تخصيص 100 فدان في جنوب سيناء لإنشاء فرع جديد لجامعة السويس.. تفاصيل    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    تحظى ب«احترام غير مبرر».. اتهام مباشر لواشنطن بالتغاضي عن انتهاكات إسرائيل    "كاليفورنيا" بعد "هارفارد" .. جامعات نخبة العالم تناهض الإبادة الجماعية في غزة    قيادي في حماس: السنوار ليس معزولا في الأنفاق ويمارس نشاطه ميدانيا    شوبير يعلق على تكريم الأهلي لنجم الزمالك السابق    عاجل.. فرج عامر يتحدث عن صفقات سموحة الصيفية وضم كوكا من الأهلي    عاجل.. تعديل موعد مباراة يد الزمالك وشبيبة أمل الجزائري في بطولة إفريقيا    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    "منافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    عماد النحاس يكشف توقعه لمباراة الأهلي ومازيمبي    إصابة 5 سائحين في انقلاب سيارة ملاكي بالطريق الصحراوي بأسوان    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    القيادة المركزية الأمريكية: تصدينا لصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقه الحوثيون    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    الهلال الأحمر: مصر وفرت خدمات عملية إجلاء المصابين الفلسطينيين في وقت قياسي    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    ما موعد انتهاء مبادرة سيارات المصريين بالخارج؟.. وزيرة الهجرة تجيب    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    ارتفاع الذهب اليوم الخميس.. تعرف على الأسعار بعد الزيادة    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحِلْم سَيِّدُ الأَخْلاقِ
نشر في الوفد يوم 25 - 07 - 2021

إِنَّ الإِنْسَانَ وَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي جَنَبَاتِ هَذِهِ الحَيَاةِ، فِي صَبَاحِهِ وَمَسَائِهِ، وَمَنْشَطِهِ وَمَكْرَهِهِ، وَفِي أَعْمَالِهِ، وَعِنْدَ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ وَإِخْوَانِهِ، رُبَّمَا مَرَّتْ بِهِ المَوَاقِفُ العَصِيبَةُ الَّتِي تُؤَدِّي بِهِ إِلَى الغَضَبِ، وَلَوْ تَابَعَهُ لأَدَّى بِهِ إِلَى المَهَالِكِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ وَيَتَزَيَّن بِثَوْبِ الحِلْمِ حَتَّى يَتَّسِعَ عَفْوُهُ لِلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَالرَّفِيعِ وَالوَضِيعِ، وَالمُتَعَلِّمِ وَالجَاهِلِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا وَصَفَ عِبَادَهُ المُتَّقِينَ الَّذِينَ يُبَوِّئُهُمْ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؛ ذَكَرَ مِنْ صِفَاتِهِمْ: : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، فَهُمْ يَكْظِمُونَ غَيْظَهُمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى إِنْفَاذِهِ، وَيَعْفُونَ عَنِ النَّاسِ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الانْتِقَامِ، وَتِلْكَ خِصَالُ المُحْسِنِينَ، الَّذِينَ استَوْجَبُوا مَحَبَّةَ رَبِّ العَالَمِينَ،
بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه حول الحلم سيد الاخلاق وأضاف قائلا:
وَقَدْ أَوْصَى اللهُ نَبِيَّهُ بِالعَفْوِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ]خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين[(])، وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ رسول الله : ((مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ))، وَكَذَلِكَ بَيَّنَ النَّبِيُّ أَنَّ القَوِيَّ حَقًّا هُوَ مَنْ قَاوَمَ الغَضَبَ وَدَفَعَهُ، وَلَيْسَ الشَّدِيدُ هُوَ الغَلِيظَ الَّذِي يَصْرَعُ الآخَرِينَ، يَقُولُ صلي الله عليه وسلم : ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ))، وَعِنْدَمَا جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي، قَالَ لَهُ: ((لا تَغْضَبْ))، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي، قَالَ لَهُ: ((لا تَغْضَبْ))، فَكَرَّرَ الرَّجُلُ طَلَبَهُ ثَلاثًا: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي، قَالَ: ((لا تَغْضَبْ))، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ رَسُولَ اللهِ أَنْ يُوصِيَهُ بِوَصَايَا عِدَّةٍ، وَالرَّجُلُ يَسْتَزِيدُهُ مِنَ الوَصَايَا، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ لا يَزِيدُهُ إِلاَّ أَنْ يُحَذِّرَهُ مِنَ الغَضَبِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الغَضَبَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، يَدفَعُهُ إِلَى أَنْ يَتَجَاوَزَ حُدُودَ اللهِ، وَأَنْ يَظْلِمَ عِبَادَ اللهِ، وَأَنْ يَقْتَرِفَ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَلَوْ مَلَكَ نَفْسَهُ عَنِ الغَضَبِ لَصَلَحَتْ سَائِرُ أُمُورِهِ.
