البابا تواضروس الثاني يؤسس الأمانة العامة للمؤسسات التعليمية القبطية    وزير الصناعة يلتقي وزير البنية التحتية والنقل بجمهورية السودان لبحث سبل تعزيز التعاون    وزارة الطيران المدني تنفي طرح أي حصص للمساهمة من جانب البنوك أو شركات الاستثمار السياحي    حماس تدعو ضامني اتفاق غزة للتحرك العاجل لإيصال المساعدات إلى القطاع    وزير الخارجية المصري والسعودي يؤكدان عمق العلاقات الأخوية والتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية    البريكان يقود هجوم منتخب السعودية ضد ساحل العاج وديا    انسحاب الطيران بعد «دستة أهداف».. الأهلي يحسم الفوز إداريًا في دوري الكرة النسائية    الداخلية تكشف حقيقة تلقي أحد الأشخاص رسائل تهديد من ضباط شرطة| فيديو    ضبط 100 طن أسمدة وأعلاف مغشوشة داخل مصنع بدون ترخيص بالقليوبية    السفارة المصرية في روما تنظم احتفالية ترويجية للمتحف المصري الكبير    الأهلي يتوج ببطولة السوبر المصري لكرة اليد بعد الفوز على سموحة    قيادي ب«فتح»: يجب احترام الشرعية الفلسطينية بعد الاتفاق على قوة دولية مؤقتة    محافظ المنيا يبحث مع وفد الإصلاح الزراعي خطة تطوير المشروعات الإنتاجية    "البرهان" يعلن التعبئة العامة من منطقة السريحة بولاية الجزيرة    وزيرة الثقافة البريطانية تعترف: التعيينات السياسية فىBBC أضرت بالثقة    الهيئة القومية للأنفاق: تشغيل المرحلة الأولى من الخط الأول للقطار السريع في الربع الأول من 2027    الخريطة الكاملة لمناطق الإيجار السكنى المتميزة والمتوسطة والاقتصادية فى الجيزة    سيطرة آسيوية وأوروبية على منصات التتويج في بطولة العالم للرماية    وزارة الشؤون النيابية تصدر إنفوجراف جديدا بشأن المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    14 نوفمبر 2025.. أسعار الذهب تتراجع 55 جنيها وعيار 21 يسجل 5510 جينهات    ضبط 25 طن ملح صناعي يعاد تدويره وتعبئته داخل مخزن غير مرخص ببنها    رفع آثار حادث ثلاث سيارات بطوخ وإعادة فتح الطريق أمام الحركة المرورية    الزراعة": توزيع 75 سطارة مطورة لرفع كفاءة زراعة القمح على مصاطب ودعم الممارسات الحديثة المرشدة للمياه في المحافظات    بدء تطبيق نظام الحجز المسبق لتنظيم زيارة المتحف المصرى الكبير الأحد    أهرامات الجيزة ترحب بالسائحين.. وفصل الخريف الأنسب    المسلماني: مجلس «الوطنية للإعلام» يرفض مقترح تغيير اسم «نايل تي في»    وبالوالدين إحسانًا.. خطيب المسجد الحرام يوضح صور العقوق وحكم الشرع    "سد الحنك" حلوى الشتاء الدافئة وطريقة تحضيرها بسهولة    الصحة: إنشاء سجل وطني لتتبع نتائج الزراعة ومقارنتها بين المراكز    حبس زوجة أب في سمالوط متهمة بتعذيب وقتل ابنة زوجها    اليوم.. عبد الله رشدي ضيف برنامج مساء الياسمين للرد على اتهامات زوجته الثانية    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    «الصحة» و«الاتصالات» تستعرضان دور الذكاء الاصطناعي في دعم التنمية البشرية    اللهم صيبا نافعا.. تعرف على الصيغة الصحيحة لدعاء المطر    محمد عبدالعزيز عن ابنه كريم عبدالعزيز: "ابني ينوي إعادة تقديم فيلم انتخبوا الدكتور"    بسبب تغيرات المناخ.. 