طفل من غزة يسأل أباه: "هل سأموت يا أبى؟"

منذ أطلقت إسرائيل عمليتها العسكرية "الجرف الصامد" على قطاع غزة منذ أكثر من أسبوعين سقط أكثر من 1000 قتيل فلسطينى معظمهم مدنيون بينهم 200 طفل و48 إسرائيليًا معظمهم عسكريون.
عملية عسكرية، من المفترض أن تستهدف عسكريين، لكن الصواريخ لا تفرق بين المدنيين والمقاتلين، والأطفال هم من يدفع الثمن فى أكثر مناطق العالم كثافة سكانية
هل المياه المالحة التى تخرج من صنبور الفندق هى ما يذكرك بأنك فى غزة؟ أم ذلك الطنين الذى يحاصر غرفتك ويجعلك تعتقد أنك فى خلية نحل، لتكتشف بعدها أنها طائرات بدون طيار تبحث عن فرائس لقصفها؟ أم عندما تتجول فى الشوارع مرتديًا السترات الواقية ولا تجد إلا الأطفال يلعبون فى الطرقات بينما اختفى الكبار؟ أم البحر الخالى من الصيادين والشاطئ الذى يبحث عن رواد؟
وفجأة تسمع "بوم بوم بوم" صوت إطلاق قذائف الواحدة تلو الأخرى من السفن الحربية القريبة من الساحل يليها صوت انفجار وراء آخر بعد إصابة الأهداف المحددة.
كل ما يحدث يشى بأن ما استطاعت إسرائيل إثباته إلى الآن هو خيالية الضربات الدقيقة المشرطية (نسبة إلى مشرط الجراح)، ففى هذه القطاع الذى يقطنه نحو مليونان من البشر والأكثر كثافة سكانية فى العالم، فإن أى ضربة جوية كانت أم برية أو بحرية ستقتل أكثر بكثير من المستهدف، وهذا الكثير هو غالبا من الأطفال، هذه الضربات قتلت إلى الآن (منذ أربعة أيام) 166 طفلاً، وأصابت أكثر من 1300 إصابة بعضهم حرجة.
فى مستشفى الشفاء بقطاع غزة يقبع طابقان امتلآ عن آخرهما بالأطفال المصابين .. "نعمة" عامان ونصف، أصيبت بشدة فى ضربة صاروخية من طائرة "إف 16" يوم الأربعاء الماضى استهدفت المنزل المجاور لمنزل عائلتها، كانت عيناها مغمضتين من جراء عظم الضرر الذى أصاب جمجمتها وأنفها، كما أحاطت بهما كدمات سوداء يشوبها الاحمرار، هجوم قتل فيه 7 أشخاص وأصيب 8 آخرون، وعدد الأطفال بينهم غير محدد.
"مها" ذات السبع سنوات، طفلة أخرى أصيبت بجروح خطيرة جراء قصف مدفعى إسرائيلى، أخبرتنى أمها أن شخصين قتلا وأصيب 45 آخرون فى القصف معظمهم من الأطفال من بينهم "نور الدين" البالغ من العمر 7 سنوات.
يقول مادس غيلبرت، طبيب نرويجى وأستاذ فى طب الطوارئ، إن مستشفى الشفاء، وهو المستشفى الوحيد والأخير فى غزة الذى يعمل بصورة جيدة، يعانى من نقص مزمن فى الأدوية وخاصة مسكنات الآلام، وأن ما ينتظر هؤلاء الأطفال فى حقيقته شيء قاتم.

حتى المترجم الذى كان يرافقنا، ترك عائلته جنوبى القطاع، لم يتوقف هاتفه عن الرنين، وعندما كان يجيب يسمع أطفاله يبكون على الناحية الأخرى ويقول أحدهم ذو السنوات الست: "هل سأموت يا أبى؟"، كان قادرًا على سماع دوى الانفجارات فى الخلفية، كان هناك على الأقل هجومان إسرائيليان على بلدة زوجته فى الأربع وعشرين ساعة الأخيرة قتل فيها ما يقرب من 40 شخصًا بينهم 6 أطفال.
لكن الأخطر من كل أصوات الانفجارات وطنين الطائرات بدون طيار وأزيز المقاتلات هو ذلك الحصار المفروض منذ 7 سنوات على سكان القطاع، الكهرباء لا تدوم طوال اليوم، والمياه شحيحة ومتقطعة، والغاز والوقود يجدهما الناس بالكاد.
كنت مندهشًا بعد أن وجدت كيسًا صغيرًا من الشامبو استطعت به أخذ حمام بارد من المياه المالحة مرة أخرى، ومن المؤكد أنك لا تستطيع أن تصنع قنابل من أكياس الشامبو، لكنك تستطيع بلا شك صنع قنابل من مواد الطلاء بشرط أن تجدها فى الأسواق، فغزة هى أكثر مدينة رأيتها فى حياتى تفتقر مبانيها للطلاء.
أطفال فلسطين، رجال الغد، هم من يدفعون ثمن كل هذا الجنون الذى يجب أن يتوقف فورًا.