صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    الأسهم الأوروبية تتراجع عند الإغلاق وأسهم التكنولوجيا تحافظ على المكاسب    الأمم المتحدة تدعو لإصلاح النظام المالي للإسهام في تحقيق أهداف التنمية    رئيس جي في للاستثمارات لأموال الغد: 30 مليون دولار استثمارات متوقعة لاستكمال خطوط الإنتاج المطلوبة لسيارات لادا    لليوم ال201.. ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا    الهلال الأحمر المصري: إسرائيل تعطل إجراءات دخول الشاحنات إلى قطاع غزة    جدو: حسام حسن يجب أن يغير طريقته مع صلاح.. وتمنيت استمرار فيتوريا    قائمة يتصدرها ميسي.. نجوم العالم في انتظار جيرو بالدوري الأمريكي    علي فرج: مواجهة الشوربجي صعبة.. ومستعد لنصف نهائي الجونة «فيديو»    تعرف على تردد قناة الحياه الحمراء 2024 لمتابعة أقوى وأجدد المسلسلات    حفل ختام برنامجي دوي ونتشارك بمجمع إعلام الغردقة    تطورات أحوال الطقس في مصر.. استمرار الموجة الحارة على كافة الأنحاء    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    البابا تواضروس يشيد بفيلم السرب: يسطر صفحة ناصعة من صفحات القوات المسلحة    رئيس جامعة دمنهور يشهد فعاليات حفل ختام مهرجان بؤرة المسرحي    حفل تأبين أشرف عبد الغفور بالمسرح القومي    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    زيلينسكي: روسيا تسعى لعرقلة قمة السلام في سويسرا    عاجل - متى موعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 وكيفية ضبط الساعة يدويا؟    مخاوف في تل أبيب من اعتقال نتنياهو وقيادات إسرائيلية .. تفاصيل    وزير الاتصالات يؤكد أهمية توافر الكفاءات الرقمية لجذب الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    صراع ماركيز ومحفوظ في الفضاء الأزرق    السيد البدوي يدعو الوفديين لتنحية الخلافات والالتفاف خلف يمامة    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    "كولومبيا" لها تاريخ نضالي من فيتنام إلى غزة... كل ما تريد معرفته عن جامعة الثوار في أمريكا    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    «الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    أزمة الضمير الرياضى    سيناء من التحرير للتعمير    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    منتخب الناشئين يفوز على المغرب ويتصدر بطولة شمال إفريقيا الودية    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    بلطجة وترويع الناس.. تأجيل محاكمة 4 تجار مخدرات بتهمة قتل الشاب أيمن في كفر الشيخ - صور    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أليف شافاك وعقدة الاسم
نشر في صوت البلد يوم 20 - 08 - 2019

تختارُ الكاتبة والروائية التركية إليف شافاك مِنطقة جديدة لروايتها المعنونة ب "البنت التي لاتحب اسمها" الصادرة بترجمتها العربية من دار الآداب فبدلاً من الإشتغال على التراث الصوفي أو المُقتنعات العقائدية المُتعددة أو الإختلاف في الهويات تتناولُ مشكلة مُعاصرة إنطلاقاً من سرد حياة طفلةٍ تكره اسمها.
لا تسمي الكاتبةُ المدينة التي تعيشُ فيها الصغيرةُ بل تكتفي بوصف العمارة التي تقيمُ فيها مع الإشارة إلى ما تفضله من الفواكه وأمنيتها بأن يكون لديها قط أو حصان أو ماعز أو كلب لكن الأم لا يعجبها وجودُ هذه الحيوانات في البيت، نتيجة مُطالبة الابنة المُلحاحة بامتلاك حيوانٍ يهديها أبوها سلحفاتين مائيتين تطلق عليهما تسمية "الليل والنهار" غير أنه لا يوجدُ ما يميزُ بينهما.
