\r\n \r\n \r\n وفي الحقيقة فقد انهمكت زوجتي في البحث المحموم في خزانة ملابسها قبل يومين، ثم جاءت لتقول لي إنها أضحت بحاجة لخزانة ملابس جديدة تتناسب والإحماء الشامل، أي أنها تريد ملابس جديدة خفيفة الوزن خفة ملابس الصيف، على أن تكون ألوانها غامقة كملابس الشتاء. لهذا وغيره من الأسباب، فلو كنت محرراً لمجلة \"تايم\" لما ترددت لحظة في اختيار عنوان فاقع أخضر اللون لصفحة الغلاف، ولكنت قد اخترت له الصياغة التالية: \"لون هذا العام\". ففي اعتقادي الشخصي أن أهم ما يجب فعله والتفكير والعيش فيه خلال العام الماضي كله، هو \"الخضرة\"، ولا شيء سواها. أعني بذلك التعبئة الشاملة لمواجهة التحديات البيئية وتحديات الطاقة التي نواجهها. وفيما نذكر فإن عبارة \"الخضرة\" هذه لم يكن لها موقع من الإعراب في قاموس الحياة اليومية الأميركية. فكثيراً ما حاصرها أعداؤها ووضعوها بعيداً في زاوية الحياة، بعد أن عيَّروها بالعديد من الألفاظ والمعاني السلبية من شاكلة: \"الليبرالية\"، \"التخنث\"، \"اللاوطنية\"، \"التفرنُس\"... وغيرها من المعاني. غير أن هذا كله قد تجاوزه الزمن الآن، إذ ساد الاعتقاد بضرورة التفكير والفعل والعيش والتصميم والاستثمار والتصنيع... بنهج الخضرة، في أوساط أعداد كبيرة مؤثرة من المواطنين، وكذلك بين المسؤولين وأصحاب العمل والاستثمار. بل أصبح هذا النهج في نظر هؤلاء، أكثر الأشياء وطنية مما يمكنهم القيام به في مجال تنافسهم الرأسمالي والجيوبوليتيكي على نحو صحي معافىً. ولذلك فقد أضحى اللون الأخضر، هو الأحمر والأبيض والأزرق الجديد، وهو الممثل لطيف هذه الألوان مجتمعة في آن. \r\n \r\n فكيف حدث لنا هذا التحول الدراماتيكي المفاجئ نحو اللون الأخضر؟ تكمن الإجابة في تضافر حزمة من العوامل والأسباب: إعصار \"كاترينا\"، التحرك القيادي لآل جور، تنامي الوعي العام بتمويل سياراتنا المستهلكة للوقود لأنشطة الإرهابيين المعادية لبلادنا، وكذلك للأنظمة المارقة ولموجة التطرف التي نحاربها، ثم يضاف إلى ذلك تنامي الأرباح الطائلة التي تحققها بعض شركاتنا، مثل \"جي إي\" و\"دو بونت\"، نتيجة لاتجاهها نحو الخضرة، فضلاً عن تفتق \"البنتاجون\" نفسها عن كوكبة من الصقور الخضر الجدد، شديدي الاهتمام والولع بخفض استهلاك قواتنا للوقود. وعلى حد قول \"ستان جرينبرج\"، الديمقراطي الخبير في مجال استطلاعات الرأي العام، فإن بث إعلان تجاري ذي صلة بالتحول نحو مصادر الطاقة البديلة، لم يعد أمراً يخص النخبة الأميركية بعد الآن. ثم جاءت أسواق \"وول مارت\" لتنضم إلى ركب الخضرة مؤخراً، سعياً منها لتحسين صورتها التسويقية، بصفتها أكبر سوق للتجزئة على نطاق العالم كله. وإنه لمن الجيد أن يتوصل هذا العملاق التجاري أخيراً إلى أن السبيل لجني أرباح أكبر ولتقديم أفضل خدمة تسويقية للعملاء، هو التحول نحو الخضرة وتبني معايير الكفاءة في استخدام الطاقة. يذكر أن \"وول مارت\" قد افتتحت محلين تجاريين أخضرين جديدين، في خطوة تجريبية منها، تعرض فيهما مواد البناء البديلة، وكذلك الإضاءة البديلة، ونظم وتصميمات الطاقة البديلة، على أن يجري تعميم أفضل النتائج التي يحرزها هذان المتجران على كافة أفرع \"وول مارت\" المنتشرة على نطاق العالم. \r\n \r\n إلى ذلك فقد شرعت الشركات الأخرى في إرسال فرقها وأطقمها لدراسة تجربة الخضرة التي تجريها أسواق \"وول مارت\"، بينما تزداد أسئلة العملاء واستفساراتهم الموجهة للمديرين حول مدى إمكانية تبنيهم واستخدامهم لهذه التقنيات الخضراء الجديدة في بيوتهم ومكاتبهم. ضمن ذلك وفي سياقه، فقد حدثني \"برينت آلين\"، مدير أحد المتجرين المشار إليهما آنفاً بقوله لي أثناء زيارتي لهما بقوله: \"ما أن بدأ الزبائن يتساءلون: هل يمكنني شراء هذه... وكيف لي أن أستخدمها؟ حتى بدأنا ندرك على الفور أن هذه التجربة المصغرة التي أطلقناها، ليست صغيرة كما اعتقدنا، وأن في وسعها أن تنمو وتزدهر لتصبح شيئاً عملاقاً وكبيراً بحق\"! ثم مضى \"برينت\" ليستطرد في الحديث قائلاً: هيا يا صاحِ... فكلما باعت وول مارت مزيداً من لمبات الإضاءة الاقتصادية، كلما حفزت ميل الجمهور نحو الابتكار والتقنيات الجديدة، وكلما ارتفعت مبيعاتها وأرباحها. ولك أن تقيس على هذا بقية الابتكارات الخضراء الجديدة المعروضة. وما من شيء يمكن إنجازه في العالم كله، دون الوصول إلى المقياس وبلوغ القمم بالطبع. \r\n \r\n لكن وفي الوقت الذي يزداد فيه ترحيبنا واهتمامنا بالتحول نحو الخضرة هنا مؤخراً، فإنه لابد من الاعتراف بأن خطر التغير المناخي، وما يرتبط به من تهديد جدي بانقراض مزيد من الكائنات الحية، آخذ هو الآخر في التنامي السريع. ولذلك لم يتبقَّ لنا وقت لإضاعته في مزيد من الفرجة والوقوف السلبي إزاء الكارثة. وكما قال العالم البيئي \"روب واتسون\"، فإن الناس يرون كائناً حياً يتعرض للانقراض كل يوم، متى ما ألقوا بنظرة إلى وجوههم في المرآة... فالأمر لم يعد قاصراً على الحيتان البحرية العملاقة وحدها، كما ساد الاعتقاد، بل أصبح خطر الانقراض يطال البشر أنفسهم، أكثر من أي وقت مضى. \r\n \r\n توماس فريدمان \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n