زرت جنوب أفريقيا خمس مرات، بدعوات من هيئات طبية، وآخرها كان من 10 أيام، وشهدت بعينى التطور الإنسانى والحضارى والديمقراطى والاقتصادى والمعرفى منذ أول زيارة عام 1998، وتخيلت خطاباً من مانديلا إلى السيسى. عزيزى الرئيس: أكتب إليك لأننى أعتز بالقارة التي ننتمى إليها سوياً، والتى ظلمت كثيراً بالاستعمار والقهر والحكومات الديكتاتورية. خلفيتى تختلف تماماً عنك فأنا قضيت في السجون ما يقرب من ثلاثين عاماً دفاعاً عن حرية شعبى وخرجت من السجن إلى رئاسة الجمهورية بعد إقرار دستور ديمقراطى توافقى، وأنت تأتى من خلفية عسكرية وكنت ضابطاً مرموقاً وأرجو أن تكون قد شعرت بالمأساة التي يعيشها جزء كبير من شعبك كما عشت أنا مأساة شعبى. الخطوة الأولى نحو التقدم هي الديمقراطية، فبها تكتشف القرار الخاطئ وتصححه وتكشف الفساد الذي ينخر كالسوس في بلدكم العظيمة مصر حتى تركها حطاماً وأصبحت ممارسته أمراً طبيعياً، ولا أحد يستطيع الاقتراب منه. نذكر سوياً زعيم مصر جمال عبدالناصر الذي حقق لمصر إنجازات هائلة ولكنه ترك مصر حطاماً في عام 1967 بسبب غياب الديمقراطية التي تركت الفساد والفوضى تعبث بقواتكم المسلحة العظيمة وانشغل الشعب بتمجيد الرئيس الخالد، وفى النهاية فقدنا الرئيس وفقدنا مصر بسبب غياب الديمقراطية، ومرت أعوام وبذلت جهود وأرواح كثيرة لاستعادة ما فقدته مصر بسبب الرأى الواحد. تعلم جيداً أن الشعوب تغيرت والشعب المصرى بعد ثورتين قد تغير جذرياً ولن يقبل بالديكتاتورية، وأن العالم قد تغير ولن يستطيع أحد أن يعمل ضد إرادة الشعب. أعلم جيداً أن الطبيعة العسكرية الصارمة التي تعودت على الأوامر سوف تتغير إلى سماع الرأى الآخر بصدر رحب وتصويب القرارات الخاطئة وهذا طبيعى في الديمقراطية. سيدى الرئيس، كنا دولة شديدة العنصرية. كان أهلى من السود يمنع خروجهم من بيوتهم بعد الثامنة مساءً. كنا منفصلين تماماً عن السادة البيض وكان الاختلاط معهم مسموحا به فقط في وظيفة الخدم. أعلم أن الأمر في مصر مختلف ولكن أنتم أيضاً عنصريون بدرجة أقل وبطريقة مستترة، أنتم تقهرون المرأة بالرغم من الكلام عن تمجيدها كزوجة وأم، أنتم لا تساوون بين المسلمين والمسيحيين، القانون يساوى ولكن هناك تفرقة واضحة في فرص المسيحيين لتولى وظائف في كل مكان في الدولة، وهناك ضغوط واضحة شعبية وحكومية لمنعهم من بناء وإصلاح دور العبادة وتكونت عبر العصور ثقافة تضع المسيحيين في مرتبة أدنى. عندكم سكان النوبة وسيناء والواحات عانوا كثيراً من قرارات ظالمة هي عنصرية في طبيعتها. إذا لم تطبق الديمقراطية لن تتقدم مصر وسوف تتراكم الأخطاء، الديمقراطية صعبة في الممارسة، لكنها الطريقة الوحيدة لحمايتك وحماية بلدك، والشعب المصرى العظيم بأكمله وراءك حين يشعر بالمساواة والديمقراطية. قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.