29 حريقا خلال ساعات الليل فى غابات الجزائر.. فيديو    اليوم العالمي للسكر| وزير الصحة يعلن توجيه ميزانية موسعة للوقاية منه    سلامة عيون أطفال مصر.. مبادرة الداخلية "كلنا واحد" تكشف وتداوي (فيديو)    الإئتلاف المصرى لحقوق الإنسان والتنمية : خريطة جديدة للمشهد الانتخابي: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تنظم جلسة حول الاستثمار في الشباب من أجل التنمية    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    انطلاق قافلة دعوية للأزهر والأوقاف والإفتاء إلى مساجد شمال سيناء    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    جبران: تعزيز العمل اللائق أولوية وطنية لتحقيق التنمية الشاملة    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    قيصر الغناء يعود إلى البتراء، كاظم الساهر يلتقي جمهوره في أضخم حفلات نوفمبر    أيمن عاشور: انضمام الجيزة لمدن الإبداع العالمية يدعم الصناعات الثقافية في مصر    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    زى النهارده.. منتخب مصر يضرب الجزائر بثنائية زكي ومتعب في تصفيات كأس العالم 2010    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    اليوم.. أوقاف الفيوم تفتتح مسجد"الرحمة"بمركز سنورس    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    أدار مباراة في الدوري المصري.. محرز المالكي حكم مباراة الأهلي ضد شبيبة القبائل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب والبيئة الافتراضية
نشر في صوت البلد يوم 01 - 03 - 2020

ما برح الإبداع متلازمًا بمفهوم النخبوية وكان الاهتمام بالمجال الإبداعي وظيفةً لأقلية محدودة، بالمقابل فإنَّ الجمهور قد انحصر دورهُ في المتابعة دون أن يكون لرأيه تأثير على المنجز الأدبي، كما أنَّ دائرة التواصل بين المبدع ومتابعيه ظلت محدودة، وكل ما يُعرف عن حياة الأدباء وشخصياتهم كان نزرًا يسيرًا من الصور المنشورة في الصحف، كأن ما قاله ديكارت "عاش جيدًا من أتقن فن الإختفاء" كان بمثابة شعار لكثير من المبدعين، وغالبًا ما لجأ القراءُ إلى النصوص لتحديد الخلفية الفكرية والأيدولوجية لكاتبهم المفضل وذلك كله أورث نظرة مثالية لشخصية المبدع.
رفض الكاتب الفرنسي موباسان نشر صورته في سلسلة مخصصة لمشاهير الكتاب متذرعًا بأن "حياة الإنسان الخاصة وصورته لا يخصان الجمهور". وكان فلوبير يقول "على الفنان أن يجعل الأجيال اللاحقة تعتقدُ بأنَّه لم يكن موجودًا".
والسؤال الذي يفرضُ نفسه في هذا السياق هل يمكن للأديب أن يتعاملَ بهذا المنطق مع جمهوره في عصر الثورة المعلوماتية حيث يزداد يومًا وراء يوم عدد مرتادي ومستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي، وأصبحت منصاتها مفتوحة بوجه المواد المتنوعة؟ إذ أن المجال متاح للجميع للمشاركة بأفكارهم وتعليقاتهم حول ما يضخُ في العوالم الافتراضية. ومن المعلوم بأنَّ كثيرًا من مشاهير السياسة والفن يعلنون مواقفهم ويكشفون عن مشاريعهم من خلال تغريداتهم ومنشوراتهم في صفحاتهم الخاصة، ومن ثمَّ تنتقلُ تلك المعلوماتُ إلى الإعلام التقليدي، وهذا يعني تضخم دور الإعلام البديل وامتداده إلى كل مناحي الحياة.
بالعودة إلى السؤال حول منطق الأديب وسلوكه في التواصل مع الجمهور القراء وما يحتمه الواقع الافتراضي من التحولات يجبُ إجراء مقارنة سريعة بين دور المطبعة في انتشار الكتب وتأثير الشبكة العنكبوتية على المستوى الثفافي والفكري عبر إنشاء المكتبات الإلكترونية حيثُ يمكن الوصول إليها بفضل محرك البحث.
