صدقت معظم التوقعات واستطلاعات الرأي التي تنبأت بفشل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. وللمرة الأولى منذ عام 2002، لم يتمكن الحزب في الحصول على الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية، وحصل على 40,8 في المائة فقط من الأصوات. وهي نتيجة وصفها الخبراء بأنها ضربة قاتلة لجهود الرئيس رجب طيب أردوغان لتغيير النظام الرئاسي بشكل يمنحه مزيدا من السلطات. إذن، تلقى أردوغان ضربة قوية في الانتخابات التشريعية من خلال عدم التجديد للغالبية المطلقة التي كان يحظى بها حزب العدالة والتنمية في البرلمان منذ ثلاثة عشر عاما. واليوم يتحدث الخبراء عن عدد من السيناريوهات السياسية المحتملة لتشكيل حكومة غداة هذا الاقتراع، فبموجب الدستور سيطلب أردوغان من رئيس حزب العدالة والتنمية الذي احتل الطليعة، تشكيل حكومة جديدة. ويمكن نظريا أن يشكل رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو فريقا حكوميا يعتبر أقلية، ما يعني حكما أنه غير مستقر، ويحكم بمفرده. لكن رئيس الدولة استبعد هذه الفرضية. ولفت في أول رد فعل له إلى «أن النتائج الحالية لا تعطي الفرصة لأي حزب لتشكيل حكومة بمفرده». «أورينت برس» أعدت التقرير التالي: رغم أن حزب العدالة والتنمية تصدر قائمة الفائزين، فإنه فوز بطعم الخسارة بالنسبة إلى الرئيس رجب طيب اردوغان، الذي انقطعت به الطريق السهلة نحو الرئاسة المطلقة، بخسارة حزبه بحصوله على 258 مقعدا فقط، فمن دون الحصول على 367 مقعدا على الأقل في البرلمان المكون من 550 مقعدا في تركيا، يجد أردوغان نفسه يفتقد الأغلبية المطلقة التي يحتاجها من أجل تغيير النظام في تركيا وجعله نظاما رئاسيا، من شأنه أن يزيد رسميا في صلاحياته. ومن دون الحصول على 367 مقعدا على الأقل، يفتقر أردوغان إلى الأغلبية البسيطة اللازمة التي تمكنه من تشكيل حكومة بشكل منفرد، وبالتالي إلى تأمين خطته لانتقال الرئاسة عن طريق الاستفتاء. اليوم، يواجه حزب العدالة والتنمية تحدي تشكيل حكومة جديدة، بعدما أخفق في الحصول على أغلبية مطلقة. وبعد فرز جميع الأصوات، حصل حزب العدالة والتنمية على 40,8 في المائة فقط، ما يمنحه 258 مقعدا في البرلمان الذي يضم 550 عضوا. وكان الحزب يأمل في الاستحواذ على 330 مقعدا والتمكن من عمل استفتاء حول تغيير نظام الحكم. وحصل حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد على 13 في المائة من الأصوات، ما يمنحه 79 مقعدا في البرلمان الذي يدخله للمرة الأولى. أما حزب الشعب الجمهوري، من تيار يسار الوسط، فقد حصل على ما يزيد قليلا على 24 بالمائة من الأصوات، فيما حصل حزب الحركة القومية اليميني المتشدد على 16,4 في المائة من الأصوات. وقبل عام 2002، مرت تركيا بفترة شهدت حكومات ائتلافية غير مستقرة. أما العهد الذي انفرد فيه حزب العدالة والتنمية بالحكم، فقد شهد استقرارا سياسيا نسبيا ونموا اقتصاديا. ومع ذلك فإن معارضي اردوغان اتهموه بالسلطوية المتزايدة خلال وجوده في السلطة. وقد أكد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو احترامه لقرار الشعب التركي في الانتخابات التشريعية، وصرح بأن حزبه سيعيد تقييم الأمور، ودعا الأحزاب التركية إلى صياغة دستور مدني جديد لتركيا. وأوضح أن حزبه سيعيد تقييم الأمور، وسيجري الاستشارات الضرورية، وسيقدم على اتخاذ الخطوات المناسبة التي «من شأنها جلب الاستقرار للشعب التركي»، وقال موجها حديثه إلى الأحزاب التركية الأخرى «على الجميع أن يعيد تقييم الأمور، وأدعو الأحزاب التركية مجددا، إلى صياغة دستور مدني جديد لتركيا، من أجل مستقبلها ولتحقيق السلام والاستقرار لها». سيناريوهات كثيرة هناك عدة سيناريوهات مقترحة من