كتب هذا التقرير مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو الذراع البحثي للوبي المصالح الإسرائيلية (إيباك) بالعاصمة الأمريكية، وتمثل دراساته مصالح وتوجهات السياسة الإسرائيلية إلى حد كبير. يدعو الباحث مايكل آيزنشتات إلى زيادة الضغوط على إيران باستخدام الوسائل الاستخبارية والعسكرية لتعزيز فاعلية الضغوط الدبلوماسية على حكام طهران. يقول آيزنشات أنه من أجل تعزيز الجهود الدبلوماسية مع إيران، يتعين على الولاياتالمتحدة أن تكثف عملياتها الاستخباراتية وتستخدم الأداة العسكرية بفاعلية أكبر لتغيير حسابات طهران فيما يتعلق بالتهديدات. مع انتهاء الجولة الأخيرة من الدبلوماسية النووية في الأسبوع الماضي بشكل غير حاسم، من المتوقع أن تستعد الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض جولة جديدة من العقوبات على إيران. ومع ذلك، فنظراً للاحتياطيات النقدية واحتياطات الذهب التي بحوزة إيران ودخل النفط الكبير الذي مازالت تتمتع به فإن العقوبات وحدها قد لا تجعل النظام أكثر مرونة في المفاوضات. ولتعزيز الجهود الدبلوماسية - وبالتالي تقليص فرص المصادمة العسكرية - يجب على الولاياتالمتحدة أن تكثف عملياتها الاستخباراتية وتستخدم أدواتها العسكرية بطرق لم تكن مستعدة لاتخاذها حتى الآن. زيادة الضغط منذ توليها مهام منصبها، كانت إدارة أوباما متحفظة للغاية تجاه استخدام الأداة العسكرية في التعامل مع طهران، ويعود ذلك إلى حد كبير من أجل تفادي تقويض الجهود الدبلوماسية المتعلقة بالقضية النووية أو إثارة صراع غير مقصود. ومما يُحسب للإدارة أنها بنت القدرات العسكرية لحلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة وسدت الفجوات في الدفاعات الأمريكية في الخليج الفارسي وحددت الخطوط الحمراء فيما يتعلق باستخدام القوة. غير أنه لا يبدو أن تلك الخطوات قد غيرت من حسابات طهران المتعلقة بالتهديدات. ولكي تنجح الدبلوماسية يجب على الولاياتالمتحدة أن تفعل ما يلي: تقوية الشراكات: أوضح وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أن تعزيز الشراكات الأمنية والدفاعات الجماعية هي الخطوات الرئيسية لمنع إيران من اكتساب أسلحة نووية. وبناءاً على جهود سابقاتها، سعت إدارة أوباما إلى تعزيز تلك الأهداف عبر "حوار أمن الخليج"، وعشرات المليارات من الدولارات من مبيعات الأسلحة المخططة لحلفائها في دول الخليج. وقد كانت النية هي طمأنة هؤلاء الحلفاء، وإقناع إيران في الوقت نفسه بأن برنامجها النووي سيقلل من أمنها بدلاً من أن يعززه. ومع ذلك، تؤمن طهران بأن "الصحوة الإسلامية" التي تهز المنطقة حالياً ستجرف مشيخات الخليج العربي وأن أنظمة ثورية إسلامية تعتنق بقوة أكثر رؤية إيران العالمية هي التي سترث القوات المسلحة لدول الإمارات في نهاية المطاف. ومن هذا المنظور لا تشكل جيوش دول الخليج العربية أي تهديد لإيران، لذا فإن المساعي الأمريكية لبناء هذه الجيوش لم يكن لها أثر على حسابات طهران فيما يخص التهديدات. سد فجوات القدرات: بعد إجراء مراجعة داخلية في عام 2011 والتي كشفت عن وجود فجوات خطيرة في القدرات القتالية الأمريكية في الخليج، أمرت "القيادة المركزية" للولايات المتحدة بالقيام بجهد عاجل لتعزيز جاهزية القوات الأمريكية هناك. وتلك التحديثات - إلى جانب إرسال سفن مضادة للألغام ومروحيات إضافية إلى المنطقة وكذلك إعادة تجهيز بارجة النقل الأمريكية البرمائية "يو إس إس بونس" لتعمل كقاعدة رسو طافية للعمليات الحربية البحرية الخاصة والمضادة للألغام في الخليج - سوف تساعد