إنَّ المحبة الصافية بين الأحباء تستوجب مراعاة المشاعر في أبسط الأمور وأدقها، فلو كان هناك ثلاثة فيجب ألا يتحدث اثنان دون الثالث بما يوحي له أنَّ بينهما حديثًا خاصًا ومودة هو خارجها فيحزن لذلك الاستبعاد أو يشعر أنَّه ليس أهلاً للسر الذي بينهما، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر- حتى تختلطوا بالناس- من أجل أن يحزنه). وإذا جلس المسلم ليأكل مع إخوانه (تمراً على سبيل المثال) فلا يجب أن يأخذ في يده في المرة الواحدة تمرتين قبل أن يستأذن أصحابه حتى لا يجور على نصيب أحدهم من الطعام، فما بال من يتحايلون للسرقة وأكل حقوق الضعفة والأيتام والمساكين. وما بال من يغشون ويخادعون لأكل أموال الناس بالباطل. فيقول ابن عمر رضي الله عنهما (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعا حتى يستأذن أصحابه). وإذا كان نبينا ينهى عن المسابقة في الطعام أو أن يأكل أحد أكثر من إخوانه فإن فهم هذا المعنى وحده كفيل بإدراك حرمة ما هو أكبر، والذي بالضرورة يكون أكبر حرمة وأعظم شراً فيقول صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً، يا رسول الله؟ قال: «وإن قضيبا من أراك). والحقوق محفوظة لا سبيل لضياعها بين المسلمين حتى لو قضى لك بها نبي لأنك كنت صاحب بلاغة وأقوى حجة، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار، فلا يأخذها). وإذا كان نبي الرحمة قد أمرنا بعدم المساس بحقوق الآخرين فإنَّه دعانا أيضا إلى العفو والتسامح فيما بيننا. ويروى عن كعب بن مالك أنَّه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما، حتى كشف سجف حجرته، فنادى كعب بن مالك، فقال: (يا كعب) فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده: أن ضع الشطر، فقال كعب: قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قم فاقضه).