اجل تشكيل الحكومة الجديدة في تركيا، منها مثلا تشكيل ائتلاف من ثلاثة أحزاب معارضة: نظريا يعتبر ذلك أمرا ممكنا تماما. فقد حصل حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي) على نحو 24 في المائة من الأصوات و132 مقعدا نيابيا، وحزب العمل القومي (يميني) على 16,3 في المائة و80 مقعدا وحزب الشعب الديمقراطي (مناصر للأكراد - يساري) على 13,1 في المائة و80 مقعدا، أي ما يشكل غالبية من 292 نائبا. وصرح المتحدث باسم الحزب الذي احتل المرتبة الثانية بعد الحزب الحاكم خلوق كوتش ب«أن حزب الشعب الجمهوري قادر تماما على تشكيل حكومة». إلا أن احتمال التعايش بين القوميين الاتراك والأكراد يبدو ضئيلا جدا. فحزب الشعوب الديمقراطي القريب من حزب العمال الكردستاني يدعم عملية السلام بين الحكومة وزعيمه عبدالله اوجلان. لكن حزب العمل القومي يعتبر أوجلان «ارهابيا» ويدافع بشراسة عن وحدة تركيا، كما يرفض ذلك صراحة. يبقى سيناريو تركيبة أخرى مؤلفة من حزبين فقط. وقال مراقبون «إن ائتلافا ممكنا بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العمل القومي قد يدعمه حزب الشعب الديمقراطي في البرلمان، الذي لن يشارك في الحكومة». وثمة ائتلاف آخر ممكن بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعب الديمقراطي يدعمه حزب العمل القومي. أما الخيار الآخر فهو اقامة تحالف بين العدالة والتنمية وأي حزب آخر: إنها الفرضية المرجحة من قبل قادة حزب العدالة والتنمية والمراقبين. وأكد داود أوغلو بوضوح أنه لن يتخلى عن السلطة. ففي الوقت الحاضر يبدو سيناريو تشكيل ائتلاف الأكثر ترجيحا. وقال المتحدث باسم الحكومة الحالية «إن أي تشكيل لن يوصد الباب مطلقا» أمام تحالف مع أحزاب أخرى للحكم. لكن قبل الانتخابات رفضت أحزاب المعارضة الثلاثة فكرة تشكيل ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية تحت وصاية الرئيس اردوغان الذي وصفته طيلة الحملة الانتخابية ب «المستبد». وهناك بالطبع خيار آخر اضافي، ألا وهو الدعوة إلى انتخابات جديدة، ففي حال فشل المحاولات لتشكيل حكومة في غضون الأيام ال45 المقبلة، إذ يمكن لرئيس الدولة أن يحل «الجمعية الوطنية الكبرى» ويدعو إلى انتخابات مبكرة بموجب الدستور. وبعد النكسة التي حلت بحزب العدالة والتنمية، لوحت الصحف الحكومية بأن «انتخابات مبكرة في الأفق»، لكن نائب رئيس الوزراء اعتبر من ناحيته «أن الخيار الأخير هو الأبعد». لا شك ان فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية مطلقة يمثل نهاية لأكثر من عشر سنوات من الحكم المستقر لحزب واحد ويعد انتكاسة لكل من أردوغان وداود أوغلو. فقد صور الرجلان الانتخابات على أنها اختيار بين «تركيا جديدة» والعودة إلى تاريخ تميز بحكوماته الائتلافية القصيرة العمر وعدم الاستقرار الاقتصادي وانقلابات دبرها الجيش الذي استطاع اردوغان كبح جماحه. وبعد أن كان أردوغان حادا في انتقاداته لخصومه الذين اتهمهم في الماضي بخيانة تركيا بدت نبرته استرضائية في أول تعليقات له عقب الانتخابات في تناقض صارخ لما كان يبدو عليه من خيلاء الزهو بالانتصار بعد الانتخابات المحلية والانتخابات الرئاسية في الفترة الأخيرة. وقال أردوغان «رأي شعبنا فوق كل شيء آخر. أعتقد أن النتائج التي لا تتيح لأي حزب أن يشكل حكومة من حزب واحد ستقيم تقييما سليما وواقعيا من جانب كل حزب». ويبدو واضحا ان اردوغان الذي مني بخسارة قاسية، وإن كانت متوقعة، قد اكسب لنفسه عدوا، من خلال استعداء الاكراد في تصريحاته، الامر الذي دفع بأصواتهم إلى خصومه السياسيين وبالتالي تسبب في خسارته الغالبية المطلقة. وقد احتفل الاكراد حول العالم بتمكنهم من دخول البرلمان وبتراجع حزب اردوغان.