اعرف مرشحك.. أسماء المرشحين في انتخابات الشيوخ 2025 بجميع المحافظات | مستند    طب قصر العيني يبحث مع مسؤول سنغالي تعزيز التعاون في التعليم الطبي بالفرنسية    ما مصير أسعار الذهب الفترة المقبلة؟ الشعبة توضح    Carry On.. مصر تقترب من إطلاق أكبر سلسلة تجارية لطرح السلع بأسعار مخفضة    وزير الكهرباء يبحث الموقف التنفيذي لتوفير التغذية لمشروعات الدلتا الجديدة    زيلينسكي: روسيا أطلقت أكثر من 300 غارة جوية على أوكرانيا    الإصلاح والنهضة: الشراكة الاستراتيجية بين مصر والسعودية حجر الزاوية لاستقرار المنطقة    لويس دياز يتمسك بالرحيل عن صفوف ليفربول    تصاعد كثيف للدخان.. حريق يلتهم مخزنًا في البدرشين | صور    الطقس غدا.. انخفاض الحرارة وارتفاع الرطوبة والعظمى بالقاهرة 35 درجة    الأوقاف في ذكرى اكتشاف حجر رشيد: شاهد على سبق الحضارة المصرية    ليلى علوي نجم الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    بالصور.. نانسي عجرم تستعرض إطلالتها بحفل زفاف نجل إيلي صعب    إلهام شاهين وابنة شقيقتها تحضران حفل زفاف في لبنان (صور)    أسباب الشعور الدائم بالحر.. احذرها    أسيل أسامة تحصد ذهبية رمي الرمح بالبطولة الأفريقية في نيجيريا    محافظ المنيا يتفقد سير العمل بمحطة رفع صرف صحي بقرية بردنوها    طفل يقود تريلا.. الداخلية تكشف ملابسات فيديو صادم | فيديو    تعاون أكاديمي جديد.. بنها ولويفيل الأمريكية تطلقان مسار ماجستير في الهندسة    إصابة 20 شخصًا إثر حادث دهس بلوس أنجلوس    القاهرة الإخبارية: وقف الحرب لم يضع حدًا للاشتباكات في السويداء    الحكم على الرئيس البرازيلي السابق بوضع سوار مراقبة إلكتروني بالكاحل    رسالة مؤثرة وتحية ل"الكينج".. أنغام تتألق بافتتاح مهرجان العلمين الجديدة    محافظ البنك المركزي يشارك في الاجتماع الثالث لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين "G20"    وزارة الصحة": إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار منذ انطلاقها في يوليو 2018    "بائعة طيور تستغيث والداخلية تستجيب".. ماذا حدث في المعادي؟    الاستهدافات مستمرة.. غزة تدخل مرحلة الموت جوعًا    تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي فوق النبطية والحدود الجنوبية للبنان    اندلاع حريق داخل مخزن فى البدرشين والأطفاء تحاول إخماده    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يُقر تعويضات إضافية لعملاء الإنترنت الثابت    التعليم: إتاحة الاختيار بين الثانوية والبكالوريا أمام طلاب الإعدادية قريبا    ضبط طن من زيت الطعام المستعمل داخل مصنع مخالف لإعادة تدوير زيوت الطعام ببنى سويف    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    سلاح أبيض وخلافات زوجية.. إصابة شابين بطعنات في مشاجرة بقنا    ليفربول يعزز هجومه بهداف أينتراخت    "استعان بأصدقائه".. كيف يعمل رونالدو على إعادة النصر لمنصات التتويج؟    بعد فسخ عقده مع القادسية السعودي.. أوباميانج قريب من العودة لمارسيليا    إسرائيليون يعبرون إلى الأراضي السورية بعد اشتباكات مع جيش الاحتلال    توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية ولويفيل الأمريكية    بسبب تشابه الأسماء.. موقف محرج للنجم "لي جون يونغ" في حفل "Blue Dragon"    الواعظة أسماء أحمد: ارحموا أولادكم صغارًا تنالوا برهم كبارًا.. والدين دين رحمة لا قسوة    عاوزه أوزع الميراث على البنات والأولاد بالتساوى؟.. أمين الفتوى يجيب    «سباكة ولحام ونجارة».. بدء الاختبارات العملية للمرشحين للعمل في الإمارات (تفاصيل)    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    «الرعاية الصحية»: إنشاء مركز تميز لعلاج الأورام في محافظة أسوان    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    «350 من 9 جامعات».. وصول الطلاب المشاركين بملتقى إبداع لكليات التربية النوعية ببنها (صور)    شاهد أعمال تركيب القضبان بمشروع الخط الأول بشبكة القطار الكهربائى السريع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    البطاطس ب9 جنيهات.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت في سوق العبور للجملة    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    أول ظهور ل رزان مغربي بعد حادث سقوط السقف عليها.. ورسالة مؤثرة من مدير أعمالها    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حضور الغياب.. بين المختارات والنص المفتوح
نشر في صوت البلد يوم 02 - 06 - 2016

"حضور الغياب" هو الكتاب الأول للباحث والناقد د. مدحت عيسى الذي يقدمه من منطقة جديدة عليه تتماس مع النص السردي وفن المختارات في تجربة جديدة. صدر الكتاب عن دار ليليت للنشر والتوزيع بالإسكندرية عام 2016.
