في إحدى قرى محافظة الدقهلية، كان الصحفي محمود علام يتابع مبادرة جديدة لإعادة تأهيل بيوت متهالكة تخص أسرا فقيرة. المبادرة أطلقتها جمعيتان خيريتان؛ جسر الأمل ويد العون، وبعد سنوات من التنافس الصامت بينهما، قررتا أخيرا العمل معا في مشروع واحد. كان محمود يرى في هذا التعاون قصة تستحق أن تروى، لكنه لاحظ عاصفة تعليقات على الفيس بوك. هناك، جلس فرسان الكيبورد يهاجمون كل خطوة: – "دي شو إعلامي!" – "أكيد في مصلحة من تحت الترابيزة!" – "ليه اختاروا البيت ده مش غيره؟" تعليقات لا تنتهي، ولا هدف لها إلا التشكيك وإثبات أن أصحابها على صواب مهما كان الثمن. في يوم التصوير، اجتمع محمود مع مسئولي الجمعيتين أمام أحد البيوت المتهالكة. كان القلق ظاهرا على الوجوه. قال أحد المسئولين: * "إحنا بنحاول نساعد، لكن الهجوم على الفيس بوك بيكسر المقاديف." ورد الآخر: * "ولو الناس فقدت الثقة، الخير نفسه هيموت." ابتسم محمود وقال بثقة هادئة: * "يمكن اللي بيهاجموا مش شايفين الواقع.. خلونا نخلي الواقع هو اللي يرد." دخلوا المنزل ليبدأ العمل. شباب القرية، ممن لا يكتبون كثيرا على الإنترنت، حضروا للمساعدة. أيد كثيرة تحمل الطوب، وأخرى تدهن الجدران، وأصوات ضحك مختلطة بنبرة تعب تشق الصمت. ومع أول يومين بدأ البيت يتغير، تفتح نوافذه كأنها تبتسم لحياة جديدة. نشر محمود تقريرا مصورا يظهر فيه الأطفال وهم يركضون بين العمال، والسيدة المسنة صاحبة المنزل تبكي من الفرح. كان التقرير بسيطا وصادقا. والمفاجأة؟ تعليقات الفيس بوك تغيرت. من بين سيل الهجوم ظهر صوت جديد؛ *"والله شكرا..واضح إن الناس شغالة بجد." ثم آخر: * "لو الجمعيات اتحدت أكتر هنشوف حاجات أعظم." ببطء، تراجع الضجيج، وارتفع صوت الحقيقة. وانتشرت صور البيت بعد ترميمه حتى صارت أيقونة للمبادرة في الدقهلية. وفي نهاية يوم الافتتاح، وقف محمود يدون آخر ملاحظاته بينما أحد مسئولي الجمعيات يقول له: * "كنت فاكر الهجوم هيوقفنا..لكن اتحادنا كان أقوى." ابتسم محمود وأغلق دفتره قائلا: * "فى هذه هي القصة.. الخير لما يتجمع، حتى الجدران القديمة بتقف من جديد." #العبرة: في عالم يمتلئ بالضجيج، يظل الفعل الحقيقي هو الصوت الأقوى. وفي الاتحاد قوة.. حتى في أصغر قرى الدقهلية.