القوات الأمريكية على التعامل مع التهديدات الحربية الآتية من القوارب الصغيرة والألغام والغواصات. ولكن بما أن أياً من هذه الخطوات الضرورية لا تعزز القدرة الهجومية الأمريكية في الخليج، فليس من المرجح أن تؤدي إلى تغيير حسابات طهران المتعلقة بالتهديدات. رسم خطوط حمراء: صرح الرئيس الأمريكي أوباما ووزير دفاعه بانيتا أنه إذا ما بدأت إيران بناء سلاح نووي فإن الولاياتالمتحدة ستستخدم جميع الوسائل التي تحت تصرفها لمنع إكمال هذا المشروع. (كما أنهما حذرا طهران أيضاً من أن أي محاولة لإعاقة الملاحة في "مضيق هرمز" سيدفع الولاياتالمتحدة إلى القيام بعمل عسكري.) إن التقارير الإعلامية الأخيرة عن التجسس السيبراني الأمريكي والإسرائيلي على إيران قد جعلت بعض المسؤولين الإيرانيين يتساءلون عما إذا كان بمستطاعهم بناء قنبلة في الخفاء أم لا - إذا ما قرروا القيام بذلك. بيد، ربما يكون هذا غير ذي صلة بما نتحدث عنه: فكون واشنطن قد رفعت سقف خطها الأحمر عالياً جداً فيما يتعلق ببرنامج طهران النووي يجعل بوسع إيران أن تحقق تقدماً كبيراً نحو اكتساب قنبلة نووية - وكل ذلك من خلال الأنشطة الصريحة - من دون المخاطرة بقيام الولاياتالمتحدة بعمل عسكري. الخطوات المقبلة قد تعتمد الدبلوماسية الناجحة على قدرة الإدارة الأمريكية على إقناع طهران بأن ثمن المفاوضات الفاشلة يمكن أن يكون صراعاً مسلحاً. ولجعل هذا التهديد ذا مصداقية يجب على واشنطن أولاً أن تُظهر لطهران أنها تقوم بالتحضير لمواجهة عسكرية محتملة - سواء بمبادرة من إيران أو بلد ثالث - وأنها مستعدة وقادرة على فرض خطوطها الحمراء بشأن حرية الملاحة في الخليج والبرنامج النووي للنظام. الضغط على دمشق لإضعاف عزم طهران كان للحذر المفهوم للإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالأزمة السورية أثره الجانبي المؤسف على إقناع طهران بأن واشنطن تفتقد العزم للتعامل مع تحديها النووي. ولتبديد هذا الانطباع ينبغي على واشنطن أن تدعم المعارضة المسلحة في سوريا بقوة أكبر - حيث أن دمشق هي حليفة طهران الإقليمية الأقرب. إن السبيل لتحقيق ذلك هو توفير دعم كاف لتمكين المعارضة من تغيير دفة الأمور في سوريا لكن بدون انخراط الولاياتالمتحدة بصورة عميقة في الأزمة إلى درجة تؤدي إلى تحويل الموارد والانتباه عن القضية النووية الإيرانية. تعزيز الجاهزية ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تتخذ خطوات إضافية لإظهار أنها تستعد لمواجهة عسكرية محتملة مع إيران، سواء كان ذلك نتيجة توجيه ضربة وقائية إسرائيلية أو استفزاز إيراني. على سبيل المثال ينبغي لها أن تعزز الأمن حول السفارات والمنشآت العسكرية وترفع حالة التهديد لقواتها في المنطقة وتتخذ خطوات أخرى تشير إلى أنها مستعدة لذلك النوع من الاضطرابات التي قد تؤدي إلى اندلاع مواجهة مع إيران. وينبغي للوكالات الأمريكية وحلفائها المحليين أيضاً أن يزيدوا من مراقبتهم لأفراد الاستخبارات الإيرانية الذين يعملون تحت غطاء دبلوماسي وغير رسمي في المنطقة، بحيث يجعل من الصعب عليهم تخطيط أو تنفيذ عمل انتقامي. