن القطار باتجاه توديع صديق سيسافر إلى وطنه، فتجمعهما الصدفة بالعديد من الشخصيات تحديدا طفلة صغيرة تجذب انتباه الجميع، حتى أنها تدفع البطل للتفكير في نهاية علاقته مع حبيبته: " تأملت الرجل والطفلة معا. رأيت – كأنما فجأة - أنهما يبدوان كأب وابنته حقا. نقلت بصري إلى الأم وشاهدتها بعين أخرى: راكبة عابرة جلست بالمصادفة بالقرب منهما." (ص 29)
يحاول البطل إبعاد ذلك الشخص المعروف الذي لم يسبق أن رآه عن ذاكرته في القصة السادسة "قرب الفجر" بعدما تخلف عن موعده في الحضور لتناول العشاء مع الجميع، غير أن أفراد أسرته خصوصا العمة تستنكر أنه لا يساعد غيره خصوصا أقاربه، كما جاء ذلك على لسان السارد: " فكرت أنه لا بد من مقابلته إن حانت الفرصة لأرى من يكون. ولما دعيت تلك الليلة إلى العشاء وقيل لي إنه سيحضر ذهبت إلى هناك بأمل." (ص 34)
تتمتع الشخصيات المحورية في قصص "قطعة ليل" ببطولة عادية تعكس نفسية الإحباط والانكسار والضعف والفشل والحب والحنين إلى الماضي، فهي لا تمتلك سلاحا سوى الأمل في غد أفضل قد لا يأتي أبدا.
يظل البطل – الصبي - في انتظار أمه في القصة السابعة "السند" وهو على سطح البيت، ويملأ قلبه السرور بعدما يطل رأسها من هبوة غبار بضوء الشمس من بعيد: " تخض الفرحة قلبه بشدة عندما تصبح أمه قريبة واضحة وترفع عينيها إلى السطح لأنها تتوقع أنه يقف هناك يتطلع إلى الطريق ولا يفقد الأمل." (ص 39)
في القصة الثامنة "اثنان" تسافر زوجة البطل إلى الإسكندرية بحثا عن عمل بينما يظل هو على عادته بين البيت والوظيفة، غير أن تلك العلاقة كانت تمر بفتور عاطفي، كما نستشف ذلك في المشهد السرد الموالي: "كانت تدرك أن تلك المشكلة ليست كل ما يسوقها إلى الإسكندرية والالتقاء هناك بعزت بحثا عن عمل. ثمة شيء آخر أيضا، ربما شعورها الذي يطفو ثقيلا أنها لا تحس بالطمأنينة معه، لأنه في أغلب الأحوال نهب لوساوس وظنون صغيرة تسعى كالظلال تلتهم شعوره بمتعة الوجود." (ص 49)
في القصة التاسعة "نقطة عبور" يحكي لنا البطل عن فرصته الذهبية في حصوله على بطاقة لحضور حفلة السلطانة، والتي كانت محض صدفة لا تفوت: " كان ضابطا كبيرا في الجيش، ولم ينجب، فاعتبرني في محل ولده لأنني كنت أظل واقفا –عند زيارته لنا - خافض الرأس لا أجلس أبدا إلا بعد أن يستريح هو على مقعده فيمتدحني: أنت شاب محترم. هكذا بدأت علاقتنا. لهذا حصلت على البطاقة، وها أنا أرسل بصري إلى المنصة منتظرا أن تخفت أنوار الصالة وتشرق كوكب الغناء." (ص 56)
يتعرف البطل على زوجته صدفة في القصة العاشرة "موج أبيض" فيتزوجها، ثم بمرور الوقت يكتشف خيانتها له دون سابق إنذار، كما جاء على لسان السارد: " لم تعد تشبه المرأة التي عرفتها من قبل. مكثت متجمدا في مكاني لحظات ألاحق ما يتهدم في داخلي حتى لم يبق بين ضلوعي سوى فراغ أسود. لم أعد أنا أيضا أشبه نفسي. حط علي شعور ثقيل كئيب." (ص 64)
يستعين المبدع أحمد الخميسي في قصص "قطعة ليل" بتقنية المونولوج الداخلي ليعكس رؤى شخصياتها وتأملاتها الفكرية وهي تلاحق تشظي الذاكرة كي يتحقق دمجها بأحداث الزمن الحاضر.