إِنَّ الحِلْمَ سَيِّدُ الأَخْلاقِ، فَمَا تَحَلَّى بِهَذَا الخُلُقِ إِنْسَانٌ إِلاَّ زَانَهُ، وَمَا حُرِمَ مِنْهُ أَحَدٌ إِلاَّ شَانَهُ، وَلأَجْلِ أَنْ يَكُونَ الحِلْمُ وَالعَفْوُ فِي الإِنْسَانِ سَجِيَّةً لا بُدَّ أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ بِالدُّرْبَةِ وَالمِرَانِ عَلَى كَظْمِ الغَيْظِ وَالصَّفْحِ عَنْ أَخْطَاءِ الآخَرِينَ، فَقَدْ قِيلَ: "إِنَّمَا الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ"، وَالنَّفْسُ البَشَرِيَّةُ مُتَقَلِّبَةٌ؛ فَلا بُدَّ مِنْ تَزْكِيَتِهَا بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَفِي مُقَدِّمَةِ الأَخْلاقِ الصَّفْحُ وَالحِلْمُ وَالعَفْوُ، أَمَّا إِذَا تَفَلَّتَتْ هَذِهِ النَّفْسُ فَإِنَّهَا تُؤَدِّي بِصَاحِبِهَا إِلَى التَّهَوُّرِ وَالطَّيْشِ وَالظُّلْمِ. إِنِّ الحَيَاةَ فِي تَقَلُّبِ أَهْلِهَا تُرِيكَ ضُرُوبًا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ وَالمَوَاقِفِ الَّتِي قَدْ تَدفَعُ إِلَى الغَضَبِ وَالانْفِعَالِ، فَإِذَا لَمْ يُوَطِّنِ المُؤْمِنُ نَفْسَهُ عَلَى الحِلْمِ وَالعَفْوِ لَمْ يَستَطِعِ اتِّخَاذَ المَوقِفِ الصَّحِيحِ مِنْ تِلْكَ المَوَاقِفِ، وَلَرُبَّمَا صَبَرَ وَغَفَرَ فِي مَوقِفٍ أَوْ مَوقِفَيْنِ، وَلَكِنْ مَعَ تَكْرَارِ تِلْكَ المَوَاقِفِ الَّتِي تَستَثِيرُهُ وَتُغْضِبُهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَنْ طَوْرِهِ وَارْتَكَبَ الحَمَاقَاتِ، لِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى ضُرُوبِ الشَّدَائِدِ، حَتَّى يَصِيرَ الحِلْمُ وَالعَفْوُ لَهُ سَجِيَّةً وَخُلُقًا وَنِبْرَاسًا يُضِيءُ حَيَاتَهُ كُلَّهَا. إِنَّ المُسلِمَ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ يَعتَصِمَ بِالحِلْمِ فِي مُعْتَرَكِ حَيَاتِهِ اليَوْمِيَّةِ، فَمَثَلاً عِنْدَ سِيَاقَتِهِ لِسَيَّارَتِهِ فِي خِضَمِّ الزِّحَامِ قَدْ تَضِيقُ أَخْلاقُ بَعْضِ النَّاسِ؛ فَهَذَا يُزَاحِمُ، وَذَلِكَ يَغْضَبُ، وَثَالِثٌ يَنْفَعِلُ، لأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَصِلَ
إِلَى عَمَلِهِ أَوْ مَقْصِدِهِ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ، وَرُبَّمَا رَفَعَ صَوتَهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَا لا يَلِيقُ، وَهُنَا يَأْتِي دَوْرُ الحِلْمِ وَالأَنَاةِ، لَيَسْتَلَّ مِنَ النَّفْسِ البَشَرِيَّةِ نَزَغَاتِ الهَوَى وَطَيْشَ الانْفِعَالِ وَالخِصَامِ. كَذَلِكَ المَرْءُ فِي وَظِيفَتِهِ، عِنْدَمَا تَزِيدُ عَلَيْهِ أَعْمَالُهُ، وَتُرْهِقُهُ مَسْؤُولِيَّاتُهُ، فَرُبَّمَا دَخَلَ فِي شِجَارٍ مَعَ زُمَلائِهِ، أَوْ حَصَلَ سُوْءُ فَهْمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ، أَوْ لَمْ يَنَلِ التَّكْرِيمَ الَّذِي يَستَحِقُّهُ عَلَى إِخْلاصِهِ وَتَفَانِيهِ، فَهُنَا لا بُدَّ أَنْ يَتَحَلَّى المُؤْمِنُ بِالعَفْوِ وَالصَّفْحِ، وَأَنْ يَتَّسِعَ صَدْرُهُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ مَا سَارَ نِظَامُ العَمَلِ، وَحَلَّ الخِصَامُ مَحَلَّ الوِئَامِ، وَوَقَعَ التَّقَاطُعُ مَكَانَ التَّوَاصُلِ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الحِلْمِ وَالحِكْمَةِ، وَالرِّفْقِ وَالمُعَامَلَةِ الحَسَنَةِ.