وبما أنَّ هذه الفتاة تهتم بقراءة الكتب وتصفح الموسوعات وسماع الموسيقى واللعب بالكرة إلى جانب تخيل أشكال مألوفة من الغيوم لذا سرعان ما تعرف أن سلحفاة تأكل الديدان فتجمعُ عدداً منها في القارورة لتطعمَ "الليل والنهار" لكن والدتها خيال ترفض ذلك أيضاً وما يكونُ الحل سوى إطعام السلحفاتين بما يأكله أفرادُ الأسرة.
تأتي هذه التلميحات إلى اهتمامات زهرة ساردونيا وأجواء البئية الأسرية فضلاً عن تبيان بعض مواصفتها الخارجية. قبل الإنتقال إلى الحلقة الأساسية في مدماك العمل وهي عقدة الاسم إن صح التعبير، حيثُ ينقلُ الراوي كلي العلم مشاعر الفتاة عندما يلفتُ نظرها خبر منشور في الصحيفة التي يتابعها الوالد حول الأسماء الغريبة التي أطلقها مشاهير الفن على أبنائهم، وبهذا تدركُ بأنَّ اسمها ليس إستثناءً بيد أنَّ هذه الأسماء غير المألوفة أقل غرابةً مع ما يشيرُ إلى شخصها زهرة الساردونيا.
الجدل
تقومُ الرواية على بنية جدلية تنتظمُ من خلالها العلاقة الكائنة بين الطفلة والعالم المكون من المفردات والسلوكيات التي قد تبدوُ مُتناقضةً بالنسبة إليها. وما يشغلها أكثر من أي شيءٍ آخر هو تركيبة اسمها، لذا تسألُ الأمَّ عن إمكانية استبداله باسم جديد غير أن موقف خيال لا يتغيرُ أمام أسئلة ومطالب ابنتها مُحذرة ساردونيا من خسارة اسمها بحيثُ تصبحُ شخصاً، لا يًمكن التعامل معه إلا عبر الضمائر.
والمستغربُ في كلام الأم وتفسيراتها هو إضفاء الصفات الإنسانية للأشياء والأطعمة فحبات الأرز تبكي إن تركتها في الطبق، وهذا ما لا تفهمهُ ساردونيا وبناءً على هذا المنطق تسألُ هل يتألمُ التُفاح إذا تمَ تقشيره؟ ومن ثُمَّ تعللُ إستخدام الأمِ لمُستلزماتها بالإستمرار على المنوال نفسه.
يذكرُ أن المتلقي يتقيدُ تماماً بمستوى رؤية الراوي في مُتابعة يوميات الفتاة الصغيرة فبعدَ معرفة شخصية ساردونيا ضمن بيئة الأُسرة يتحركُ بندول السردِ نحو فضاء المدرسة. هناك تتفاقم المشكلة ماعدا معلمة العلوم التي تذكر اسمها كاملاً دون أن يتجرأ الطلاب على السخرية، فإنَّ بقية المعلمين ينادونها إما ب (ساردونيا) أو (زهرة) أكثر من ذلك تهتم المعلمة ليلى بأسئلة زهرة ساردونيا، ما يشدُ الأخيرة إلى مادة العلوم أكثر بينما لا يطيبُ لها درس الحساب. وتنكب على مُطالعة الأطلس عوضاً من الإستماع إلى المُعلم سنان المشهود له بصرامته متتبعة خريطة اليابان فهي واقعة في الشرق الأقصى بالنسبة لبعض الدول، وفي الشمال الأقصى لغيرها. طبعاً الغاية من إيراد هذه المعلومة هي الإبانة عن اختلاف وجهات النظر وفق موقع المرء فبالتالي أنَّ الأحكام لن تكونَ مطلقةً. طبعاً تعبرُ هذه الفقرة عن مبدأ الإنفتاح والتسامح الذي تعالجه مؤلفة "بنات حواء الثلاث" في رواياتها.
تناقضات
الوحدة التي فُرضت على ساردونيا لم تدفع بها نحو الإنطوائية، صحيح منعتها الأم من الإختلاط بالآخرين لكن عوضت الصغيرةُ فراغها الإجتماعي ببناء عالمها الخاص. وكانت ترمي أسئلتها الممنوعة في الكيس الذي سمتهُ بكيس الأسئلة. وتميزت ساردونيا بقدرتها على تجاهل مُشاكسات الطلاب ومواصلة السؤال عن الأشياء وإدراك التناقضات القائمة في تصرفات الكبار فهم ينظفون بيوتهم ومكان إقامتهم ويهملون نظافة المدينة.