يجد البطل نفسه يقف في عتمة الشرفة في القصة الحادية عشرة "نبضة" بعد زيارته للطبيب مع زوجته الحامل، والتي تمنت ألا يحدث ذلك لظروفهم المعيشية القاسية خصوصا بعد تحطم كتفه بسبب انزلاقه بالموتوسيكل وهو ينقل شطائر البيتزا الساخنة في صندوق مغلق: " خلال الشهور الأولى باع التلفزيون، ثم تصرفت نوال في السلسلة والقرط الذهبي وأثناء بحثه عن عمل بدأ رحلة القروض الصغيرة، وانتهى بمبيت عند الأقارب اتخذ في البداية شكل زيارة بالمصادفة، وحين تكررت المصادفة أدرك الجميع ما وراءها، فتضاءلت الحفاوة وبان الفتور." (ص 75 - 76 )
تتدافع الصور المتكررة كل يوم إلى ذاكرة البطل في القصة الأخيرة "وقت آخر" فيستغرب الأمر، حتى أنه لا يجد تفسيرا مطلقا لصور قريته الناعسة التي تتكرر نفسها بلا نهاية ووجوه الركاب في الأتوبيس التي لم تعد تتبدل، حتى أن عمله لا يبدأ إلا بعد استدعاء المدير له، كما أن نفس كلمات زميله تتكرر عن الخطوبة فيحاول الهرب من كل هذا من خلال طلب إجازة مرضية:
"هل يصدق الأطباء ويكذب عقله الذي يعي وعينيه اللتين تريان؟ وهل من دواء يطرد ما تثيره أحداث الأيام الأخيرة من شعور غريب بأنه يعيش حياة بالية من زمن سابق لرجل آخر استنفدها ثم خلعها لأول عابر طريق؟" (ص 85)
لا تخلو هذه المجموعة القصصية من انكسار ذاتي لنفسية شخصيات المبدع أحمد الخميسي في العموم، وهي تبحث لها عن بقعة ضوء في حياتها المستقبلية التي قد لا تأتي غالبا لكن يبقى الأمل قائما لطرد جرعات الألم القاسية تلك، حتى أنها عكست مقدرة الكاتب على تطويع السرد القصصي لخدمة النفس البشرية الممزقة بلغة بسيطة لا تخلو من الواقعية ذات الأبعاد الرمزية.
من يقرأ قصص "قطعة ليل" للأديب المصري أحمد الخميسي سيجد أن شخصياتها قد تم اختيارها بدقة لتكشف عن هواجس كاتبها وتجربته الحياتية بأسلوب لغوي خالص، اتخذها ترجمة صريحة لمشاعر الإنسان الممزقة بين الأسى والحلم بشعاع أمل قد يأتي لاحقا.
صدرت هذه المجموعة القصصية سنة 2003 عن دار ميريت للنشر، وتحتوي على 12 قصة قصيرة حملت جملة في الإهداء تختزل خلفية مضمونها: "إلى المستقبل الذي لا يأتي أبدا".
القصة الأولى "تصادف أنني" تحكي لنا قصة شاب شاعر جاء من الريف وكل ثروته قصائد وآمال وجدها أمامه، خصوصا أنه التقى بفتاة شابة أصبحت تتذكره بعد رحيله، كما نقرأ ذلك على لسان السارد: " عيناها كانتا نفس العينين الواسعتين، تشاكسان بتحد ضاحك. لكن شيئا فيهما بعد رحيل الشاعر كان ينفلت من دورة الحياة حولها ويصب روحها كلها بعيدا في عالم آخر. أدهشني أنها ما زالت كما رأيتها وأنا صغير تعيش حقيقة واحدة، كما يحيا الإنسان على ضوء نجوم ربما لم تعد موجودة منذ زمن بعيد." (ص 6)
القصة الثانية "قطعة ليل" تحكي لنا عن رحلة ثلاثة من الشبان كانوا يسيرون منهكين في بحر من الضوء بحثا عن خيط من الظلمة، لكن كل ذلك التعب والإرهاق كان دون جدوى في النهاية: " كان الثلاثة يجرجرون خطواتهم والغبار يتصاعد حول أقدامهم والعرق يسيل من أعناقهم إلى ظهورهم. من وقت لآخر كان أحدهم يتطلع إلى جانبي الطريق المقفرة بحثا عن ظل شجرة، أو إلى السماء ربما تعبر سحابة مثقلة بالماء، أو يرهف السمع إلى خرير مياه في نهر بعيد متخيل." (ص 9)
القصة الثالثة "غيمة" تحكي لنا عن وفاة أم البطل وهي في كامل قواها العقلية والنفسية، حتى أنها لم تكن تريد سوى جرعة ماء قبل رحيلها غير أن روحها لازمت ابنها الأصغر على مدى شهرين:
"أشفقنا جميعا على أخي لأنه يعيش في نفس الشقة تحيطه أنفاس أمي وأشياؤها. وكنا نستشعر صعوبة وضعه إذا تجمعنا في البيت لسبب أو آخر، لأننا كنا نحس أن طيف أمي يجوس صامتا سجينا في الهواء." (ص 15)
قد يلاحظ المتلقي أن هناك علاقة موازية إجمالا بين النصوص القصصية في "قطعة ليل" وعناوينها التي تنطوي على صيغ وجدانية تتجسد في اندماج الشخصية الرئيسية مع الآخر.