التضاد في العنوان، حضور الغياب، يفيد تضاد الحالات التي يمر بها العاشق ومشاعره حتى في اللحظة الواحدة، ويعلي من شأن الغياب، فالعشق عمل جواني سري، لكنه حاضر، فيجعل الكفة الراجحة في العنوان للغياب وإن يأتي هو الكلمة الثانية في تركيب المضاف والمضاف إليه.
وحضور الغياب هو عنوان أحد فصول الكتاب، وهو أيضا الحالة التي يمكن أن تجمع بقية الحالات في إطارها، أو التي يمكن أن يكون بينها وبين بقية الحالات تماسات ما.
العنوان الفرعي "تأملات في العشق" يلقي الضوء بالتخصيص على مطلق الحضور والغياب في العنوان الرئيس بأنه حضور وغياب يخص منطقة العشق، ويوضح آلية عمل الكاتب في هذه المنطقة بالاتكاء على التأملات في موضوع العشق، والتأملات عقلانية أكثر منها وجدانية، وهو ما يشي بأن الكاتب سيخضع ما هو وجداني (العشق) لما هو عقلاني (التأمل) لكي يفهمه أو يوضحه أو يقترب منه إلخ.
لا يشتمل الكتاب على إهداء، لأن الإهداء بطبيعته إما أن يكون شخصيا يخص الكاتب والمهدى إليه، أو يكون موجِهًا للقارئ بشكل أو بآخر، وقد حرص الكاتب على نفي الشخصانية حتى لا يخص الكتاب أحدا، ويخص كل أحد، وحرص على عدم توجيه القارئ مكتفيا بما سيشرحه في مقدمة الكتاب.
وقد أكدت المقدمة ما أوحى به العنوان الفرعي، حيث يبدأ الكاتب بالإشارة إلى أشهر الكتب التي تتناول العشق وأحوال العشاق، ثم يتحدث عن (منهج) الكتاب، حيث ينقسم إلى قسمين، الأول يدخل في باب التأليف وهو ما كتبه مؤلف الكتاب بنفسه ليصف حالات العشاق، ولم يرد أن يرتبها ترتيبا منطقيا كما يقتضي البحث، بل ترك هذه "الحالات العشقية مضطربة الترتيب كاضطراب العاشق في جل أحواله" ص6.
وهذا القسم وجداني أدبي يقترب من القص بشكل أو بآخر وإن لم يكن قصا في المطلق "فلن يتساهل الناقد مع نفسه بإطلاق مسمى قصص على كتاب يعرف علميا أن ما به ليس قصة قصيرة بالمعنى الدقيق".
أما القسم الثاني فهو المختارات التي اختارها الكاتب لكل حالة من هذه الحالات العشقية، وقد راعى أن تكون المختارات في أغلبها نثرية وليست شعرية، ليتناغم الأسلوب الذي كتب به الحالات العشقية مع أسلوب المختارات، لكنه من حيث الموضوع حرص على التنويع في المختارات فلم تكن دائما متوافقة مع الحالة العشقية بل مثلت هذه النصوص بالنسبة له "تلقائية الاستجابة العاطفية والإطار الأدبي المتفاعل مع الحالات بالتفسير، أو بالقبول، أو بالاختلاف" ص6.
