ثمة إجماع دولي على أن ظاهرة الإرهاب؛ أصبحت تمثل تحدياً كبيراً أمام المجتمع الدولي برمته، بالنظر للمخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية التي أصبحت تطرحها على مستوى العلاقات الدولية بمظاهرها المختلفة؛ فالعمليات التي طالت عدداً من البلدان في الآونة الأخيرة؛ أكدت أن تداعياتها مكلفة بكل المقاييس بالنظر للطابع الفجائي الذي يلف هذه العمليات، التي غالباً ما تستهدف المصالح الحيوية للدول، وتخلف خسائر جسيمة في الأرواح البشرية. تؤكد الممارسة الميدانية أن العمليات الإرهابية أصبحت تتم بسبل جد متطورة ودقيقة؛ مستثمرة في ذلك التكنولوجيا الحديثة؛ ما يخلف نتائج وتداعيات كارثية على مختلف الوجهات الداخلية والخارجية. فحتى وقت قريب كانت هذه العمليات تقوم على اختطاف الطائرات المدنية أو الأفراد وأخذ الرهائن واحتجازهم (شخصيات بارزة، دبلوماسيين وحتى أفراد عاديين..) وكذا إلقاء القنابل وزرع المتفجرات التي لا تحتاج لمهارات.. لكن مخاطرها تصاعدت في السنوات الأخيرة؛ تبعاً لتطور الوسائل المستخدمة والفئات والمنشآت المستهدفة، فقد أصبحت الجماعات الإرهابية تستغل كل ما من شأنه، أن يمكنها من تنفيذ عملياتها، وهو ما تؤكده أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي تم خلالها تحويل طائرات مدنية في الجو من وسائل لنقل ركاب عزل إلى ما يشبه صواريخ موجهة نحو أهداف حساسة، وما خلفه ذلك من ضحايا وخسائر اقتصادية ومالية فادحة أصابت الولاياتالمتحدة وكل دول العالم؛ وأفرزت أجواء من الهلع والترقب وعدم الطمأنينة في كل بقاع العالم. من جانب آخر؛ استفادت المنظمات والجماعات «الإرهابية» من مختلف الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة؛ وذلك باستثمارها سواء على مستوى التواصل بين أعضائها والترويج لأفكارها.. أو في تنفيذ عملياتها. على الرغم من إقرار المجتمع الدولي برمته هذا الخطر؛ الذي أصبح يحتل مكانة الصدارة على رأس قائمة الأولويات ضمن مختلف اللقاءات والمؤتمرات الدولية؛ فإن التباين المطروح بصدد التعاطي معه؛ أضحى عائقاً أمام مقاربته بشمولية وفاعلية تسمح بوقف زحفه وانتشاره. تتباين الرؤى والمواقف إزاء هذه الظاهرة تبعاً لتباين الخلفيات الإيديولوجية والثقافية والسياسية.. وتتعدد بين مؤكد على اختزال «الإرهاب» في كل أشكال العنف؛ وبين من يميز بين العنف المشروع والعنف المحرم؛ وبين من يركز على «إرهاب» الأفراد؛ وبين من يميزه عن «إرهاب» الدولة. إن الإرهاب هو استعمال منظم للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية بشكل يثير الرعب والخوف ويخلف خسائر جسيمة في الفئات والمنشآت والآليات المستهدفة؛ بغية تحقيق أهداف سياسية أو شخصية؛ بالشكل الذي يتنافى وقواعد القانون الداخلي والدولي. لقد أُدرج موضوع الإرهاب ضمن جدول أعمال الدورة 27 للجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1972 بناء على مبادرة من الأمين العام الأممي، وأصدرت الجمعية العديد من القرارات ذات الصلة؛ من قبيل قرارها رقم 2625 المعتمد في دورتها 25 بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول 1970 والمرتبط بإعلان مبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول؛ حيث تم التأكيد على «وجوب الامتناع عن تنظيم القوات غير النظامية أو العصابات المسلحة..» ثم قرارها رقم 8 الذي اتخذته في دورتها 32 سنة 1977، والمرتبط بسلامة الملاحة الجوية، والذي أكدت فيه إدانة كل أعمال خطف الطائرات، وكل ما يؤدي إلى تهديد سلامتها وسلامة راكبيها؛ وهناك قرارها رقم 146 بالدورة 34 عام 1979، والذي اعتمد الاتفاقية الدولية الخاصة بمناهضة احتجاز الرهائن. كما تبنت بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 1973 قراراً تمحور حول منع ومعاقبة الجرائم المرتكبة بحق الشخصيات التي تقع تحت حماية القانون الدولي. ومن أهم الاتفاقيات التي أشرفت عليها الأممالمتحدة في هذا الشأن؛ نذكر: اتفاقية جنيف لسنة 1937 المرتبطة بمواجهة الإرهاب واتفاقية واشنطن لسنة 1971 الخاصة بمنع ومعاقبة أعمال الإرهاب التي تأخذ شكل جرائم ضد الأشخاص، وغيرهم من الفئات ذات الأهمية الدولية، ثم الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب والموقعة بتاريخ 27-01-1977 بستراسبورغ الفرنسية، حيث تضمنت لائحة للأفعال الخاضعة للتسليم والاختصاص القضائي.. ثم هناك اتفاقية طوكيو الموقعة بتاريخ 14 سبتمبر 1963 بشأن حماية الملاحة الجوية واتفاقية لاهاي لعام 1970 الخاصة بحماية الملاحة الجوية، وهناك أيضاً الاتفاقية الدولية لقمع الأعمال غير المشروعة ضد الملاحة البحرية الموقعة بروما بتاريخ 10 مارس/آذار 1989. فيما أنشأ مجلس الأمن لجنة مكافحة الإرهاب في عام 2001 لأجل متابعة تنفيذ القرار 1373/2001 الذي يفرض على جميع الدول اتخاذ التدابير لتجريم الأنشطة المتصلة بالإرهاب، ورفض توفير التمويل والملاذ الآمن للإرهابيين، وتبادل المعلومات بشأن الجماعات الإرهابية. وفي سنة 2004 أنشئ الفريق العامل بموجب القرار 1566، وذلك لوضع توصيات فيما يتعلق بالتدابير العملية التي ستفرض على الأفراد أو الجماعات أو الجماعات التي يثبت ضلوعها في الأنشطة الإرهابية، أو الارتباط بها. هذا إضافة إلى العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية التي اهتمت بهذا الشأن، فخلال شهر سبتمبر/أيلول من عام 2005 انعقد المؤتمر الدولي الذي نظمته الأممالمتحدة في نيويورك؛ وكان مناسبة أدان خلالها قادة العالم إدانة قاطعة للإرهاب بكل أشكاله. واكب تنامي الظاهرة في العقود الأخيرة، تصاعد وتيرة الردود الميدانية عليها في ظل قصور فاعلية الجهود الاتفاقية في هذا الشأن، وهكذا قام العديد من الدول باعتماد تدابير أمنية وإجراءات قانونية في هذا الإطار. فيما سعى الكثير من الدول إلى نسج اتفاقات ثنائية وجماعية هدفت من خلالها إلى الحد من تفاقم الظاهرة ووقف زحفها، ورغم أهمية هذه الجهود؛ إلّا أنها لم تكن بالمستوى المطلوب. إن تنامي العمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، وتمدد الكثير من الجماعات المتطرفة في مناطق مختلفة من العالم؛ كلها عوامل تفرض تكثيف الجهود لمواجهة الظاهرة؛ عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الجماعية المشتركة في إطار من التنسيق والتعاون؛ كما تتطلب أيضاً التعاطي مع العوامل المغذية للظاهرة في أبعادها المختلفة. نقلا عن صحيفة الخليج