تجديد الخطاب الدينى ضرورة حتمية.. ولا تعنى دينًا جديدًا أو التخلى عن العقيدة القرآن الكريم نزل لكل زمان وعصر.. وغير مرتبط بزمن الصحابة فقط موقفى واضح وقاطع فى الإيمان بالمساواة التامة بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات لا نلتفت ل«شبهات» المتربصين حول مشروعنا المتكامل لتأسيس خطاب دينى جديد «اليونسكو»: «الخشت» فيلسوف التجديد والمواطنة والتقدم.. والخطاب العقلانى أهم أولوياته المنصب الرفيع لرئيس جامعة القاهرة تأتى قيمته من كفاءته العلمية وتاريخ ومكانة الجامعة وتأثيرها، باتساع رقعة ومكانة خريجيها وأنشطتها المتنوعة التعليمية والبحثية والمجتمعية على المستويات المحلية والعربية والإقليمية والدولية. صدرت عنه مؤخرًا الطبعة الثانية من كتاب كرسى اليونسكو للفلسفة بالعالم العربى تحت عنوان: «فيلسوف التجديد والمواطنة والتقدم.. دراسات فى فلسفته النقدية»، بعد 16 شهرًا من صدور الطبعة الأولى، التى شارك فيها 28 عالمًا وفليسوفًا. وصفه الكتاب الذى شارك فى إعداده 28 عالمًا ومفكرًا وباحثًا من مصر ولبنان والعراق وتونس والجزائر والمغرب وفلسطين والأردن وسويسرا، بالعالم الشجاع الذى تمكن من اقتحام مجاهيل الواقع وتفكيك العديد من هذه الأفكار، ومعالجة إشكاليات معقدة يأتى على رأسها الخطاب الدينى الجديد وتفكيك النداءات الحركية المتعصبة، ليضع فى النهاية منهجه نحو تأسيس عصر دينى جديد، يكون الخطاب العقلانى أهم أولوياته. إنه الأستاذ الجامعى الدكتور محمد عثمان الخشت، الذى يمتلك سجلًا علميًا ثريًا وفكريًا حافلًا، والذى كان على الدوام فى مرمى سهام بعض «الخصوم»، وحالة لا تنتهى من الجدل بسبب آرائه وكتاباته، خصوصًا أنه يحمل على عاتقه مشروع التجديد فى الفكر والعلوم الإسلامية. «الوفد» التقت رئيس جامعة القاهرة للرد على بعض «الشبهات» التى أثيرت مؤخرًا حول بعض أطروحاته وأفكاره، و«النبش» فى مؤلفات قديمة، تصدرت كافة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، فكانت الردود واضحة، وتحمل من الشجاعة الأدبية ما يؤكد خطه التنويرى الذى يدافع عنه بكل ثبات. إنجازات لا تقبل الشك فى البداية يقول الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة: نبذل جهودًا كبيرة على جميع المستويات العلمية والتعليمية، خلال السنوات الماضية، مشيرًا إلى أنه من خلال وزارة التعليم العالى والبحث العلمى وأعضاء مجلس الجامعة والمجالس النوعية، فإن الجامعة حريصة على متابعة تنفيذ محاور خطط التطوير التى تهدف إلى نقل الجامعة نقلة نوعية وتكنولوجية وإعادتها إلى مصاف المنافسة مع الجامعات الدولية المرموقة، وهو ما تم تحقيقه بنجاح بصورة كبيرة. وأوضح أن جامعة القاهرة حققت تقدمًا غير مسبوق فى مجال التصنيفات العالمية، وقد احتلت موقع الصدارة ضمن أفضل جامعات العالم محققة قفزات مئوية فى أكثر التصنيفات، وتقدمت فى بعض التصنيفات سبعة أضعاف، حيث جاءت من أفضل الجامعات العالمية المرموقة فى 8 تصنيفات دولية. تشكيك دائم وفيما