والمختارات فن عربي قديم، مارسه الكثيرون، ولعل أشهر أعمال المختارات الشعرية "ديوان الحماسة" لأبي تمام، وفي العصر الحديث هناك الكثير من المختارات منها "أحلى عشرين قصيدة في العشق الإلهي" لفاروق شوشة على سبيل المثال، وقد كانت المختارات في الغالب شعرية، لذلك حرص الكاتب هنا على أن تكون معظم مختاراته نثرية.
ولأن الكاتب قدم حالات القسم الأول كطرح أدبي، فقد حرص على أن تكون مختاراته أدبية في المقام الأول فلم يتطرق إلى أقوال الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع في موضوع العشق.
ولا بد أن أشير هنا إلى أن التقسيم إلى القسم الأول والثاني في كلامي قد لا يكون دقيقا تماما، بل الأفضل أن نقول القسم الأعلى والتالي، لأن الأول والثاني توحى بقسمين منفصلين، لكن الكاتب قسم فصول الكتاب بحيث يبدأ كل قسم بحالة عشقية تليها مختارات هذه الحالة، وكأنها صدر وعجز البيت الشعرى.
يقدم الكاتب 27 حالة عشقية معظمها مفتوح النهايات ليمنح القارئ فرصة المشاركة في التفاعل وإنتاج النص الذي ليس قصة بالضرورة ولكنه سرد أقرب إلى البوح أو الفضفضة، والحالات مكتوبة بلغة تجمع بين تقنية التكثيف كسرد ووصف الحالة كبحث، وتتكئ الحالات على المشاعر الرومانسية غالبا التي تفجرها أفكار العاشق أو الأحداث اليومية في سرد بسيط لا يدعي التعقيد، ولا يدعي الكاتب أن ال 27 حالة هي كل الحالات العشقية الممكنة، لكنها كل الحالات التي استطاع رصدها ومعايشتها ساردًا هذه الحالات.
وبداية من أول حالة عشقية (بين الصمت والبوح) سيكون علينا أن نفصل بين الكاتب والسارد، فالكاتب الذي وضع عنوان الكتاب ومخططه وأسلوب العمل فيه وكتب مقدمته، يترك مساحة السرد لسارد آخر هو من عايش وعانى الحالات العشقية، والسارد يروى جميع الحالات بضمير المتكلم بصفته ساردًا مشاركًا، ويقوم الكاتب بمتابعة هذه الحالات بالتعليق عليها من خلال المختارات التي عني الكاتب باختيارها بينما يعانى (فرحًا وألمًا) السارد بمعايشتها.
وإذا قرأنا عناوين هذه الحالات متتابعة فإنها يمكن بتجاورها فقط أن ترسم صورة بانورامية لحالات العشق التي عاشها السارد (بين الصمت والبوح.. صورة غائمة.. انتظار.. لغة أخرى.. ألق.. حضور الغياب.. الطيف.. وآويت إلىَّ.. أما بعد.. طقوس.. من أول السطر.. لا بد منها.. الهدية.. ظلال البعيدة.. التورط.. النافذة.. في الحب شيء من كل شيء.. الأفعال تتحدث بصوت أعلى.. قلق دائم.. الجسد.. الرفيق.. الرسول.. تفاصيل.. غضب.. الوصايا.. وانفرط انسجام الكون.. تماثل).
فلم يترك الكاتب الأمر للصدفة في ترتيب الحالات كما اعترف في المقدمة، فهو على الأقل تعمد وضع الحالة الأولى التي تصف التردد بين الصمت وكتمان الحب وبين البوح بالمشاعر، والحالة الأخيرة التي هي مآل المرور في كل الحالات العشقية المتناقضة وهي حالة التماثل بين الحبيبين.
ونلاحظ أن معظم عناوين الحالات من كلمة واحدة غير معرفة، أو من مضاف ومضاف إليه، عناوين قليلة هي التي جاءت في جملة كاملة، لكن الكلمات المفردة المعرفة وغير المعرفة، والمضاف والمضاف إليه، والعناوين الجمل، كلها تشير إلى عموميات ولا تحدد معنى واحدًا أو معانى واضحة يمكن أن نعرفها من العنوان فقط، إذ العنوان مجرد مفتاح إشاري لن يفهمه القارئ ولن يتمثله إلا إذ فتح الباب وولج بكله إلى الحالة العشقية فتمثل ساردها في نفسه.