ضف إلى ذلك ما برح هؤلاء يؤكدون على أهمية القراءة دون أن يقرؤوا الكتب متذرعين بضيق الوقت. والمثير في عالم الكبار هو غرابته وما يتمتعُون به من الحرية، لذا تتشوقُ الصغيرة للإنضمام إليهم. تقتنصُ ساردونيا الجمل والعبارات التي أصبحت لازمة للكبار وإذا رأت أحدهم أبعد بنظره فهذا يعني أنه يريد إخفاء أمر ما.
هكذا يتوالى السردُ إلى أن تأتى لحظة سفر الوالدين على الرغم من عدم إعلان الغرض لكن تعرف ساردونيا بأنَّ والدها يحتاج للمُعالجة خارج البلد تنتقلُ الابنةُ إلى بيت الجدة في الضاحية. وهذا التطور يصحبه إكتشاف سر الكرة التى وجدتها بين رفوف مكتبة المدرسة. إذ داهمها مرض الوالد قبل أن تخبر الأهل بما أخذته أو تعيده إلى المكتبة.
تدونُ ساردونيا في مذكراتها الموسومة بالشجرة خبر انتقالها إلى بيت الجدة موضحة السبب مع الإشارة إلى المدةِ التي من المفترض أن تمضيها هناك.
تمررُ شافاك على لسان الطفلة أسئلةً عن التمييز الجنسي بين الرجل والمرأة حينَ ترتشفُ ساردونيا الشاي فكرت هل يمكنُ أن تصبح الفتيات باشا يوماً ما؟ ما يمر كثيرُ من الوقت على مكوثها في الضاحية حتى تخرجَ ساردونيا من عزلتها وتكتسبُ أصدقاء يرافقونها في رحلاتٍ، وكل ذلك بفضل مجسم الكرة التي رُسمت عليها القارة الثامنة وهذا ما أثار إعجاب ساردونيا لأول وهلةٍ.
لعبة ذهنية
تتعرف ساردونيا على زهرة وأخيها أصوتاي الذي تسأله عن معنى اسمه فيردُ بأنه بمعنى صغير الحصان العصبي، ومن ثمَّ تُكْشفُ عن هوية بلدهما (أفهما) وخصوصياته. وأن ما يقومُ به الاثنان هو جمع الأفكار من بلاد مُتعددة ونقلها إلى أفهما لتُصنعَ منها القصص والحكايات، وبذلك تقيضت فرصة التواصل بين أفهما وبلدان أخرى.
وتضيفُ زهرة مشيرة إلى دور القراءة في إزدهار الطبيعة كلما قرأُ الطفلُ قصة تتفتحُ زهرةُ ويغردُ عصور في القارة الثامنة، وما يهددُ تلك القارة العجيبة بالجفاف هو عزوف الأطفال عن القراءة وإدمانهم بالإلكترونيات، ولم يعدْ لديهم أحلام وخيال ما يعني غياب المُغامرة والإبداع.
وتكمنُ أهمية الاثنين في القيام بإنقاذ موطنهما عبر جمع مزيدٍ من الأفكار قبل أن تحلَ الكارثة والأغرب في الأمر أن زهراء وأخاها يتبعانِ الإشارات المنبعثة من الكرة الموجودة لدى ساردونيا ويتمُ شحنها بالطاقة خلال وضعها بين الكتب وتضعفُ طاقة الكرة عندما تنتقلُ ساردونيا إلى بيت جدتها الفارغ من الكُتبِ.