يتعلق بآرائه حول «تجديد الخطاب الديني» والتى تثير الجدل من البعض، وتحدث دويًا هائلًا على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، يقول «الخشت»: لعل الأبرز فيما حققته جامعة القاهرة من إنجازات، دورها الأصيل فى عرض مشروعها المتكامل حول تأسيس خطاب دينى جديد من واقع الإصلاح الدينى والتنمية الاقتصادية والعودة إلى المنابع الصافية فى الفكر الدينى وإعادة بناء الوجدان وأخلاق التقدم وتنمية الوعى الوطني. وأشار إلى أهمية التحول إلى ثقافة الإنتاج مع تعزيز الهوية وإنشاء مفوضية الجامعة للنهوض باللغة العربية والاهتمام بالقراءة والمسابقات الفنية والشعرية والبحثية ومسابقة أفضل تلاوة للقرآن الكريم، وهو ما تقوم به الجامعة بشكل سنوى ودورى، إلى جانب مسابقات إبداع وملتقيات المسرح الجامعى مع حصاد جوائز التميز والتفوق لعدد وفير من الطلبة تحت مظلة الثقافة والتنوير ومشروع تطوير العقل المصرى بكل تطبيقاته. المتربصون وحول وجود بعض المتربصين، الذين يتهمونه بدون دليل أو حجة، وادعاءاتهم بأنه يحاول النَّيل من التراث والثوابت، يؤكد «الخشت» أن تلك الادعاءات فارغة وتأويل سطحى خاطئ، وأنهم ليسوا على اطلاع أو دراية بما أطرحه فى كتبى أو مقالاتى، أو مشاركاتى البحثية والعلمية. ويضيف: نقول لهم وللجميع هل سمعتم أو قرأتم حديث النبى صلى الله عليه وسلم «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، فهل توقفتم عند معنى كلمة «يجدد»، وهل سألتم ماذا يقصد النبى بالتجديد، هل هذه دعوة نبوية إلى أن نجدد أمور ديننا، وما هى أمور ديننا التى يدعونا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم للتجديد فيها؟ وتابع رئيس جامعة القاهرة: هذه أسئلة مهمة أرجو منهم الإجابة عليها دون الرجوع إلى من يقدسون التراث لأكثر من 10 قرون، متجاهلين سنة الله فى كونه، ودعوة نبيه إلى التجديد. أساطير ومرويات وبسؤاله عن الدين، هل بحاجة للاستئناس بأساطير ومرويات موضوعة من حكايات الأولين؟، يقول أستاذ فلسفة الأديان الدكتور محمد عثمان الخشت: إن ديننا فى منابعه الأصلية واضح بذاته، والوحى الكريم كتاب مبين «قد جاءكم من اللّه نورٌ وكتابٌ مبينٌ»، «الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين»، «ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء»، «وهذا لسانٌ عربى مبينٌ».. موضحًا أن اللسان العربى المبين هو لغة الوحى، فهل يشك أحد أن الكتاب مبين وأنه واضح بذاته؟ ويضيف: إذا كان الكتاب مبيناً وواضحًا بذاته، فهل الدين بحاجة للاستئناس بأساطير ومرويات موضوعة من حكايات الأولين؟ لكن من أسف درج الخطاب الدينى التقليدى على اللجوء إليها لتفسير الكتاب الكريم، ولم ينج من هذا مفسرون لهم ثقلهم ووزنهم. أوضح أن تبرير ذلك عند بعضهم هو أنها للاستئناس! ولا يدرون أنها تؤثر تأثيرًا بالغًا فى تكوين تصورات القارئين لتلك التفاسير، وأنها تشوش عقائدهم بإضافات أسطورية، أو تمزج بينها وبين معتقدات الآخرين من الأديان الأخرى.. وهذا أحد أسباب ابتعاد الخطاب الدينى التقليدى عن الوحى الكريم وعن الدين الأصلى، حتى أصبح الدين الأصلى منسيًا ومحجوبًا وراء منظومات الفرق والمذاهب. وتابع: ربما يتحجج بعض العلماء الذين يتساهلون فى سرد تلك الروايات بأنها لا يتعلق بها حكم شرعى فى أصلها، وهذه مغالطة كبرى، لأن هذه الروايات تمس المعتقدات والعقائد. ويضيف: عندى وعند غيرى أن المعتقدات والعقائد تعلو الأحكام وتسبق قواعد العمل؛ وكما هو ثابت فى علم الأصول فإن التصور يسبق الحكم، فإذا كانت المعتقدات تعلو الأحكام، فكيف يجوز الاستئناس بمعتقد ليس له أصل فى الوحى الكريم بحجة أنه لا يترتب عليه حكم شرعي؟! وأوضح أنه إذا تساهلنا فى ضبط وانضباط تصوراتنا وعقائدنا، فإن رؤيتنا للإنسان «رجلًا وامرأة»، وللعالم والواقع والله سبحانه، سوف تفسد.. وهذا ما حدث بالفعل، حيث اختلطت الحقائق بالخرافات، وشكلت المرويات الضعيفة والموضوعة بخارًا كثيفًا وضبابًا حجب عن نظرنا رؤية الطريق، فتعثرنا واصطدمنا ببعضنا البعض، ونزلنا للتعارك مَنْ منا المخطئ، وتركنا السير والمسيرة، بينما أخذت الأمم الأخرى بأسباب العلم والتقدم وضبطت رؤيتها للعالم والواقع وواصلت سيرها، بينما نحن نتعارك حتى الآن: مَنْ منا المخطئ؟! تجديد الخطاب الدينى وحول تجديد الخطاب الدينى، يؤكد الدكتور محمد عثمان الخشت أن تجديد الخطاب الدينى الجديد يعتبر صورة ضرورية تماشيًا مع تطوير العقل المصرى، فكلاهما يقوم على تطوير الإنسان، مضيفًا أن الضرورة الحتمية لتجديد الخطاب الدينى الجديد لا تعنى الدعوة إلى دين جديد أو التخلى عن العقيدة. وأضاف أن المجتمع المصرى ليس مجتمعاً جاهلياً لكى يتخلى عن دين، مؤكداً أن الإسلام تراجع بسبب تعدد الفرق المذهبية الخاطئة التى تستند إلى أساس دينى خاطئ فى جوهره، أغراض سياسية وأطماع مادية كبيرة، مؤكدًا أن القرآن الكريم نزل لكل زمان وعصر وغير مرتبط بزمن الصحابة. وشدد رئيس جامعة القاهرة على ضرورة أن يتحقق الإنسان من كل معلومة يتلقاها العقل البشرى، لأن هناك الكثير من الأحاديث غير الصحيحة.. فبناء وتطوير الإنسان يبدأ من تغيير طريقة التفكير والمعلومات الصحيحة فى كل العلوم، وعلينا أن نسير على التفكير النقدى والإبداعى. حديث عن المرأة وبشأن الادعاءات التى طالت شخص رئيس جامعة القاهرة، أنه تناول المرأة بشكل مباشر فى سبعة كتب كاملة «ستة كتب مؤلفة، وكتاب محقق»، لإثبات نظرة ذكورية تراثية عتيقة عنها، فنَّد الدكتور محمد عثمان الخشت تلك الأقاويل والمزاعم، مشيرًا إلى أن تقدير المرأة أساس مشروعه الفكرى، كما أكد كامل احترامه للمرأة المصرية، حافظة المجتمع وراعية القيم ومصدر القوة، اليوم والأمس وغدًا. وأضاف: أبدأ بالتأكيد على موقفى الواضح والقاطع فى الإيمان بالمساواة التامة بين المرأة والرجل فى الحقوق والواجبات، فى ضوء اجتهادى فى فهم الشرع الإسلامى الحنيف، كما أعبر عن إيمانى الأكيد بسياسة تمكين المرأة المصرية ضمن منظومة عمل المرأة المصرية والتى عكست نفسها فى محيطى المهنى من خلال توليها