إِنَّ المُسلِمَ الحَقَّ هُوَ الَّذِي يَلْتَزِمُ الأَخْلاقَ وَالعَفْوَ، وَيَبْتَعِدُ عَنِ الانْتِقَامِ وَالظُّلْمِ، وَهَذِهِ هِيَ أَخْلاقُ الأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -، فَهَذَا يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - يَعْفُو عَنْ إِخْوَتِهِ وَقَدْ فَعَلُوا فِيهِ مِنَ الكَيْدِ وَالإِبْعَادِ وَالأَذَى الشَّيْءَ الكَثِيرَ، وَحَسَدُوهُ وَتَآمَرُوا عَلَى قَتْلِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين[([])، وَالَّذِي لَحِقَ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنْهُمْ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِمَّا لَحِقَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ-، وَمَعَ ذَلِكَ لَمَّا طَلَبُوا مِنْهُ الصَّفْحَ وَالعَفْوَ قَائِلِينَ: ياأبانا استغر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين [([])؛ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَولِهِ: ] سوف استغفر لكم ربى انه هو الغفور الرحيم[([])، إِنَّهَا القُلُوبُ الطَّاهِرَةُ الَّتِي لا تَعْرِفُ لِلانْتِقَامِ مَوْضِعًا، وَلَكِنَّهَا حَالَفَتِ الحِلْمَ وَالأَنَاةَ وَالعَفْوَ وَالصَّفْحَ، وَكَذَلِكَ لَقِيَ سَائِرُ أَنْبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ مِنْ أَذَى أَقْوَامِهِمْ، فَلَمْ يَضِيقُوا ذَرْعًا بِصُدُودِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، بَلْ صَفَحُوا وَحَلُمُوا، وَانْظُرُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - إِلَى عُتُوِّ وَالِدِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، إِذْ يَقُولُ لِوَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ نَصَحَهُ بِكُلِّ رِفْقٍ وَأَدَبٍ: ] أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لأرجمنك واهجرني مليا [([])، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ] سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا[([])، وَسَيِّدُ الخَلْقِ مُحَمَّدٌ r دَعَاهُ رَبُّهُ إِلَى الصَّفْحِ الجَمِيلِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ]فاصفح الصفح الجميل [([])، فَجَسَّدَ هَذَا الخُلُقَ العَظِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ السَّلامُ - فِي مَوَاقِفَ كَثِيرَةٍ، كَمَوقِفِهِ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، إِذْ قَالَ لِقُرَيْشٍ الَّتِي أَخْرَجَتْهُ مِنْ دِيَارِهِ، وَآذَتْهُ هُوَ وَأَصْحَابَهُ، وَنَاصَبَتْهُ العِدَاءَ، وَدَبَّرَتْ لَهُ المَكَايِدَ: ((مَا تَظُنُّونَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟)) قَالُوا: أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، فَقَالَ: ((لا أَقَولُ إِلاَّ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ، اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ))، هَذِهِ هِيَ عَظَمَةُ الحِلْمِ وَالصَّفْحِ، وَفِي يَوْمِ أُحُدٍ شُجَّ وَلَحِقَتْهُ جِرَاحَاتٌ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ قَلْبُهُ الكَبِيرُ يُرَدِّدُ: ((اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ))، ثُمَّ كَانَتْ وَصَايَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - لأُمَّتِهِ بِالحِلْمِ، يَقُولُ : ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى
يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُوْرِ مَا شَاءَ))، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ((مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ أَجْرًا مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ ابتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ تَعَالَى)).