قبل ظهور الطباعة لم تكن الكتب متوفرة لكل من يرغب في المعرفة والقراءة وركنت المؤلفات النادرة في مكتبة الأرستقراطيين باعتبارها زينةً أو شهادةً لعراقة النسب. لكن هذا الواقع تبدلَّ مع اختراع المطبعة فبالتالي فرصة اكتساب المعرفة لم تعد حكرًا على مجموعة معينة إنما بدأت مرحلة جديدة على الصعيد المعرفي والفكري وتوجَّتها حركة التنوير إذ حل المفكر مكان الكاهن أو رجل الدين في المجتمع، وانتهت شرعية وصاية سلطة الأكليروس على العقل، فأصبح الإنسانُ مُتحررًامن المُحددات اللاهوتي.
لا شكَّ كان وراء هذا المنعطف الفكري عدة عوامل لعلَّ أبرزها هو المطبعة التي ساهمت في انتشار النتاجات الفلسفية والأدبية والعملية على نطاق أوسع.
الغرضُ مما قدم سلفًا هو الإبانة عن وجود علاقة جدلية بين الإنسان وما يخترعهُ من الوسائل، عندما نجحَ الكائن البشري في تسمية الأشياء من خلال إيجاد لغة الرموز والإيماءة اتخذ الوعي منحى أكثر رقيًّا وبذلك تلقي الإنجازات والاكتشافات وإحداثيات العصر بظلالها على النسق الفكري والمسلك الحياتي بحيثُ يجبُ القيام بنحت مفاهيم جديدة لبناء رؤية مواكبة لمتطلبات الواقع واستشراف أفق التحولات فيما يحتدُ النقاشُ حول دور العالم الافتراضي على اختيارات الفرد وأشكال الحياة وتغذية النزعة الاستهلاكية وابرام الصفقات التجارية ونشر الأفكار المتطرفة غاب الاهتمام برصد مفاعيل هذه الوسائط على المستوى الفكري والثقافي والتفاعل السريع بين القاريء والمنتج الأدبي، فأصبح المؤلف يراهنُ على القاريء الذي يخرجُ نصه من العتمة، وهذا ما ينبيءُ بوجود من يزاحمُ الناقد في وظيفته ولا ينفردُ طرف معينُ بإعطاء كلمة المرور للنصوص وتعميد الأعمال الأدبية، وما دفع بالقاريء العادي إلى الواجهة هو انفتاح البيئة الافتراضية على الجمهور وهو من فئات وطبائع متنوعة بخلاف ما هو معروف عن الصحف والمجلات التي لا يخلو نظامها من الطابع النخبوي والاعتبارات الأيدولوجية، بينما تتجاورُ في الوسائط الرقمية خطابات متعددة وهذا ما يزيدُ من فعاليتها أكثر إذ بدأ كثيرٌ من الأدباء بفتح قنوات التواصل المباشر مع متابعيهم ويعيدونَ مشاركة التعليقات والآراء في حسابهم الخاص، كما أن غلاف الإصدارات الأدبية تسبحُ على الجدار الأزرق مرفقًا بمقتبسات من المحتوى لذا ليس من المستغرب وجود هذا التنويه "مأخوذ من صفحة فيس بوك لفلان" في أسفل المقالات المنشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية مع تصاعد حجم التفاعل مع المنجزات الأدبية ومتابعة الأخبار في العالم البديل يزداد نشاط المبدعين في المساحات الافتراضية.
تقول الروائية السورية لينا هويان الحسن إن نسخ روايتها "نازك خان" و"سلطانات الرمل" بيعت منها أضعافًا مضاعفة من "ألما ونساء" علمًا بأنَّ الأخيرة وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، وذلك نتيجة تفاعل الجمهور مع مضمون العنوانين المشار إليهما سابقًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعن مدى استفادة المبدع من رأي متابعيه وإضافة هؤلاء إلى منجزه الأدبي أشارت هويان الحسن إلى أن "مواقع القراءة تثبت حضورك ورأي القرّاء ببساطة يأتي واضحًا دون فذلكات نقدية"، أكثر من ذلك فإنَّ السوشيال ميديا وصفحات القراءة برأي مؤلفة "بنت الباشا تلعبُ دورًا كبيرًا في نقل عدوى الإقبال على أعمال أدبية بعينه.
