التمسك بالسنة من صفات المؤمنين وإنّ مسألة حضانة الأطفال بعد الطلاق هي من المسائل التي جاء بها الإسلام ولم تكن قبله في الجاهلية، فقد وقف الإسلام في هذه المسألة موقفًا معتدلًا، وضُبطت مسألة حضانة الأطفال بعد الطلاق بشروط وضوابط لتسير بانتظام؛ فالأطفال لهم حكم يختلف عن الذين يميّزون ويستطيعون الاختيار بأنفسهم عادة. وإنّ حضانة الأطفال بعد الطلاق هي من حقّ الأمّ كما بيّنت الأحاديث الشريفة، ومنها الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده "أنَّ امرَأَةً أتَتِ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقالَتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ ابنِي هذا كان بَطنِي له وِعاءً، وحِجرِي له حِواءً، وثَديِي له سِقاءً، وزعَم أبوه أنَّه يَنزِعُه مِنِّي، قال: أنتِ أحَقُّ به ما لم تُنكَحي". وهنا قوله -عليه الصلاة والسلام- تقييدٌ لحقّ الأمّ بالحضانة هو أنّ الأطفال يبقَون عندها ما لم تتزوّج رجلًا آخر. وأمّا إذا أصبح الأطفال في عمر يسمح لهم بالاختيار فإنّهم يُخيّرون بين آبائهم وأمّهاتهم، وذلك للأحاديث الواردة في هذا الباب؛ فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إنّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- خيَّر غلامًا بين أبيه وأمِّه". وكذلك جاء في سنن أبي داود -رضي الله عنه- أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "يا رسولَ اللهِ، إنَّ زوجي يريد أن يذهبَ بابني، وقد سقاني من بئرِ أبي عنبةَ وقد نفعَني، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: استهِما عليه، فقال زوجُها: مَن يُحاقِّني في ولدي؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "هذا أبوك وهذه أمُّك، فخُذْ بيدِ أيِّهما شئتَ، فأخذ بيدِ أمِّه، فانطلقتْ به"، وينبغي للمرأة المُطلّقة طلاقًا رجعيًّا ألّا تفارق بيت زوجها؛ إذ ربّما ردّها إليه، وذلك لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}. وأمّا إذا انقضت العدّة فليس لطليقها أن يلزمها الإقامة، ولها أن تسافر ما لم يكن السفر من السفر المسقط لحقّها في الحضانة، فإنّ هناك سفرًا يسقط عن الأمّ الحضانة. وتسقط حضانة الأطفال بعد الطلاق عن الأمّ إن كانت فاسقة ويُخشى على أطفالها الانحراف وهم في حِجرها، فإنّ الحضانة إذ ذاك تسقط عنها، ومن ذلك أن تكون تاركة للصلاة عند بعض الأئمّة أو أن تكون زانية، ومسألة فسوق المسلم مبسوطة في المراجع والكتب وهي أكثر من أن تُبسط هنا، والله أعلم، وهذا ما يمكن قوله باختصار عن حضانة الأطفال بعد الطلاق.