يوجد شىء ما فى الصورة الفوتوغرافية الأبيض والأسود، شىء يجذبك ويثير خيالك ويفتنك، يجعلك تحلق فى سماوات أخرى غير التى تعيش تحتها واقعك، ربما درجات الرمادى فى الأبيض وظلالها على وجوه البشر والحجر تزيدها غموضًا وجمالًا، رغبتك الدفينة فى الرجوع بالزمن ولو لثوان معدودات هى عمر التقاط الصورة لتعيش تلك اللحظة الحميمة والخاصة، هناك سحر ما نفتقده فى الصورة الملونة. هذه مجموعة من صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود، تشكل سرقات ساحرة من عمر الزمن فى مصر المحروسة وتاريخها المديد، صور استطاعت أن تسجل ثوانى من حيوات أشخاص لن تعرفهم أبدًا إلا من خلال تلك الثوانى التى كشفت لك عن جزء عزيز من مسيرة حياتهم التى لن نعرف أبدًا ما آلت إليه نهايتها. يحبس العالم أنفاسه وتعلو الوجوه الدهشة والانبهار، حينما انتشرت مجموعة الصور البديعة التى التقطت لتسجل أعظم اكتشاف أثرى فى القرن الواحد والعشرين، وهى الخاصة بالعثور على مقبرة الملك الذهبى توت عنخ آمون كاملة دون أن تصل لها أيدى اللصوص على مدى آلاف السنين. مُكتشف المقبرة هو عالم الآثار والعاشق لتاريخ مصر القديمة البريطانى هوارد كارتر، وهذا ما تكشفه الصور لكى ينصفه التاريخ، وليأخذ حقه من المجد والخلود، طفل كان فى الثانية عشرة من عمره وقتها، يسمى حسين، أو الشيخ حسين عبدالرسول، كما يطلقون عليه، والذى كان يعمل فى منطقة الحفر، فى نفس المنطقة التى اُكتشفت بها المقبرة عند مدخل النفق المؤدى إلى قبر رمسيس السادس فى وادى الملوك، فتعثرت قدماه أثناء إحضار المياه، وغرزت فى حفرة هى بداية درج من السلالم الأولى المؤدية إلى مقبرة الملك الفرعونى توت عنخ أمون، لتسجل لنا صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود للطفل حسين عبدالرسول، وهو يضع قلادة الملك «توت عنخ أمون» على صدره المرصعة بالأحجار الكريمة، وتعد من أشهر القطع الخاصة بالملك، هذه الصورة التى تجاوز عمرها الآن أكثر من تسعين عامًا، حفظت حق الطفل حسين عبدالرسول، فى أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، مع هوارد كارتر كزميل اكتشاف أروع مقبرة فرعونية حتى اليوم.