وتسمعُ الصغيرة أنَّ هناك عدداً من المؤلفين والرسامين قد سافروا إلى القارة الثامنة لذا تتشجع لمرافقة صاحبيها في رحلة العودة، قبل ذلك يتطلبُ السفرُ شحن الكرة فتتكفلُ ساردونيا بإيجاد حلٍ من خلال قرطاسية السيد نظمي بينما ينشغلُ الأخيرُ بتلبية مطالبها تضعُ زهراءُ الكرة بين الكتب ثمَّ تبدأُ الرحلة. تعبرُ ساردونيا برفقة الاثنين بغابة الخيارات ما يصادفها يُضاعف لديها الشعور بالذهول وتتحقُ رغبتها بتناول الشكولاتة إلى أن يجد الأصدقاء أنفسهم أمام طرق مجهولة (التراب، الماء، النار، الهواء) فيتم إختبارُها، وفي هذا الإثناء تضيعُ الأفكار التي جمعتها زهراء مع أخيها بفعل هبوب الرياح. بدورها تقدمُ ساردونيا لهما حلاً بتوزيع الأوراق والأقلام على أطفال القارة الثامنة وبذلك لا يكلفهما الأمرُ عناء جمع الأفكار في بلاد بعيدة وما يوفر عنصر التشويق في رحلة الأصدقاء الثلاثة هو اللعبة الذهنية المتمثلة بالأحاجي التي يجبُ الإجابة عنها.
ما يجبُ الإشارة إليه هو ذكاء إليف في نحت شخصية الطفلة ومستوى اللغة القريبة للحكايات التراثية ومقاربة مشكلة البيئة وغزو الإلكترونيات للحياة إضافة إلى إعلاء قيم التسامح والحوار دون أن ينطبع نمطها بالوعظية.
تختارُ الكاتبة والروائية التركية إليف شافاك مِنطقة جديدة لروايتها المعنونة ب "البنت التي لاتحب اسمها" الصادرة بترجمتها العربية من دار الآداب فبدلاً من الإشتغال على التراث الصوفي أو المُقتنعات العقائدية المُتعددة أو الإختلاف في الهويات تتناولُ مشكلة مُعاصرة إنطلاقاً من سرد حياة طفلةٍ تكره اسمها.
لا تسمي الكاتبةُ المدينة التي تعيشُ فيها الصغيرةُ بل تكتفي بوصف العمارة التي تقيمُ فيها مع الإشارة إلى ما تفضله من الفواكه وأمنيتها بأن يكون لديها قط أو حصان أو ماعز أو كلب لكن الأم لا يعجبها وجودُ هذه الحيوانات في البيت، نتيجة مُطالبة الابنة المُلحاحة بامتلاك حيوانٍ يهديها أبوها سلحفاتين مائيتين تطلق عليهما تسمية "الليل والنهار" غير أنه لا يوجدُ ما يميزُ بينهما.
وبما أنَّ هذه الفتاة تهتم بقراءة الكتب وتصفح الموسوعات وسماع الموسيقى واللعب بالكرة إلى جانب تخيل أشكال مألوفة من الغيوم لذا سرعان ما تعرف أن سلحفاة تأكل الديدان فتجمعُ عدداً منها في القارورة لتطعمَ "الليل والنهار" لكن والدتها خيال ترفض ذلك أيضاً وما يكونُ الحل سوى إطعام السلحفاتين بما يأكله أفرادُ الأسرة.
تأتي هذه التلميحات إلى اهتمامات زهرة ساردونيا وأجواء البئية الأسرية فضلاً عن تبيان بعض مواصفتها الخارجية. قبل الإنتقال إلى الحلقة الأساسية في مدماك العمل وهي عقدة الاسم إن صح التعبير، حيثُ ينقلُ الراوي كلي العلم مشاعر الفتاة عندما يلفتُ نظرها خبر منشور في الصحيفة التي يتابعها الوالد حول الأسماء الغريبة التي أطلقها مشاهير الفن على أبنائهم، وبهذا تدركُ بأنَّ اسمها ليس إستثناءً بيد أنَّ هذه الأسماء غير المألوفة أقل غرابةً مع ما يشيرُ إلى شخصها زهرة الساردونيا.