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الجيش الأمريكي أن يزيد من نطاق مناوراته الثنائية والمتعددة الأطراف في منطقة الخليج لكي يظهر أن كلاً من واشنطن ودول "مجلس التعاون الخليجي" على استعداد لمواجهة طهران. إن العمل ضمن إطار تحالفي له أهمية خاصة لأنه سوف يمنح شرعية لأية عملية عسكرية مستقبلية. وعلى وجه الخصوص، يتعين على الولاياتالمتحدة الشروع في مناورات تظهر قدرتها على الحشد السريع للقوات في المنطقة. وأخيراً، ينبغي أن تُعلن عن التحركات الكبرى لتطوير وإنتاج ونشر القنبلة "الخارقة للتحصينات" التي تزن 30000 رطلاً والتي يتم حالياً تطويرها للتعامل مع منشآت تخصيب اليورانيوم التي بنتها إيران تحت الأرض في فوردو. إعادة موضعة القوات البحرية في الخليج على الجبهة البحرية، يجب على واشنطن تحريك حاملة الطائرات التي ترتكز حالياً في الخليج الفارسي وتوجيهها نحو خليج عُمان حيث ستكون هناك أقل عرضة لهجوم إيراني مفاجئ وأفضل تموضعاً بكثير لشن ذلك النوع من الحملة "المركزة" التي تعتبر هي السبيل الأقل تكلفة لاستعادة حرية الملاحة في الخليج الفارسي في حالة قيام مواجهة. وقد أوضح كبار المسؤولين الإيرانيين أن حاملة الطائرات هذه تعتبر جائزة استراتيجية يمكنهم أن يحتجزوها عند الخطر لاسيما بالنظر إلى موقعها الحالي، وبالتالي فإن إعادة موضعتها مؤقتاً سيحرم الإيرانيين من مزية كبرى في حالة نشوب صراع. وفي الوقت نفسه، ولمنع طهران من الادعاء بصدق أنها لاحقت الجيش الأمريكي للخروج من الخليج الفارسي يجب على واشنطن مواصلة الحفاظ على القوات البحرية الأخرى هناك مع نشر قاذفات وطائرات هجوم إضافية في دول الخليج الجنوبية وأماكن أخرى في المنطقة. كما ينبغي لها أيضاً أن تشرح سراً لحلفائها أن إعادة موضعة الحاملة إنما هي وسيلة مؤقتة تهدف إلى تحسين وضع القوات الأمريكية في التعامل مع أية مواجهة محتملة مع إيران. كشف هوية نشطاء طهران إذا ما استمرت المفاوضات النووية في التدهور - مما يزيد من احتمالات المواجهة - فينبغي على الولاياتالمتحدة أن تفعل ما فعلته في أعقاب تفجير أبراج الخُبر في السعودية عام 1996، وهو الكشف للدول الصديقة عن أي عملاء مخابرات إيرانيين يعملون على أراضيها تحت غطاء دبلوماسي أو غير رسمي. ومن شأن ذلك أن يعيق قدرة إيران على تنفيذ موجة من الهجمات الإرهابية أو الانتقام في حالة تعرضها لضربة إسرائيلية وقائية أو حدوث اشتباكات في منطقة الخليج. وسوف تظهر جميع الخطوات السابقة أن واشنطن تؤمن أن هناك احتمال بارز لنشوب صراع في منطقة الخليج بينما تعزز في الوقت نفسه استعداد الولاياتالمتحدة لمثل هذا الاحتمال. كما أنها سوف تسمح أيضاً للإدارة الأمريكية بتجنب تهديد طهران صراحة بطرق يمكن أن تسبب انقساماً للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا وتجعل إيران تصر على موقفها من أجل حفظ ماء الوجه أو تدفعها إلى القيام برد مفرط. الخلاصة لكي تنجح الدبلوماسية النووية مع طهران، يجب على واشنطن أن تستعد لذلك النوع من سياسة حافة الهاوية، الذي لم تمارسه منذ الحرب الباردة. وذلك يعني تصعيد الضغط، وفي الوقت نفسه مساندة الدبلوماسية عن طريق القيام بتحضيرات تبرز استعدادها للمواجهة، من أجل ردع إيران عن اتخاذ خطوات اضافية نحو الانعتاق النووي. وتحقيقاً لهذه الغاية يجب على واشنطن أن تعزز ثلاثة مفاهيم رئيسية في طهران وهي: أن البرنامج النووي الإيراني قد تم اختراقه من قبل أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وأن نظام الملالي لن يكون قادراً على القيام بانعتاق سري بدون ملاحقته، وأن الولاياتالمتحدة سوف تدمر البنية التحتية النووية لهذا النظام لو حاول بناء سلاح نووي. وبهذه الطريقة فإن الإدارة الأمريكية ستوضح لطهران أن السبيل الوحيد لتخفيف العقوبات المفروضة عليها، والهروب من عزلتها المتنامية، وتفادي احتمال نشوب حرب، هو من خلال التوصل إلى حل دبلوماسي يكون حلاً يفي برغبة إيران في امتلاك تقنية نووية سلمية لا تسمح باحتمالية تحقيق اختراق نووي.