ويختم الكاتب كتابه بقائمة المصادر التي استقى منها المختارات النثرية والشعرية المناسبة لحالاته العشقية، وهو هنا يمثل أنبل ما في فكرة المختارات، فأساس هذه الفكرة هي الإعجاب بشيء، والسعادة به، ثم الرغبة في نشر هذا الإعجاب وتلك السعادة لتشمل أكبر عدد من الناس، لذلك يفتح الكاتب الباب على مصراعيه لمن أراد أن يشاركوه إعجابه وسعادته ليتعاملوا مع المصادر نفسها، فكأنه أعطاهم شربة ماء، ودلهم في الوقت نفسه على طريق النهر.
يمكن أن تقرأ هذا الكتاب بطريقتين، الطريقة الأولى فصلا فصلا، تقرأ الحالة العشقية ثم مختاراتها، الطريقة الثانية تقرأ الحالات العشقية متسلسلة وحدها، ثم تقرأ المختارت وحدها، وستصل بك كلا الطريقتين إلى النتيجة نفسها.
الأديب مدحت عيسى عندما قدم كتابه الأول وبه نصوص سردية أقرب إلى فن القص فإنه صاغها بيدين، يد الأديب ويد الباحث معا، ثم تردد أن يقدمها للقارئ ليحكم عليها وهو الذي طالما حكم على أعمال المبدعين، وهي جديرة بأن تقدم للقارئ منفردة كنصوص سردية بدون تجنيس.
لكن المبدع احتمى بالباحث فقدمها مع المختارات التي اتكأ فيها الباحث على آخرين لا يمكن ألا يرضى القارئ عن معظمهم إن لم يرض عنهم جميعا، محمود درويش ومصطفى صادق الرافعى وصلاح عبدالصبور ونزار قباني والعقاد والسراج وابن حزم وابن قيم الجوزية وداود الأنطاكي وأحمد عبدالمعطي حجازى وجبران وغيرهم، حتى إذا لم يستقبل القارئ السرد الاستقبال الذي يليق به وجد على الأقل ما يرضيه في المختارات، وتلك المختارات تشير إلى الذوق الراقي في الانتقاء من حيث تذوق اللغة والفكرة معا، وأتمنى ألا يخشى السارد في الكتاب القادم قارئه ولا يحتمي بالباحث في مواجهته.
"حضور الغياب" هو الكتاب الأول للباحث والناقد د. مدحت عيسى الذي يقدمه من منطقة جديدة عليه تتماس مع النص السردي وفن المختارات في تجربة جديدة. صدر الكتاب عن دار ليليت للنشر والتوزيع بالإسكندرية عام 2016.
التضاد في العنوان، حضور الغياب، يفيد تضاد الحالات التي يمر بها العاشق ومشاعره حتى في اللحظة الواحدة، ويعلي من شأن الغياب، فالعشق عمل جواني سري، لكنه حاضر، فيجعل الكفة الراجحة في العنوان للغياب وإن يأتي هو الكلمة الثانية في تركيب المضاف والمضاف إليه.
وحضور الغياب هو عنوان أحد فصول الكتاب، وهو أيضا الحالة التي يمكن أن تجمع بقية الحالات في إطارها، أو التي يمكن أن يكون بينها وبين بقية الحالات تماسات ما.
العنوان الفرعي "تأملات في العشق" يلقي الضوء بالتخصيص على مطلق الحضور والغياب في العنوان الرئيس بأنه حضور وغياب يخص منطقة العشق، ويوضح آلية عمل الكاتب في هذه المنطقة بالاتكاء على التأملات في موضوع العشق، والتأملات عقلانية أكثر منها وجدانية، وهو ما يشي بأن الكاتب سيخضع ما هو وجداني (العشق) لما هو عقلاني (التأمل) لكي يفهمه أو يوضحه أو يقترب منه إلخ.