ومن جهتها أكدت الكاتبة والروائية اللبنانية كاتيا الطويل على أن الكاتب اليوم يستفيدُ من حضوره في وسائل التواصل الإجتماعي ليروج لمؤلفاته لافتةً إلى وجود التنافس بين صفحات الكتاب الذين ينشرون صورهم ومقتبسات من أعمالهم غير أن خدمة هذه الوسائط للكتاب محدودة بنظر الطويل، لأنَّ النصّ الجيد هو الذي يضمن للكاتب ثقة قرّائه به وحبّهم له وتعلّقهم بأدبه.
وعن رأيها بالسجالات الأدبية التي تدور على مرأى من الجمهور على شبكات التواصل الإجتماعي قالت صاحبة "السماءُ تهربُ كل يوم" لا أظنّ أنّ السجالات عميقة وفظّة في عالم الأدب اليوم، وبخاصّة بين الروائيّين العرب المعاصرين، وبخاصّة بوجود محافل الأدب ومعارض الكتاب والجوائز واللجان، فلم يعد الكاتب يستطيع إشهار عداوته وسخطه من دون أن يخشى العواقب الاجتماعيّة عليه وعلى مبيع كتبه.
وبدوره صرح الروائي التونسي كمال الرياحي بأنَّه يتعامل مع الكتابة بوصفها لعبة وتهمهُ مشاركة القاريء في هذه اللعبة. يُذكر أنَّ مؤلف "البيريتا يكسبُ دائمًا" يتواصل مع جمهوره باستمرار وينشرُ صور قرائه وهم يحتفون باصداره الجديد على جداره الأزرق.
وفي هذا السياق لا بدَّ من الإشارة إلى عاصفة غضب معجبي الروائي البرازيلي باولو كويلو على روايته "الزانية" حيثُ عبروا بشتى الطرق عن استهجانهم لهذا العمل الذي خيب بموضوعه الذي وُصف بالمبتذل أفق توقعهم.
إذًا فإنَّ القاريء في عصر العالم الافتراضي أصبح مراقبًا لكاتبه المفضل وقد يفتحُ معه مباشرة حلقة النقاش حول منجزه الإبداعي مبديًا رأيه دون المواربة فبدلاً من أن ينتظرَ الكاتب آراء النقاد ويترقبُ ما يكتبُ عن إصداراته الجديدة في الصحف يراهنُ على ما يقوله القاريء العادي عن نصوصه، وقد يكونُ هذا الواقع عاملاً لتشكيل مزاج جديد في الكتابة ونشوء ذائقة حساسة لدى الكاتب.
إذن لم يعد الكاتبُ كائنًا يبدع في صومعته ولا القاريء مجرد مستهلك بل ثمة جوائز تمنح باسمه.
ما برح الإبداع متلازمًا بمفهوم النخبوية وكان الاهتمام بالمجال الإبداعي وظيفةً لأقلية محدودة، بالمقابل فإنَّ الجمهور قد انحصر دورهُ في المتابعة دون أن يكون لرأيه تأثير على المنجز الأدبي، كما أنَّ دائرة التواصل بين المبدع ومتابعيه ظلت محدودة، وكل ما يُعرف عن حياة الأدباء وشخصياتهم كان نزرًا يسيرًا من الصور المنشورة في الصحف، كأن ما قاله ديكارت "عاش جيدًا من أتقن فن الإختفاء" كان بمثابة شعار لكثير من المبدعين، وغالبًا ما لجأ القراءُ إلى النصوص لتحديد الخلفية الفكرية والأيدولوجية لكاتبهم المفضل وذلك كله أورث نظرة مثالية لشخصية المبدع.
رفض الكاتب الفرنسي موباسان نشر صورته في سلسلة مخصصة لمشاهير الكتاب متذرعًا بأن "حياة الإنسان الخاصة وصورته لا يخصان الجمهور". وكان فلوبير يقول "على الفنان أن يجعل الأجيال اللاحقة تعتقدُ بأنَّه لم يكن موجودًا".