وأوضح الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب قائلا:
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَوَاطِنِ الحِلْمِ وَالعَفْوِ أَجْرًا وَمَثُوبَةً، عِنْدَمَا يَقْدِرُ المُسلِمُ عَلَى الانْتِقَامِ وَالعُقُوبَةِ، فَإِذَا رَدَّ غَيْظَهُ بِالحِلْمِ وَأَتْبَعَهُ بِالعَفْوِ وَكَمَّلَهُ بِالإِحْسَانِ فَتِلْكَ هِيَ المَرَاتِبُ العَلِيَّةُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ] والكاظمين الغيظ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[([])، فَتِلْكَ مَرَاتِبُ ثَلاثٌ: كَظْمُ الغَيْظِ
أَوَّلاً، ثُمَّ العَفْوُ وَالصَّفْحُ الجَمِيلُ، ثُمَّ الإِحْسَانُ إِلَى المُسِيْءِ، لِذَلِكَ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى جَزَاءَهُمُ الأَوفَى بِقَولِهِ: أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا 0لْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ 0لْعَٰمِلِينَ[([])، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي وَصْفِ المُؤْمِنِينَ: والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون[(])، وَقَدْ يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ العَفْوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ ضَعْفٌ وَخَوَرٌ، فِي حِينٍ يُبَيِّنُ سُبْحَانَهُ لَنَا أَنَّ العَفْوَ هُوَ قِمَّةُ السُّمُوِّ وَالقُدْرَةِ وَالقُوَّةِ؛ لأَنَّهُ عَفَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْتَقِمَ لِنَفْسِهِ، يَقُولُ تَعَالَى: ] ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور[()، وَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ قُتِلَ سَيِّدُنَا حَمْزَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَمُّ رَسُولِ اللهِ r، وَلَمْ يَكْتَفِ المُشْرِكُونَ بَقَتْلِهِ بَلْ مَثَّلُوا بِجُثَّتِهِ تَمْثِيلاً بَشِعًا، وَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - عَلَى ذَلِكَ المَنْظَرِ المَلِيْءِ بِالحُزْنِ، فَأَقْسَمَ لَيَقْتُلَنَّ مَكَانَهُ سَبْعِينَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ قَولَهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فعاقبوا بِمِثْلِ مَا عوقبتم به سبب النزول[)، فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ أَنَّ العُقُوبَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بِالمِثْلِ مَهْمَا كَانَ المَقْتُولُ قَرِيبًا وَحَبِيبًا، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الصَّبْرِ، مُبَيِّنًا أَنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ مِنَ العُقُوبَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ بَلْ أَتْبَعَهَا قَولَهُ: ] واصبر وما صبرك الا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكُ في ضيق مما يمكرون[()، فَانْظُرُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - كَيْفَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ لِنَبِيِّهِ بِالعُقُوبَةِ فِي هَذَا المَوقِفِ، مَعَ قُدْرَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَاخْتَارَ لِنَبِيِّهِ الصَّبْرَ وَالصَّفْحَ وَالحِلْمَ، فَأَيُّ أَخْلاقٍ بَعْدَ هَذِهِ الأَخْلاقِ؟ وَأَيُّ مَبَادِئَ سَامِيَةٍ بَعْدَ تِلْكُمُ الخِصَالِ النَّبِيلَةِ الرَّفِيعَةِ؟
فَاتَّقُوا اللهَ - إِخْوَةَ الإِيْمَانِ -، وَرَبُّوا النُّفُوسَ عَلَى الحِلْمِ وَكَظْمِ الغَيْظِ، وَالزَمُوا كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا.