لا يشتمل الكتاب على إهداء، لأن الإهداء بطبيعته إما أن يكون شخصيا يخص الكاتب والمهدى إليه، أو يكون موجِهًا للقارئ بشكل أو بآخر، وقد حرص الكاتب على نفي الشخصانية حتى لا يخص الكتاب أحدا، ويخص كل أحد، وحرص على عدم توجيه القارئ مكتفيا بما سيشرحه في مقدمة الكتاب.
وقد أكدت المقدمة ما أوحى به العنوان الفرعي، حيث يبدأ الكاتب بالإشارة إلى أشهر الكتب التي تتناول العشق وأحوال العشاق، ثم يتحدث عن (منهج) الكتاب، حيث ينقسم إلى قسمين، الأول يدخل في باب التأليف وهو ما كتبه مؤلف الكتاب بنفسه ليصف حالات العشاق، ولم يرد أن يرتبها ترتيبا منطقيا كما يقتضي البحث، بل ترك هذه "الحالات العشقية مضطربة الترتيب كاضطراب العاشق في جل أحواله" ص6.
وهذا القسم وجداني أدبي يقترب من القص بشكل أو بآخر وإن لم يكن قصا في المطلق "فلن يتساهل الناقد مع نفسه بإطلاق مسمى قصص على كتاب يعرف علميا أن ما به ليس قصة قصيرة بالمعنى الدقيق".
أما القسم الثاني فهو المختارات التي اختارها الكاتب لكل حالة من هذه الحالات العشقية، وقد راعى أن تكون المختارات في أغلبها نثرية وليست شعرية، ليتناغم الأسلوب الذي كتب به الحالات العشقية مع أسلوب المختارات، لكنه من حيث الموضوع حرص على التنويع في المختارات فلم تكن دائما متوافقة مع الحالة العشقية بل مثلت هذه النصوص بالنسبة له "تلقائية الاستجابة العاطفية والإطار الأدبي المتفاعل مع الحالات بالتفسير، أو بالقبول، أو بالاختلاف" ص6.
والمختارات فن عربي قديم، مارسه الكثيرون، ولعل أشهر أعمال المختارات الشعرية "ديوان الحماسة" لأبي تمام، وفي العصر الحديث هناك الكثير من المختارات منها "أحلى عشرين قصيدة في العشق الإلهي" لفاروق شوشة على سبيل المثال، وقد كانت المختارات في الغالب شعرية، لذلك حرص الكاتب هنا على أن تكون معظم مختاراته نثرية.
ولأن الكاتب قدم حالات القسم الأول كطرح أدبي، فقد حرص على أن تكون مختاراته أدبية في المقام الأول فلم يتطرق إلى أقوال الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع في موضوع العشق.
ولا بد أن أشير هنا إلى أن التقسيم إلى القسم الأول والثاني في كلامي قد لا يكون دقيقا تماما، بل الأفضل أن نقول القسم الأعلى والتالي، لأن الأول والثاني توحى بقسمين منفصلين، لكن الكاتب قسم فصول الكتاب بحيث يبدأ كل قسم بحالة عشقية تليها مختارات هذه الحالة، وكأنها صدر وعجز البيت الشعرى.
يقدم الكاتب 27 حالة عشقية معظمها مفتوح النهايات ليمنح القارئ فرصة المشاركة في التفاعل وإنتاج النص الذي ليس قصة بالضرورة ولكنه سرد أقرب إلى البوح أو الفضفضة، والحالات مكتوبة بلغة تجمع بين تقنية التكثيف كسرد ووصف الحالة كبحث، وتتكئ الحالات على المشاعر الرومانسية غالبا التي تفجرها أفكار العاشق أو الأحداث اليومية في سرد بسيط لا يدعي التعقيد، ولا يدعي الكاتب أن ال 27 حالة هي كل الحالات العشقية الممكنة، لكنها كل الحالات التي استطاع رصدها ومعايشتها ساردًا هذه الحالات.
وبداية من أول حالة عشقية (بين الصمت والبوح) سيكون علينا أن نفصل بين الكاتب والسارد، فالكاتب الذي وضع عنوان الكتاب ومخططه وأسلوب العمل فيه وكتب مقدمته، يترك مساحة السرد لسارد آخر هو من عايش وعانى الحالات العشقية، والسارد يروى جميع الحالات بضمير المتكلم بصفته ساردًا مشاركًا، ويقوم الكاتب بمتابعة هذه الحالات بالتعليق عليها من خلال المختارات التي عني الكاتب باختيارها بينما يعانى (فرحًا وألمًا) السارد بمعايشتها.