والسؤال الذي يفرضُ نفسه في هذا السياق هل يمكن للأديب أن يتعاملَ بهذا المنطق مع جمهوره في عصر الثورة المعلوماتية حيث يزداد يومًا وراء يوم عدد مرتادي ومستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي، وأصبحت منصاتها مفتوحة بوجه المواد المتنوعة؟ إذ أن المجال متاح للجميع للمشاركة بأفكارهم وتعليقاتهم حول ما يضخُ في العوالم الافتراضية. ومن المعلوم بأنَّ كثيرًا من مشاهير السياسة والفن يعلنون مواقفهم ويكشفون عن مشاريعهم من خلال تغريداتهم ومنشوراتهم في صفحاتهم الخاصة، ومن ثمَّ تنتقلُ تلك المعلوماتُ إلى الإعلام التقليدي، وهذا يعني تضخم دور الإعلام البديل وامتداده إلى كل مناحي الحياة.
بالعودة إلى السؤال حول منطق الأديب وسلوكه في التواصل مع الجمهور القراء وما يحتمه الواقع الافتراضي من التحولات يجبُ إجراء مقارنة سريعة بين دور المطبعة في انتشار الكتب وتأثير الشبكة العنكبوتية على المستوى الثفافي والفكري عبر إنشاء المكتبات الإلكترونية حيثُ يمكن الوصول إليها بفضل محرك البحث.
قبل ظهور الطباعة لم تكن الكتب متوفرة لكل من يرغب في المعرفة والقراءة وركنت المؤلفات النادرة في مكتبة الأرستقراطيين باعتبارها زينةً أو شهادةً لعراقة النسب. لكن هذا الواقع تبدلَّ مع اختراع المطبعة فبالتالي فرصة اكتساب المعرفة لم تعد حكرًا على مجموعة معينة إنما بدأت مرحلة جديدة على الصعيد المعرفي والفكري وتوجَّتها حركة التنوير إذ حل المفكر مكان الكاهن أو رجل الدين في المجتمع، وانتهت شرعية وصاية سلطة الأكليروس على العقل، فأصبح الإنسانُ مُتحررًامن المُحددات اللاهوتي.
لا شكَّ كان وراء هذا المنعطف الفكري عدة عوامل لعلَّ أبرزها هو المطبعة التي ساهمت في انتشار النتاجات الفلسفية والأدبية والعملية على نطاق أوسع.
الغرضُ مما قدم سلفًا هو الإبانة عن وجود علاقة جدلية بين الإنسان وما يخترعهُ من الوسائل، عندما نجحَ الكائن البشري في تسمية الأشياء من خلال إيجاد لغة الرموز والإيماءة اتخذ الوعي منحى أكثر رقيًّا وبذلك تلقي الإنجازات والاكتشافات وإحداثيات العصر بظلالها على النسق الفكري والمسلك الحياتي بحيثُ يجبُ القيام بنحت مفاهيم جديدة لبناء رؤية مواكبة لمتطلبات الواقع واستشراف أفق التحولات فيما يحتدُ النقاشُ حول دور العالم الافتراضي على اختيارات الفرد وأشكال الحياة وتغذية النزعة الاستهلاكية وابرام الصفقات التجارية ونشر الأفكار المتطرفة غاب الاهتمام برصد مفاعيل هذه الوسائط على المستوى الفكري والثقافي والتفاعل السريع بين القاريء والمنتج الأدبي، فأصبح المؤلف يراهنُ على القاريء الذي يخرجُ نصه من العتمة، وهذا ما ينبيءُ بوجود من يزاحمُ الناقد في وظيفته ولا ينفردُ طرف معينُ بإعطاء كلمة المرور للنصوص وتعميد الأعمال الأدبية، وما دفع بالقاريء العادي إلى الواجهة هو انفتاح البيئة الافتراضية على الجمهور وهو من فئات وطبائع متنوعة بخلاف ما هو معروف عن الصحف والمجلات التي لا يخلو نظامها من الطابع النخبوي والاعتبارات الأيدولوجية، بينما تتجاورُ في الوسائط الرقمية خطابات متعددة وهذا ما يزيدُ من فعاليتها أكثر إذ بدأ كثيرٌ من الأدباء بفتح قنوات التواصل المباشر مع متابعيهم ويعيدونَ مشاركة التعليقات والآراء في حسابهم الخاص، كما أن غلاف الإصدارات الأدبية تسبحُ على الجدار الأزرق مرفقًا بمقتبسات من المحتوى لذا ليس من المستغرب وجود هذا التنويه "مأخوذ من صفحة فيس بوك لفلان" في أسفل المقالات المنشورة في الصحف والمواقع الإلكترونية مع تصاعد حجم التفاعل مع المنجزات الأدبية ومتابعة الأخبار في العالم البديل يزداد نشاط المبدعين في المساحات الافتراضية.
