قبل أن تقرأ: المجد للشهداء.. التحية للجرحي والمصابين.. انحناءة وتعظيم سلام لمن ادركتهم عناقيد غضب نظام مبارك وجهازه الأمني بقيادة حبيب العادلي.. سواء قبل الثورة فأصبحوا اثرا بعد عين كزميلنا رضا هلال، أو خلالها، ففقئت عيونهم.. وبترت أعضاؤهم.. وتشظت أجسادهم بالرصاص الحي أو الخرطوش، سواء قصفه «الإخوان» أو مجرمون آخرون. تحية لكل من أضيروا بقوة خلال انتفاضتنا المجيدة في يناير العظيم، لأمهاتنا الرائعات اللاتي أنجبن رجالا حصد الموت أرواحهم علي مدار الأيام الثمانية عشر، التي تشبث خلالها مبارك ونظامه بالسلطة! تحية لذوي الشهداء الذين اصبحوا فجأة اشبه بالايتام بعد ان فقدوا أبناءهم في عمر الزهور.. تحية للشاب الذي اطلق صيحة مدوية «يا أهالينا انضموا لينا» فكان المجد.. وللشاب الذي تحدي بجسده النحيل مدرعة العادلي التي كانت ترتع وتمرح وتحصد الارواح، فأسقطها وكسر ارادتها بتحديه وكبريائه، فحولها من «مدرعة للموت» إلي «خرقة بالية» متسخة لا تصلح الا لتكون «قطعة قماش ممزقة»! أربع سنوات مضت علي اندلاع ثورة 25 يناير.. حصادها مر.. ملفات كثيرة منها لم تغلق بعد: كشوف العذرية.. أحداث ماسبيرو.. محمد محمود.. مجلس الوزراء..احراق المجمع العلمي.. الضربات والحرائق المتلاحقة لفندق سميراميس.. احراق جراج ومباني وزارة المالية.. اجرام القناصة.. المغدورون من مسافات قريبة..فوضي وعبث تشريح الجثث، تزييف وتزوير تقارير طبية عن الشهداء والمصابين وعدم تحديد أسباب الوفاة.. الأطباء المتقاعسون المتواطئون مع المسئولين.. تقارير تقصي الحقائق عن أحداث «ماقبل رابعة» حبيسة الأدراج.. كلها ملفات مفتوحة ولم تغلق، وأشك في وجود إرادة - أو رغبة - في إغلاق هذه الملفات، مع أن كثرة هذه «الجروح» تسبب ظهور «التقيحات»! فض اعتصام رابعة كان مفترق طرق لنا مع من أصبحوا بحكم أسلوب الخلاف «أعداء».. وأيضا مع أصدقاء.. خلناهم يرفضون الفاشية الدينية والعنف والارهاب الذي أطلق الإخوان المفسدون له العنان، بعد سقوطهم المريع والمذل في 6/30. اكتشفنا وجها آخر للكثيرين.. عجبا، إنهم تخفوا في ثياب الليبراليين كل هذه السنين.. وحدثونا عن الديمقراطية وحقوق الانسان!! أوهمونا بأن من ذاق مرارة الاستبداد مرة لايمكن أن يذيق الآخرين منها، فصدقناهم حتي استيقظنا في دولة «الاقصاء».. و«الاستبداد» المشفوع بجمل من عينة «نحن منتخبون.. انتهي الأمر.. وسنحكم (خمسميت) سنة علي الأقل!» من الغريب أن هؤلاء الفاشيين الجدد وجدوا بيننا من ينتصر لهم، نكاية في النظام الذي يختلف معه.. وجدوا عتاة الليبراليين يؤيدون ماذهبوا إليه في نقد حكم العسكر.. من البرادعي وزياد بهاء الي حمزاوي وأيمن نور وما بينهما من أسماء كان غريبا أنها لم تقل لرئيس الدولة «عيب» عندما راح يحتفل بنصر اكتوبر وهو محاط بقتلة صاحب قرار الحرب.. بينما «غُيّب» عن المشهد صناع البطولات العسكرية المصرية! والأكثر غرابة أن نجد