قَدْ تَنْشَبُ بَعْضُ الخِلافَاتِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِسَبَبِ تَوَافِهِ الأُمُورِ، وَعِنْدَمَا يَفْقِدُ الزَّوْجَانِ الحِلْمَ، وَيَستَولِي عَلَيْهِمَا الغَضَبُ، يَرْكُضُ بَيْنَهُمَا الشَّيْطَانُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، فَتَسْتَعِرُ البُيُوتُ نَارًا، وَيَتَقَوَّضُ بُنْيَانُ العَلاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَتَتَشَتَّتُ الأُسَرُ، وَبِقَلِيلٍ مِنَ الحِكْمَةِ وَالحِلْمِ تُحَلُّ الأُمُورُ، فَإِذَا بِالغَضَبِ يَتَلاشَى، وَإِذَا بِالخِصَامِ يَنْقَلِبُ إِلَى حُبٍّ وَوِئَامٍ. كَذَلِكَ المُعَلِّمُونَ فِي حَقْلِ التَّدْرِيسِ، قَدْ يُصَابُ بَعْضُهُمْ بِالغَضَبِ بِسَبَبِ سُلُوكٍ سَيِّئٍ مِنْ أَحَدِ الطَّلَبَةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَسَلَّحْ ذَلِكَ المُعَلِّمُ بِالصَّبْرِ وَالحِلْمِ عَادَ عَلَى طُلاَّبِهِ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ تَوَازُنِهِ، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي أَصْحَابِ المُؤَسَّسَاتِ وَمَنْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنَ المُوَظَّفِينَ، فَالحِلْمُ هُوَ الَّذِي يُحْكِمُ زِمَامَ الأُمُورِ كُلِّهَا، وَلَولا ذَلِكَ لانْفَلَتَتْ وَتَعَطَّلَ الإِنْتَاجُ، وَالمُسلِمُ أَحَقُّ مَنْ يَأْتَزِرُ بِالحِلْمِ وَأَولَى، وَيُحَالِفُ الصَّبْرَ وَالصَّفْحَ، وَإِلاَّ مَا حَقَّقَ الغَايَةَ المَرْجُوَّةَ مِنْ إِرْشَادِ النَّاسِ إِلَى بَرِّ الأَمَانِ، فَالحِلْمُ سَيِّدُ الأَخْلاقِ؛ يَأْسِرُ قُلُوبَهُمْ، وَيَهْدِي ضَالَّهُمْ، يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ] وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[()، وَهَذِهِ المَنْزِلَةُ الرَّفِيعَةُ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لا يَنَالُهَا إِلاَّ أَهْلُ المَقَامَاتِ العُلَى مِمَّنْ تَدَرَّعَ بِالصَّبْرِ وَالحِلْمِ، وَلِذَلِكَ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَولَهُ:
وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا 0لَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍۢ . إِنَّ تَجَارِبَ الوَاقِعِ تُثْبِتُ أَنَّ أَكْثَرَ المُشْكِلاتِ تَنْشَبُ بِسَبَبِ تَوَافِهِ الأُمُورِ، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنَ الغَضَبِ، فَيَنْفَخُ فِيهَا الشَّيْطَانُ، فَيُوغِرُ الصُّدُورَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ وَالإِخْوَةِ وَالجِيرَانِ، فَتَتَحَوَّلُ مَحَبَّتُهُمْ إِلَى عَدَاوَةٍ، وَصِلَتُهُمْ إِلَى قَطِيعَةٍ، وَتَظَلُّ بَعْضُ المُشْكِلاتِ رَدَحًا مِنَ الدَّهْرِ تَستَحِيلُ عَلَى الحَلِّ، وَلَوْ عُولِجَتْ فِي وَقْتِهَا بِشَيْءٍ مِنَ الأَنَاةِ وَالحِلْمِ وَالصَّفْحِ الجَمِيلِ لَتَبَخَّرَتْ فَلا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ.
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَلْنُحَالِفِ الحِلْمَ وَالأَنَاةَ وَالصَّفْحَ الجَمِيلَ، فَبِهَا تَصْفُو المَوَدَّاتُ، وَتَقْوَى العَلاقَاتُ، وَتَتَلاشَى جَمِيعُ المُشْكِلاتِ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.