لأكبر عدد من المناصب القيادية، بشكل لم يسبق حدوثه فى تاريخ الجامعة العريقة. وتابع: أما بخصوص الكتاب نفسه، فأود التأكيد على أنه كان فى أساسه عبارة عن قراءة فى عدد من الكتب التراثية التى تعرضت للحياة الزوجية والعلاقة بين الزوجين، وقد كان ذلك اجتهادًا مبكرًا منِّى أقدمت عليه وأنا دون العشرين من العمر، وتقدمت به للناشر الذى أجرى تغييرات فى مضمون الكتاب أدت إلى الخلط بين رأى الباحث وبين آراء المصادر التى استند إليها وهو ما أدى إلى خلاف بيننا نتج عنه رفضى طبع الكتاب مرة أخرى. وأوضح «الخشت»: للأسف، يزايد البعض على مواقفى المناصرة للمرأة التى عبرت عنها عبر العديد من كتبى ومقالاتى لأكثر من أربعين عامًا، كما يحاولون إثارة بعض الشبهات بشأن كتاب مخالف للنص الذى كتبته وأنا دون العشرين عامًا، ونشر بعدها عام 1984 بعد أن امتدت له يد الناشر تحريرًا وزيادة ونقصًا، وعندما تم نشر الكتاب عبرت عن استيائى ورفضت إعادة طبعه. مراجعات فكرية وأكد الدكتور الخشت، لقد جاءت كل كتاباتى بعد ذلك مؤكدة لاتجاهى وتقديرى للمرأة، بوصفها أمى وزوجتى وبناتى اللاتى أحبهن وأقدرهن ولا أسعد فى حياتى دون وجودهن فيها نور ورحمة وضياء، بل إن أى تقدم حققته فى الحياة أنا مدين به بعد الله لأمى ثم لزوجتى ثم لبناتي. وتابع: أعقبت هذا الكتاب بالعديد من الكتب التى اجتهدت فيها لإيضاح الحقوق التى منحها الإسلام للمرأة لعل أبرزها كتاب «نحو تأسيس عصر دينى جديد»، فضلًا عن عشرات المقالات فى صحف مصرية عريقة أفردتها لمعالجة هذا الموضوع الهام. ويضيف: صدر هذا الكتاب منذ ما يقرب أربعين عامًا وهى فترة كافية جدًا للباحث والكاتب لإعادة النظر تجاه قضايا كثيرة، وباكتساب مزيد من المعرفة والخبرة عبر أدوات البحث العلمى المختلفة، هذا إذا افترضنا أن العبارات المقتطعة من سياقها كانت تعبر بالفعل عن أفكارى وقت صدور الكتاب. وطالب رئيس جامعة القاهرة الكتاب والإعلاميين والناشطات والحقوقيات ألا يقعوا فى نفس الخطأ الرهيب الذى كان يقع فيه التكفيريون والمتربصون حين كانوا يقتطعون ويجتزأون بعض العبارات من سياقها التاريخى والإبداعى ويأخذونها ذريعة لتكفير الكتاب والمفكرين. مناصب قيادية للمرأة وحول جهود جامعة القاهرة لتحقيق استراتيجية الدولة نحو الجمهورية الجديدة، من تمكين وتأهيل المرأة لتولى المناصب القيادية، أوضح «الخشت» أن نسبة تولى المرأة للمناصب القيادية بلغت 47% من إجمالى القيادات داخل الجامعة، وفى كافة القطاعات والمناصب. وأضاف أن تولى المرأة فى العديد من المناصب القيادية بالجامعة جاء لتميزهن ودورهن الكبير فى الارتقاء بالعملية التعليمية والبحثية بالجامعة، وهو مما لا شك فيه كان له دور كبير فى نجاح الجامعة على كافة المستويات، سواء أكانت مشروعات التطوير والبنية التحتية للجامعة أو النشر العلمى الدولى وتحسين مركز الجامعة دوليًا فى كافة التصنيفات العالمية، وذلك لتميزهن فى تنفيذ الاستراتيجيات التى وضعتها الجامعة فى كافة المجالات خلال الفترة الماضية.