تقول الروائية السورية لينا هويان الحسن إن نسخ روايتها "نازك خان" و"سلطانات الرمل" بيعت منها أضعافًا مضاعفة من "ألما ونساء" علمًا بأنَّ الأخيرة وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، وذلك نتيجة تفاعل الجمهور مع مضمون العنوانين المشار إليهما سابقًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعن مدى استفادة المبدع من رأي متابعيه وإضافة هؤلاء إلى منجزه الأدبي أشارت هويان الحسن إلى أن "مواقع القراءة تثبت حضورك ورأي القرّاء ببساطة يأتي واضحًا دون فذلكات نقدية"، أكثر من ذلك فإنَّ السوشيال ميديا وصفحات القراءة برأي مؤلفة "بنت الباشا تلعبُ دورًا كبيرًا في نقل عدوى الإقبال على أعمال أدبية بعينه.
ومن جهتها أكدت الكاتبة والروائية اللبنانية كاتيا الطويل على أن الكاتب اليوم يستفيدُ من حضوره في وسائل التواصل الإجتماعي ليروج لمؤلفاته لافتةً إلى وجود التنافس بين صفحات الكتاب الذين ينشرون صورهم ومقتبسات من أعمالهم غير أن خدمة هذه الوسائط للكتاب محدودة بنظر الطويل، لأنَّ النصّ الجيد هو الذي يضمن للكاتب ثقة قرّائه به وحبّهم له وتعلّقهم بأدبه.
وعن رأيها بالسجالات الأدبية التي تدور على مرأى من الجمهور على شبكات التواصل الإجتماعي قالت صاحبة "السماءُ تهربُ كل يوم" لا أظنّ أنّ السجالات عميقة وفظّة في عالم الأدب اليوم، وبخاصّة بين الروائيّين العرب المعاصرين، وبخاصّة بوجود محافل الأدب ومعارض الكتاب والجوائز واللجان، فلم يعد الكاتب يستطيع إشهار عداوته وسخطه من دون أن يخشى العواقب الاجتماعيّة عليه وعلى مبيع كتبه.
وبدوره صرح الروائي التونسي كمال الرياحي بأنَّه يتعامل مع الكتابة بوصفها لعبة وتهمهُ مشاركة القاريء في هذه اللعبة. يُذكر أنَّ مؤلف "البيريتا يكسبُ دائمًا" يتواصل مع جمهوره باستمرار وينشرُ صور قرائه وهم يحتفون باصداره الجديد على جداره الأزرق.
وفي هذا السياق لا بدَّ من الإشارة إلى عاصفة غضب معجبي الروائي البرازيلي باولو كويلو على روايته "الزانية" حيثُ عبروا بشتى الطرق عن استهجانهم لهذا العمل الذي خيب بموضوعه الذي وُصف بالمبتذل أفق توقعهم.
إذًا فإنَّ القاريء في عصر العالم الافتراضي أصبح مراقبًا لكاتبه المفضل وقد يفتحُ معه مباشرة حلقة النقاش حول منجزه الإبداعي مبديًا رأيه دون المواربة فبدلاً من أن ينتظرَ الكاتب آراء النقاد ويترقبُ ما يكتبُ عن إصداراته الجديدة في الصحف يراهنُ على ما يقوله القاريء العادي عن نصوصه، وقد يكونُ هذا الواقع عاملاً لتشكيل مزاج جديد في الكتابة ونشوء ذائقة حساسة لدى الكاتب.
إذن لم يعد الكاتبُ كائنًا يبدع في صومعته ولا القاريء مجرد مستهلك بل ثمة جوائز تمنح باسمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.