من مانديلا إلى السيسي.. الجامعة

عزيزى الرئيس السيسى، لقد أصبت بإحباط شديد من قرارك المتسرع وغير المدروس بتغيير نظام اختيار القيادات الجامعية، فهذا القرار يا سيدى يحمل أصابع الدولة العميقة، المتمثلة في رغبة ما كان يسمى أمن الدولة في السيطرة على كل شىء في مصر، بما في ذلك الجامعة المصرية.
هذا القانون يحمل في عنوانه وفى محتواه وفى روحه عدم الدستورية، فالجامعة يا سيدى الرئيس مستقلة، واستقلال الجامعة ليس اختراعاً في الدستور وإنما هو أحد الأسس التي تقام عليها الجامعة في كل أنحاء العالم، فبدون الحرية الأكاديمية وبدون استقلال حقيقى للجامعة لا تصبح الجامعة جامعة حقيقية، وإنما تصبح معهداً للتعليم تتحكم فيه البيروقراطية.
أريد أن أذكركم- لأنكم كنتم بعيدين عن الجامعة- بأنه في عام 1994 صدر قانون من مجلس الشعب قدمه وزير التعليم آنذاك الدكتور مفيد شهاب، أحد ترزية القوانين في عهد مبارك، وتم تمرير القانون في خمس دقائق، أثناء جلسة مسائية، حضرها أقل من خمسين عضواً، وأصبح تغيير القانون بهذه الطريقة علامة فارقة في تدخل الدولة في الجامعة دون وجه حق، وهو إحدى النقاط السوداء في عهد مبارك.
الكارثة ليست في تغيير قانون الجامعة، لأنه لم يكن القانون العظيم الذي لا تشوبه أخطاء وإنما في الطريقة التي تم بها ذلك. في النظم الديمقراطية المعقولة تتم مناقشة موضوعية عن القانون بين أعضاء هيئة التدريس المنوط بهم هذا الأمر، ويأخذ ذلك وقتاً معقولاً، لأن نظم إدارة الجامعة فيها اختلافات كبيرة بين دولة وأخرى، وبين جامعة وأخرى، فبالنسبة لرؤساء الجامعات لا يتم انتخاب رئيس الجامعة في معظم جامعات العالم ولا علاقة للدولة ووزير التعليم باختيار من يشغل المنصب وإنما يقوم مجلس أمناء الجامعة مباشرة أو باختيار لجنة أكاديمية على مستوى عال تقوم بفحص أوراق المتقدمين وتختار الأفضل بعد إجراء مقابلات معهم. أما وظيفة العميد، فهناك الكثير من الجامعات تأخذ بنظام الانتخاب المباشر من أعضاء هيئة التدريس أو من بعضهم، ويكون منصب العميد إدارياً، ويترك لمجلس القسم الإدارة الحقيقية للأمور التعليمية والبحثية. وكان العميد المنتخب في مصر في معظم الأحيان له وزن علمى وإدارى، وكان العميد المعين في الأغلب موظفاً يسمع كلام الإدارة وضابط الأمن، ورأيت بعينى ضابط أمن الدولة في كلية الطب وهو يجلس في مكتب العميد واضعاً ساقاً على ساق، يأمر وينهى، والعميد لا يستطيع أن يفتح فمه لأن أمن الدولة هي التي وافقت على تعيينه، أما منصب رئيس القسم فهو منصب أكاديمى بحت، ولا أعتقد أنه يتم انتخابه في معظم الجامعات، وهناك طرق أكاديمية دقيقة قد يكون من بينها الأقدمية في الاختيار.
سيدى الرئيس، بدون جامعة مستقلة وحرة لا تتقدم الأمم. لقد كان إصدار هذا القانون بهذه الطريقة المتسرعة أمراً معيباً وضاراً، وسوف يذكر لك التاريخ هذا الخطأ البالغ.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.