تعود الذاكرة بالبطل إلى سن التاسعة في القصة الرابعة "إغفاءة" حين زار والده في السجن، وبمرور السنوات تتكرر زيارة الأب له وهو سجين، كما نستشف ذلك في المشهد السردي الآتي: " زارني وجلسنا في غرفة مأمور آخر، بسجن آخر. هذه المرة لم تسعفه حيل الكبار الأولى ولم تسعفني براءة السنوات الأولى. راح يتطلع فيما حوله بقلق مفتشا في الغرفة المقبضة عن ريشة من طائر البهجة، ثم وكأنما عثر عليها أخرج كيسا كبيرا دفع به تحت أنف المأمور قائلا: وضعت هنا كل الممنوعات معا الشاي والبن والورق والأقلام لتسمح بمرورها كلها دفعة واحدة. ودارى المأمور ضحكته بيده. فابتسم وضمني بعينيه يسألني دون كلام: شفت؟" (ص 22)
القصة الخامسة "نتف الثلج" تجمع البطل بحبيبته في رحلة على متن القطار باتجاه توديع صديق سيسافر إلى وطنه، فتجمعهما الصدفة بالعديد من الشخصيات تحديدا طفلة صغيرة تجذب انتباه الجميع، حتى أنها تدفع البطل للتفكير في نهاية علاقته مع حبيبته: " تأملت الرجل والطفلة معا. رأيت – كأنما فجأة - أنهما يبدوان كأب وابنته حقا. نقلت بصري إلى الأم وشاهدتها بعين أخرى: راكبة عابرة جلست بالمصادفة بالقرب منهما." (ص 29)
يحاول البطل إبعاد ذلك الشخص المعروف الذي لم يسبق أن رآه عن ذاكرته في القصة السادسة "قرب الفجر" بعدما تخلف عن موعده في الحضور لتناول العشاء مع الجميع، غير أن أفراد أسرته خصوصا العمة تستنكر أنه لا يساعد غيره خصوصا أقاربه، كما جاء ذلك على لسان السارد: " فكرت أنه لا بد من مقابلته إن حانت الفرصة لأرى من يكون. ولما دعيت تلك الليلة إلى العشاء وقيل لي إنه سيحضر ذهبت إلى هناك بأمل." (ص 34)
تتمتع الشخصيات المحورية في قصص "قطعة ليل" ببطولة عادية تعكس نفسية الإحباط والانكسار والضعف والفشل والحب والحنين إلى الماضي، فهي لا تمتلك سلاحا سوى الأمل في غد أفضل قد لا يأتي أبدا.
