\r\n وفي مقالته التي كتبها عام 1993 بعنوان''صدام الحضارات''، وفي كتابه اللاحق الذي حمل نفس العنوان، ذهب هنتنجتون إلى أن الضجة التي ثارت حول النظام العالمي الجديد كانت مُضَلَلّة إلى حد كبير، قائلا إنه اكتشف واحداً من أهم اتجاهات عالم ما بعد الحرب الباردة، وهو أن معظم المجتمعات كانت تقوم بتكريس هوياتها الثقافية على نحو راديكالي، بدلاً من التخلي عن تلك الهويات، وأن المستقبل يحمل لنا عالماً غير منسجم، وليس برلماناً للإنسان يعمل تحت مظلة الأممالمتحدة. وقد تعرض ذلك الكتاب لسوء فهم عميق، كما تعرض أيضاً لسوء توصيف من قبل هؤلاء الذين لم يكونوا يريدون أن يكون ما جاء فيه حقيقياً. \r\n \r\n وقد اصطدم هذا الرأي بقطاعات مهمة. ففكرة أن الإنسان يمكن اختزاله في ''كائن اقتصادي''، كانت من الأفكار المتغلغلة لدى كثير من الاقتصاديين المؤمنين بالسوق الحرة، ومعظم الماركسيين أيضاً، وهي فكرة تبين خواؤها في الواقع العملي، كما يتضح من حقيقة أن معظم الصراعات المعقدة يمكن رؤيتها من خلال منظوري الثقافة والتاريخ بدلا من المنظور الاقتصادي. فالتوتر بين الهند وباكستان، والصراع العربي الإسرائيلي ليس لهما علاقة من أي نوع بالناتج القومي الإجمالي لتلك البلاد. \r\n \r\n وحتى في أميركا نجد أن الفكرة القائلة بأن الاقتصاد هو الذي يقود السياسة، غير قادرة على الصمود أمام التحليل المنهجي، حيث تثبت حقائق الواقع أن القضايا الاجتماعية والثقافية، مثل المخدرات، والإجهاض، وحقوق الشواذ، والرقابة على السلاح، والاستقامة السياسية، والمناهج التعليمية العامة، وعدد لا يحصى من الموضوعات الأخرى... هي الموضوعات التي تتحكم في صراعاتنا السياسية. \r\n \r\n مع ذلك نجد أن صراع الطبقات هو كل ما يهم الماركسيين أو ورثتهم، وأن المصلحة المالية الذاتية هي المحرك الرئيسي لكل شيء في نظر الرأسماليين الوطنيين. \r\n \r\n ولقد عبر أوباما نفسه عن نسخة مخففة من هذا الهراء، عندما نعى على سكان غرب بنسلفانيا تمسكهم بالدين والسلاح، وقال إن ذلك ينبع من إحباطهم الاقتصادي الذي لا يعترفون به، وأنهم لو أدركوا مدى ارتباط مصالحهم المالية بترشيحه للرئاسة، لنبذوا تلك الاهتمامات. \r\n \r\n القصد من ذلك هو القول إن دور الثقافة ليس قوياً فحسب بل يمكن أن يكون محيراً إلى حد كبير.وإذا ما كان هناك كتاب يمكن أن أقترحه للقراءة في هذا الوقت من العام، فهو كتاب هنتنجتون الأخير:'' من نحن؟.. التحديات التي تواجه هوية أميركا الوطنية''، والذي يذهب فيه إلى أن الثقافة الأميركية بحاجة إلى رعاية واهتمام لا إلى رفض تحت دعاوى مثل ''التعددية الثقافية''. وهو يعترف في هذا الكتاب أن التسامح والتعددية ليسا اختراعين حديثين يحلان محل ثقافة أميركا التقليدية، وإنما هما في الحقيقة جزء جوهري من التقاليد الأميركية. \r\n \r\n لكن هنتنجتون رأي في فئة من الصفوة نوعاً من الاحتقار لفكرة أن ثمار التسامح تحتاج جذوراً راسخة في تربة الثقافة والهوية المعنيتين. فهؤلاء المواطنون العالميون، كما وصفهم، يتشككون في أفكار السيادة ويحتقرون سلطة التقاليد. ولعل أوباما يحظى بالتوقير من جانب هذا الجمهور، لكنه في نفس الوقت يتحدث بطريقة مؤثرة عن التضامن الثقافي الأميركي. وحتى الآن نجد أن هذه اللغة التي يستخدمها أوباما لا تزال بليغة، وإن كانت مبتذلة إلى حد ما، لأن بعض خصائصها تلقى الضوء على حيرة أوباما نفسه بشأن سؤال الهوية الوطنية الشائك. \r\n \r\n جونا جولدبرج \r\n \r\n محلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست \r\n \r\n