شباب الثورة مازالوا بعيدين عن استيعاب الدرس.. بل إن أكثرهم يشايعون الاخوان نكاية في النظام.. كما أنهم يكررون خطيئتهم الكبري في يناير.. حينما لم يمكنهم بأي معني وبأي صيغة أن يتوحدوا معا وأن ينتخبوا قيادة للثورة لاتسمح لها بالانحراف عن مسارها علي مدي السنوات الفائتة. أظنهم - وبعض الظن ليس آثما - لم يتغلبوا علي تعقيدات كثيرة في شخصية الثائر والمعارض المصري.. كل منهم يتوهم زعامة لم يقنعنا بها.. وقدرة علي القيادة ليس مؤهلا لها وأفكارا يعتقد خطأ أنها الأجدر بأن تسود مع أنه لم يقف علي مدي صحتها في حوار أو في ندوة أو في مساجلة فكرية! لننظر الي عشرات الأحزاب الناشئة في مصر.. لم تجذب - وهذا ليس بيت القصيد - أيا منهم للانتماء اليها.. حسنا.. فلماذا لم ينشئوا لأنفسهم كيانات أو أحزاب أخري.. لماذا لم يختبروا قدرتهم علي العمل الجماعي؟ لأنهم ببساطة لم يستطيعوا أن يحولوا الفعل الجماعي الثوري في الميدان إلي آلية عمل جماعي، تنتصر فيها أفكارهم وتبرز مشتركاتهم، وتتراجع فوارقهم وتمايز مواقفهم وصراعاتهم إلي مؤخرة أذهانهم! لماذا يخشون العمل الجماهيري؟ ظني أن «عقدة الاستعلاء» علي الجماهير تستفحل.. خطابهم فوقي.. غير قادر علي الوصول إلي البسطاء.. يجد نفسه فقط أمام الأضواء، وفي التناطح المقيت مع أصحاب الأفكار.. لاسيما الأجيال الأخري التي يعتبرونها إما فلولا أو عجائز يطالبونها بالتواري؟ عجبا.. لم تعد القيود الان امام العمل الجماهيري في مصر كما كانت، ومع هذا لم نر حتي ائتلافات الثوار - كما تلقب نفسها- تجد لنفسها مكانا علي الساحة السياسية، وكأنه مطلوب من الجماهير ان تناديهم وتطلبهم وتتقرب اليهم .. وكأنه مطلوب من الشيوخ ان يتواروا طواعية ويحكموا علي انفسهم بالموت، لكي ينعم شباب الثورة بتحقيق هدفة في الوصول الي السلطة دون تعب أو مجهود! إختار من الواقع نموذجا مدهشا، ففي قرية «طحانوب» مركز شبين القناطر بالقليوبية وافقت الأجهزة الأمنية علي عقد مؤتمر استعدادا للانتخابات المقبلة، باعتبار أن البلدة فيها ما بين 4 الي 6 مرشحين محتملين، ما يعني أن البلد ستنقسم وتتفتت اصواتها.. دعا للمؤتمر صحفيان مصريان «مخضرمان» احدهما مقيم بالسويد وهو رأفت بدوي، والثاني محمد هزاع وهو محلل سياسي، وكانت المفاجأة المدهشة أن «شباباً» كثراً غابوا عن المؤتمر!! المحامي الشاب وأحد المنظمين احمد عادل أبوحريفة رصد الظاهرة كاحدي سلبيات الشباب فيقول: الدعوات ركزت علي الشباب خاصة تحت 30 سنة، ومع هذا كان تواجدهم محدودا، وهو أمر متكرر فى أى حدث سياسى فى شتى ربوع مصر ومن المهم دراسته بدقة»!! يضيف أحمد قائلا: طبعا «لا وجود للشباب دون أن يدركوا حقيقة الواقع أنهم يكملون مسيرة بدأتها أجيال سبقتهم»! بعد أن قرأت: يبدو أن الثورة لم تستطع أن تؤلف بين قلوب الثوار حتي الآن.. مأساة أن تكون مقولة «أحمد نظيف» عن الديمقراطية في مصر.. صحيحة! (فاكرين قال إيه؟!)