وإذا قرأنا عناوين هذه الحالات متتابعة فإنها يمكن بتجاورها فقط أن ترسم صورة بانورامية لحالات العشق التي عاشها السارد (بين الصمت والبوح.. صورة غائمة.. انتظار.. لغة أخرى.. ألق.. حضور الغياب.. الطيف.. وآويت إلىَّ.. أما بعد.. طقوس.. من أول السطر.. لا بد منها.. الهدية.. ظلال البعيدة.. التورط.. النافذة.. في الحب شيء من كل شيء.. الأفعال تتحدث بصوت أعلى.. قلق دائم.. الجسد.. الرفيق.. الرسول.. تفاصيل.. غضب.. الوصايا.. وانفرط انسجام الكون.. تماثل).
فلم يترك الكاتب الأمر للصدفة في ترتيب الحالات كما اعترف في المقدمة، فهو على الأقل تعمد وضع الحالة الأولى التي تصف التردد بين الصمت وكتمان الحب وبين البوح بالمشاعر، والحالة الأخيرة التي هي مآل المرور في كل الحالات العشقية المتناقضة وهي حالة التماثل بين الحبيبين.
ونلاحظ أن معظم عناوين الحالات من كلمة واحدة غير معرفة، أو من مضاف ومضاف إليه، عناوين قليلة هي التي جاءت في جملة كاملة، لكن الكلمات المفردة المعرفة وغير المعرفة، والمضاف والمضاف إليه، والعناوين الجمل، كلها تشير إلى عموميات ولا تحدد معنى واحدًا أو معانى واضحة يمكن أن نعرفها من العنوان فقط، إذ العنوان مجرد مفتاح إشاري لن يفهمه القارئ ولن يتمثله إلا إذ فتح الباب وولج بكله إلى الحالة العشقية فتمثل ساردها في نفسه.
ويختم الكاتب كتابه بقائمة المصادر التي استقى منها المختارات النثرية والشعرية المناسبة لحالاته العشقية، وهو هنا يمثل أنبل ما في فكرة المختارات، فأساس هذه الفكرة هي الإعجاب بشيء، والسعادة به، ثم الرغبة في نشر هذا الإعجاب وتلك السعادة لتشمل أكبر عدد من الناس، لذلك يفتح الكاتب الباب على مصراعيه لمن أراد أن يشاركوه إعجابه وسعادته ليتعاملوا مع المصادر نفسها، فكأنه أعطاهم شربة ماء، ودلهم في الوقت نفسه على طريق النهر.
يمكن أن تقرأ هذا الكتاب بطريقتين، الطريقة الأولى فصلا فصلا، تقرأ الحالة العشقية ثم مختاراتها، الطريقة الثانية تقرأ الحالات العشقية متسلسلة وحدها، ثم تقرأ المختارت وحدها، وستصل بك كلا الطريقتين إلى النتيجة نفسها.
الأديب مدحت عيسى عندما قدم كتابه الأول وبه نصوص سردية أقرب إلى فن القص فإنه صاغها بيدين، يد الأديب ويد الباحث معا، ثم تردد أن يقدمها للقارئ ليحكم عليها وهو الذي طالما حكم على أعمال المبدعين، وهي جديرة بأن تقدم للقارئ منفردة كنصوص سردية بدون تجنيس.
لكن المبدع احتمى بالباحث فقدمها مع المختارات التي اتكأ فيها الباحث على آخرين لا يمكن ألا يرضى القارئ عن معظمهم إن لم يرض عنهم جميعا، محمود درويش ومصطفى صادق الرافعى وصلاح عبدالصبور ونزار قباني والعقاد والسراج وابن حزم وابن قيم الجوزية وداود الأنطاكي وأحمد عبدالمعطي حجازى وجبران وغيرهم، حتى إذا لم يستقبل القارئ السرد الاستقبال الذي يليق به وجد على الأقل ما يرضيه في المختارات، وتلك المختارات تشير إلى الذوق الراقي في الانتقاء من حيث تذوق اللغة والفكرة معا، وأتمنى ألا يخشى السارد في الكتاب القادم قارئه ولا يحتمي بالباحث في مواجهته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.