الجدل
تقومُ الرواية على بنية جدلية تنتظمُ من خلالها العلاقة الكائنة بين الطفلة والعالم المكون من المفردات والسلوكيات التي قد تبدوُ مُتناقضةً بالنسبة إليها. وما يشغلها أكثر من أي شيءٍ آخر هو تركيبة اسمها، لذا تسألُ الأمَّ عن إمكانية استبداله باسم جديد غير أن موقف خيال لا يتغيرُ أمام أسئلة ومطالب ابنتها مُحذرة ساردونيا من خسارة اسمها بحيثُ تصبحُ شخصاً، لا يًمكن التعامل معه إلا عبر الضمائر.
والمستغربُ في كلام الأم وتفسيراتها هو إضفاء الصفات الإنسانية للأشياء والأطعمة فحبات الأرز تبكي إن تركتها في الطبق، وهذا ما لا تفهمهُ ساردونيا وبناءً على هذا المنطق تسألُ هل يتألمُ التُفاح إذا تمَ تقشيره؟ ومن ثُمَّ تعللُ إستخدام الأمِ لمُستلزماتها بالإستمرار على المنوال نفسه.
يذكرُ أن المتلقي يتقيدُ تماماً بمستوى رؤية الراوي في مُتابعة يوميات الفتاة الصغيرة فبعدَ معرفة شخصية ساردونيا ضمن بيئة الأُسرة يتحركُ بندول السردِ نحو فضاء المدرسة. هناك تتفاقم المشكلة ماعدا معلمة العلوم التي تذكر اسمها كاملاً دون أن يتجرأ الطلاب على السخرية، فإنَّ بقية المعلمين ينادونها إما ب (ساردونيا) أو (زهرة) أكثر من ذلك تهتم المعلمة ليلى بأسئلة زهرة ساردونيا، ما يشدُ الأخيرة إلى مادة العلوم أكثر بينما لا يطيبُ لها درس الحساب. وتنكب على مُطالعة الأطلس عوضاً من الإستماع إلى المُعلم سنان المشهود له بصرامته متتبعة خريطة اليابان فهي واقعة في الشرق الأقصى بالنسبة لبعض الدول، وفي الشمال الأقصى لغيرها. طبعاً الغاية من إيراد هذه المعلومة هي الإبانة عن اختلاف وجهات النظر وفق موقع المرء فبالتالي أنَّ الأحكام لن تكونَ مطلقةً. طبعاً تعبرُ هذه الفقرة عن مبدأ الإنفتاح والتسامح الذي تعالجه مؤلفة "بنات حواء الثلاث" في رواياتها.
تناقضات
الوحدة التي فُرضت على ساردونيا لم تدفع بها نحو الإنطوائية، صحيح منعتها الأم من الإختلاط بالآخرين لكن عوضت الصغيرةُ فراغها الإجتماعي ببناء عالمها الخاص. وكانت ترمي أسئلتها الممنوعة في الكيس الذي سمتهُ بكيس الأسئلة. وتميزت ساردونيا بقدرتها على تجاهل مُشاكسات الطلاب ومواصلة السؤال عن الأشياء وإدراك التناقضات القائمة في تصرفات الكبار فهم ينظفون بيوتهم ومكان إقامتهم ويهملون نظافة المدينة.
ضف إلى ذلك ما برح هؤلاء يؤكدون على أهمية القراءة دون أن يقرؤوا الكتب متذرعين بضيق الوقت. والمثير في عالم الكبار هو غرابته وما يتمتعُون به من الحرية، لذا تتشوقُ الصغيرة للإنضمام إليهم. تقتنصُ ساردونيا الجمل والعبارات التي أصبحت لازمة للكبار وإذا رأت أحدهم أبعد بنظره فهذا يعني أنه يريد إخفاء أمر ما.
هكذا يتوالى السردُ إلى أن تأتى لحظة سفر الوالدين على الرغم من عدم إعلان الغرض لكن تعرف ساردونيا بأنَّ والدها يحتاج للمُعالجة خارج البلد تنتقلُ الابنةُ إلى بيت الجدة في الضاحية. وهذا التطور يصحبه إكتشاف سر الكرة التى وجدتها بين رفوف مكتبة المدرسة. إذ داهمها مرض الوالد قبل أن تخبر الأهل بما أخذته أو تعيده إلى المكتبة.