يظل البطل – الصبي - في انتظار أمه في القصة السابعة "السند" وهو على سطح البيت، ويملأ قلبه السرور بعدما يطل رأسها من هبوة غبار بضوء الشمس من بعيد: " تخض الفرحة قلبه بشدة عندما تصبح أمه قريبة واضحة وترفع عينيها إلى السطح لأنها تتوقع أنه يقف هناك يتطلع إلى الطريق ولا يفقد الأمل." (ص 39)
في القصة الثامنة "اثنان" تسافر زوجة البطل إلى الإسكندرية بحثا عن عمل بينما يظل هو على عادته بين البيت والوظيفة، غير أن تلك العلاقة كانت تمر بفتور عاطفي، كما نستشف ذلك في المشهد السرد الموالي: "كانت تدرك أن تلك المشكلة ليست كل ما يسوقها إلى الإسكندرية والالتقاء هناك بعزت بحثا عن عمل. ثمة شيء آخر أيضا، ربما شعورها الذي يطفو ثقيلا أنها لا تحس بالطمأنينة معه، لأنه في أغلب الأحوال نهب لوساوس وظنون صغيرة تسعى كالظلال تلتهم شعوره بمتعة الوجود." (ص 49)
في القصة التاسعة "نقطة عبور" يحكي لنا البطل عن فرصته الذهبية في حصوله على بطاقة لحضور حفلة السلطانة، والتي كانت محض صدفة لا تفوت: " كان ضابطا كبيرا في الجيش، ولم ينجب، فاعتبرني في محل ولده لأنني كنت أظل واقفا –عند زيارته لنا - خافض الرأس لا أجلس أبدا إلا بعد أن يستريح هو على مقعده فيمتدحني: أنت شاب محترم. هكذا بدأت علاقتنا. لهذا حصلت على البطاقة، وها أنا أرسل بصري إلى المنصة منتظرا أن تخفت أنوار الصالة وتشرق كوكب الغناء." (ص 56)
يتعرف البطل على زوجته صدفة في القصة العاشرة "موج أبيض" فيتزوجها، ثم بمرور الوقت يكتشف خيانتها له دون سابق إنذار، كما جاء على لسان السارد: " لم تعد تشبه المرأة التي عرفتها من قبل. مكثت متجمدا في مكاني لحظات ألاحق ما يتهدم في داخلي حتى لم يبق بين ضلوعي سوى فراغ أسود. لم أعد أنا أيضا أشبه نفسي. حط علي شعور ثقيل كئيب." (ص 64)
يستعين المبدع أحمد الخميسي في قصص "قطعة ليل" بتقنية المونولوج الداخلي ليعكس رؤى شخصياتها وتأملاتها الفكرية وهي تلاحق تشظي الذاكرة كي يتحقق دمجها بأحداث الزمن الحاضر.
يجد البطل نفسه يقف في عتمة الشرفة في القصة الحادية عشرة "نبضة" بعد زيارته للطبيب مع زوجته الحامل، والتي تمنت ألا يحدث ذلك لظروفهم المعيشية القاسية خصوصا بعد تحطم كتفه بسبب انزلاقه بالموتوسيكل وهو ينقل شطائر البيتزا الساخنة في صندوق مغلق: " خلال الشهور الأولى باع التلفزيون، ثم تصرفت نوال في السلسلة والقرط الذهبي وأثناء بحثه عن عمل بدأ رحلة القروض الصغيرة، وانتهى بمبيت عند الأقارب اتخذ في البداية شكل زيارة بالمصادفة، وحين تكررت المصادفة أدرك الجميع ما وراءها، فتضاءلت الحفاوة وبان الفتور." (ص 75 - 76 )
تتدافع الصور المتكررة كل يوم إلى ذاكرة البطل في القصة الأخيرة "وقت آخر" فيستغرب الأمر، حتى أنه لا يجد تفسيرا مطلقا لصور قريته الناعسة التي تتكرر نفسها بلا نهاية ووجوه الركاب في الأتوبيس التي لم تعد تتبدل، حتى أن عمله لا يبدأ إلا بعد استدعاء المدير له، كما أن نفس كلمات زميله تتكرر عن الخطوبة فيحاول الهرب من كل هذا من خلال طلب إجازة مرضية:
"هل يصدق الأطباء ويكذب عقله الذي يعي وعينيه اللتين تريان؟ وهل من دواء يطرد ما تثيره أحداث الأيام الأخيرة من شعور غريب بأنه يعيش حياة بالية من زمن سابق لرجل آخر استنفدها ثم خلعها لأول عابر طريق؟" (ص 85)
لا تخلو هذه المجموعة القصصية من انكسار ذاتي لنفسية شخصيات المبدع أحمد الخميسي في العموم، وهي تبحث لها عن بقعة ضوء في حياتها المستقبلية التي قد لا تأتي غالبا لكن يبقى الأمل قائما لطرد جرعات الألم القاسية تلك، حتى أنها عكست مقدرة الكاتب على تطويع السرد القصصي لخدمة النفس البشرية الممزقة بلغة بسيطة لا تخلو من الواقعية ذات الأبعاد الرمزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.