على مدى ساعتين ووالدة الشاب أحمد صلاح الدين أحمد إبراهيم لم تكف عن البكاء، وتحمل نفسها وأسرته سبب رحيله من المنزل بقرية دهشور التابعة لمركز البدرشين، وكلما تذكرت لحظة رحيله أمام عينيها بعد أن جمع ملابسه ووضعها فى حقيبة بلاستيك تتسمر قدماها ولسانها، فى هذه اللحظة تتعالى صيحاتها محملة زوجها وأشقاءه مسئولية رحيل ابنها أحمد أكبر أشقائه وأحبهم إلى قلبها. تقول: فى الساعات الأولى من يوم 9 فبراير الماضى، وبسبب خلاف أسري ترك علي إثره المنزل، وقمت بالاتصال به بعد رحيله بعدة ساعات فأغلق الهاتف، ولم يرد، وعاودت الاتصال مرة ثانية دون جدوى. وفى اليوم التالى وجدت أحد أصدقائه من نفس القرية يتصل بى من هاتف ابنى، ويخبرنى بأن أحمد نام عنده عدة ساعات، ثم قام فى الصباح وترك ملابسه وبطاقته وهاتفه لى باستثناء بعض الأرقام قام بنقلها من الهاتف، وطلب منى توصيلها اليّ، وبعد ان انهى المكالمة هممت إلى صديق ابنى بالقرية لأستوضح الامر منه ثانية لعلى أتوصل لأى معلومة أعرف منها أين ذهب، ولكن كلمات صديقه كانت قاطعة «هو ده اللى حصل يا أم أحمد والله»، فحملت ملابسه ومتعلقاته، وعدت إلى المنزل، وقدماى لا تكدان تحملانى، وبدأت رحلة البحث عن ابنى وكأننى أبحث عن إبره فى كوم قش، وتم تحرير محضر باختفائه، وبدأت رحلة البحث عنه بقلب الأم دون أن أشعر بأننى كامرأة لا أملك الصحة ولا الجهد ولا الوقت لهذه المهمة الصعبة، وطفت فى جميع الشوارع بلا رؤية ولا هدف، أنظر إلى كل الوجوه التى تشبه ابنى، وعندما أجرى نحوها لا أجد إلا السراب ولكن بوصلة قلب الأم جعلتنى أمر على جميع الشركات بمدينة أكتوبر، وكانت الردود نعم جاء ليسأل عن عمل وانصرف، فبدأت أبحث لدى المحلات، فكان البعض ينظر إلى الصورة ويقول لى نعم رأيته منذ أيام، ولكن لا أعلم أين ذهب، وبدا لى وكأننى أرى فيلم «الغريب» بطولة محمود الجندى، وجميع من رأوه يقولون «الغريب» نعم رأيناه، وكل منهم يحكى قصته معه حتى جاء أحد الأيام وأخبرنى أهل الخير بأن هناك شخصاً بمدينة 6أكتوبر يعمل بالقوى العاملة ولديه كشوف بجميع العمالة بمدينة أكتوبر، واتصلت به وأخبرته بالاسم والمواصفات فقام بالبحث عنه وأخبرنى بأنه موجود لدى إحدى الشركات وطلب منى الانتظار عدة أيام لترتيب مقابلة معه، وبعد فرحتى التى لا توصف، وجدته يقول لى إنه ترك العمل، ولكن صديقه الذى يقيم معه يعرف عنه كل شيء، وأعطنى فرصة لكى نصل إليه، وتعددت المكالمات بينى وبينه، وبين زوجى وأشقائه وبين هذا الشخص الذى نعلم اسمه ورقم هاتفه، وبعد عدة أسابيع من الأمل الممزوج بالفرحة والدموع، عاد كل شيء كما كان، وبدأت مرة أخرى أطوف الشوارع والمحلات، وأنا أبحث عنه، وكل من يرى الصورة يقول لى «هى فعلاً دى صورته كان هنا منذ عدة أيام»، وتزداد الحسرة كلما سمعت هذه الكلمات، ولكن خارت قوتى وتعبت صحتى، وأصبحت لا أقوى على البحث عنه، ولكن جال فى خاطرى أن يكون قد تم القبض عليه فى أحد الأكمنة، لأنه لا يحمل بطاقة، أو يكون تم الزج به تبع أي جماعات أو فصائل وأهيب باللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية بتوزيع صور ابنى أحمد بالأقسام والمراكز، ربما يصدق قلبى ولو مرة واحدة وأعرف مصيره حتى يرتاح قلبى. وأوجه رسالة أخيرة لأكبر أبنائى وأحبهم إلى قلبى، وأن أقول له أرجع يا أحمد فأنا لا آكل ولا أشرب ولا أنام، ودموع إخوتك لا تتوقف، وأصدقاؤك فى الثانوية العامة ينتظرون عودتك حتى لا تضيع السنة منك، وهم على استعداد لمساعدتك.