تدونُ ساردونيا في مذكراتها الموسومة بالشجرة خبر انتقالها إلى بيت الجدة موضحة السبب مع الإشارة إلى المدةِ التي من المفترض أن تمضيها هناك.
تمررُ شافاك على لسان الطفلة أسئلةً عن التمييز الجنسي بين الرجل والمرأة حينَ ترتشفُ ساردونيا الشاي فكرت هل يمكنُ أن تصبح الفتيات باشا يوماً ما؟ ما يمر كثيرُ من الوقت على مكوثها في الضاحية حتى تخرجَ ساردونيا من عزلتها وتكتسبُ أصدقاء يرافقونها في رحلاتٍ، وكل ذلك بفضل مجسم الكرة التي رُسمت عليها القارة الثامنة وهذا ما أثار إعجاب ساردونيا لأول وهلةٍ.
لعبة ذهنية
تتعرف ساردونيا على زهرة وأخيها أصوتاي الذي تسأله عن معنى اسمه فيردُ بأنه بمعنى صغير الحصان العصبي، ومن ثمَّ تُكْشفُ عن هوية بلدهما (أفهما) وخصوصياته. وأن ما يقومُ به الاثنان هو جمع الأفكار من بلاد مُتعددة ونقلها إلى أفهما لتُصنعَ منها القصص والحكايات، وبذلك تقيضت فرصة التواصل بين أفهما وبلدان أخرى.
وتضيفُ زهرة مشيرة إلى دور القراءة في إزدهار الطبيعة كلما قرأُ الطفلُ قصة تتفتحُ زهرةُ ويغردُ عصور في القارة الثامنة، وما يهددُ تلك القارة العجيبة بالجفاف هو عزوف الأطفال عن القراءة وإدمانهم بالإلكترونيات، ولم يعدْ لديهم أحلام وخيال ما يعني غياب المُغامرة والإبداع.
وتكمنُ أهمية الاثنين في القيام بإنقاذ موطنهما عبر جمع مزيدٍ من الأفكار قبل أن تحلَ الكارثة والأغرب في الأمر أن زهراء وأخاها يتبعانِ الإشارات المنبعثة من الكرة الموجودة لدى ساردونيا ويتمُ شحنها بالطاقة خلال وضعها بين الكتب وتضعفُ طاقة الكرة عندما تنتقلُ ساردونيا إلى بيت جدتها الفارغ من الكُتبِ.
وتسمعُ الصغيرة أنَّ هناك عدداً من المؤلفين والرسامين قد سافروا إلى القارة الثامنة لذا تتشجع لمرافقة صاحبيها في رحلة العودة، قبل ذلك يتطلبُ السفرُ شحن الكرة فتتكفلُ ساردونيا بإيجاد حلٍ من خلال قرطاسية السيد نظمي بينما ينشغلُ الأخيرُ بتلبية مطالبها تضعُ زهراءُ الكرة بين الكتب ثمَّ تبدأُ الرحلة. تعبرُ ساردونيا برفقة الاثنين بغابة الخيارات ما يصادفها يُضاعف لديها الشعور بالذهول وتتحقُ رغبتها بتناول الشكولاتة إلى أن يجد الأصدقاء أنفسهم أمام طرق مجهولة (التراب، الماء، النار، الهواء) فيتم إختبارُها، وفي هذا الإثناء تضيعُ الأفكار التي جمعتها زهراء مع أخيها بفعل هبوب الرياح. بدورها تقدمُ ساردونيا لهما حلاً بتوزيع الأوراق والأقلام على أطفال القارة الثامنة وبذلك لا يكلفهما الأمرُ عناء جمع الأفكار في بلاد بعيدة وما يوفر عنصر التشويق في رحلة الأصدقاء الثلاثة هو اللعبة الذهنية المتمثلة بالأحاجي التي يجبُ الإجابة عنها.
ما يجبُ الإشارة إليه هو ذكاء إليف في نحت شخصية الطفلة ومستوى اللغة القريبة للحكايات التراثية ومقاربة مشكلة البيئة وغزو الإلكترونيات للحياة إضافة إلى إعلاء قيم التسامح والحوار دون أن ينطبع نمطها بالوعظية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.