تحذيرات من انتشار الأوبئة والأمراض وتوقعات باستمرار الموجة الحارقة لنهاية أغسطس عصفت تداعيات التغير المناخى بالعديد من البلدان فى جميع قارات العالم، خلال هذا الصيف، غير أنها كانت أكثر حدة فى «القارة العجوز»، حتى صنفت بمثابة الموجة الأشد من الجفاف التى تضرب القارة منذ القرن السادس عشر على مدى 500 عام من قبل المفوضية الأوروبية، الأمر الذى لم تسلم منه أيضاً الدول الإفريقية، حيث شهدت أوقاتاً عصيبة ما بين الفيضانات ونشوب حرائق ضخمة نتيجة لارتفاع درجة الحرارة وغيرها من أسباب تغيرات المناخ. ويرى خبراء فى شئون المناخ أن ما زاد من حدة ووقع ما يحدث فى أوروبا هو أن بلدانها كانت الأكثر تماسكاً ومناعة واستعداداً لمقاومة ظروف وتبعات التغير المناخى، ثم صدم العالم بمشاهد مرعبة تعكس عمق معاناتها وخاصة فى دول جنوب القارة الأوروبية كإيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا والبرتغال. ملامح قاتمة للتغير المناخى والجفاف وامتدت آثار التغيرات البيئية الناتجة عن تسارع موجات الاحترار العالمى إلى كل من ألمانيا وبريطانيا شمالاً، ويقول الخبير المناخى والبيئى وعضو الاتحاد العالمى لصون الطبيعة، أيمن هيثم قدورى، فى لقاء مع موقع «سكاى نيوز عربية»، «تقارير الأممالمتحدة وتنبؤات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية كانت قد رسمت ملامح قاتمة لآثار التغير المناخى والجفاف المحتمل لنحو 60% تقريباً من أراضى مختلف القارات للأعوام الخمسة ما بين 2021 و2025». وأضاف «ركزت معظم تلك التقارير على وضع القارة الأوروبية، وسط توقعات بأن ترتفع فيها معدلات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مقارنة بالمعدلات المسجلة عام 2018، متجهة نحو الارتفاع المتوقع بحسب تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100» واتسم الشتاء الماضى بقلة تساقط الثلج وانحسار مناطق هطول الأمطار، إذ انخفصت معدلات هطول الأمطار بإيطاليا لأكثر من 55% عن معدلاتها فى الأعوام السابقة، إضافة لانخفاص التساقط الثلجى بنسبة 70% لتفقد البحيرات المجهزة لمجرى نهر بو إمكانية استدامة تدفقه. وضع مأساوى فى إيطاليا وأدى هذا الأمر إلى تراجع منسوب النهر إلى 20% تقريباً من منسوبه الطبيعى، لتتفاقم بذلك أزمة ارتفاع تركيز الملوثات فى مياه النهر المستخدم بشكل رئيسى فى رى المزروعات والمساحات الخضراء فى إيطاليا، ما أدى لتعاظم نسب هذه المواد السامة فى جسم النبات، والتى تتألف فى الغالب من العناصر الثقيلة (Heavy Metals) وأبرزها الزئبق، الرصاص، الكاديميوم، الزرنيخ، نتيجة طرح مخلفات رى الأراضى الزراعية المحملة بالأسمدة الكيمياوية لمجرى النهر، ليصل الحال لنفوق أعداد كبيرة من الأسماك والمواشي. وحذرت التقارير أنه من الممكن أن يتطور الوضع البيئى المأساوى بإيطاليا لتفشى الأوبئة والأمراض فى مناطق الضغط البيئى المرتفع، فانحسار مياه بحيرة غاردا أكبر البحيرات الإيطالية الواقعة بين مدينتى بريشيا وفيرونا شمالاً لأدنى مستوياتها تاريخياً، أبرز علامات انخفاض منسوب نهر بو المورد الرئيسى لمياهها. ولم تختلف آثار التغير المناخى بفرنسا عن باقى بلدان القارة، بل كانت أشد وبمستويات أعنف، حسب الخبير المناخى والبيئى أيمن هيثم قدورى، حيث شهدت البلاد عددا غير مسبوق من حرائق الغابات خلال الشهر الماضى وانتشرت فى عمومها متركزة بمناطقها الجنوبية، وقاد ارتفاع درجات الحرارة الذى قارب 45 درجة مئوية، لجفاف عمود التربة الرطب بفعل ارتفاع مستوى طلب المياه لنباتات الغابات، التى هلكت بفعل ارتفاع معدلات التبخر وتحولت لمواد أولية سريعة الاشتعال لتساهم فى تفاقم أزمة الحرائق. ناقوس خطر ويخلص الخبير المناخى والبيئى للقول محذراً: «صيف 2022 لم يكن إلا ناقوس خطر لما هو أعنف خلال السنوات الخمس القادمة، وعليه فلا بد من العمل على ترشيد استهلاك الموارد المائية والتعامل مع مجارى المياه على أنها ثروات طبيعية وجودية ليتحمل كافة أفراد المجتمعات مسئولية استدامتها، والتوجه نحو التحول الأخضر». الجفاف يضرب الزراعة فى الصين وبعد أن ضرب الجفاف «القارة العجوز» وتسبّب بانخفاض مستوى أنهارها بشكل كبير، انضمت الصين إلى قائمة المتضررين من «موجة الحر الحارقة» التى تجتاح معظم المناطق الجنوبية فى البلاد، وموجة الحر هذه ليست بجديدة على الصين، فهى بدأت منذ يونيو الماضى، واستمرت لتصل إلى ذروتها منذ أيام، ما دفع بالمركز الوطنى للأرصاد الجوية فى البلاد إلى إصدار تحذير من «الدرجة القصوى» بشأن درجات الحرارة الحارقة. وبحسب المركز الوطنى للمناخ فى الصين، فإن موجات الحر التى ضربت البلاد منذ 13 يونيو 2022 هى الأقوى منذ عام 1961 عندما بدأت البلاد فى الاحتفاظ بسجلات كاملة للأرصاد الجوية، وتعانى بعض المناطق فى جميع أنحاء الصين من الجفاف الذى قد يستمر حتى أواخر شهر أغسطس، وهى فترة حرجة لزراعة «حبوب الخريف»، والتى تمثل 75% من إنتاج الحبوب السنوى للبلاد. كما أن محاصيل أشجار الشاى والحمضيات والمانجو ستكون «هشة» أمام موجات الحر. القارة السوداء فى السودان، ارتفعت خسائر السيول الجارفة التى اجتاحت أكثر من 60 قرية فى وسط وشرق وشمال السودان إلى 80 قتيلاً ونحو 50 ألف بيت تهدم بعضها كلياً وأصبح البعض الآخر آيلاً للسقوط؛ كما غمرت المياه أكثر من 50 فى المئة من المساحات الزراعية التى يعتمد السكان المحليون عليها فى حياتهم اليومية. وقال ناشطون ومسئولون فى المناطق المنكوبة إن السكان هناك يعيشون أوضاعاً إنسانية وصحية بالغة الخطورة فى ظل شح المساعدات وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة التى غمرت المياه بعضها كلياً. ومنذ بداية أغسطس الجارى، اندلع حوالى 150 حريقاً فى الجزائر أتت على مئات الهكتارات من الغابات والأحراش، وأسفرت عن مقتل العشرات وإصابة المئات وتشريد آلاف من الأسر.