\r\n \r\n \r\n بقي أن نقول إن تقرير \"لجنة بيكر- هاملتون\"، لا يعبر عن هذا النهج ولا يسد حاجتنا إليه. ويجب أن يكون هدفنا وراء بلورة هذا النهج، سحب عدد كبير من قواتنا خلال الستة والثلاثين شهراً المقبلة، على أن نخلف وراء هذا الانسحاب، حكومة عراقية تمارس سيادتها وسلطاتها الوطنية في دولة تتسم بالسلم والاستقرار، ولا تمثل مهدداً أمنياً لجيرانها ولا تسعى لتطوير أسلحة الدمار الشامل أو حيازتها مطلقاً. \r\n \r\n وإن لنا إلهاماً لا يقدر بثمن في بسالة وحرفية قواتنا المسلحة. وكما نعلم فقد سقط بين جنود \"الجيش\" و\"المارينز\" و\"القوات الخاصة\"، نحواً من 25 ألفاً بين قتيل وجريح، مع تعرض آلاف منهم لإعاقات مستديمة، أثناء خوضهم لحرب ال400 مليار دولار هذه. \r\n \r\n ومع ذلك فإن الوضع العراقي جد خطير وآخذ بالتدهور نحو الأسوأ. وبالنتيجة يسقط شهرياً آلاف العراقيين بسبب الهجمات، بينما يتم تشريد وتهجير مئات الآلاف منهم من بيوتهم وديارهم. وبين هذا وذاك تتسم حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بالعجز في أدائها. أما حلفاؤنا، فها نحن نراهم يتنصلون ويتخلون عنا، الواحد تلو الآخر. وها هي بريطانيا توشك على الابتعاد عنا، رغم كونها حليفنا الأقوى والأكثر ثباتاً في هذه الحرب. وفي غضون ذلك تحولت بغداد إلى ساحة رئيسية للمعارك، مع العلم بأن القتال لا يقتصر الآن على من تحركهم الدوافع السياسية لإشعال نيران الحرب الأهلية فحسب، وإنما تدخل فيه أطراف ضالعة في تفشي الجريمة والعنف. وبسبب كل ذلك، ليس مستغرباً أن يتنبأ بعض العرب والمسلمين، بانسحاب استراتيجي وهزيمة ماحقة لأميركا في هذه الحرب. \r\n \r\n وفي وسعنا الانسحاب التام والفوري خلال ستة أشهر فحسب. كما تستطيع قواتنا، والبالغ عددها 150 ألف جندي، القتال وشق طريقها عبر خطوط الانسحاب الاستراتيجي باتجاه البحر مستفيدة من التغطية الدفاعية التي يوفرها لها سلاح البحرية. لكن يتوقع للحرب الأهلية الطاحنة التي ستعقب هذا الانسحاب، أن تحول العراق إلى دولة كارثية منكوبة، ولا يستبعد أن تدخل حلبتها كل من سوريا وإيران. وبالقدر نفسه يتوقع لها أن تزعزع استقرار الدول الإقليمية المجاورة الحليفة لنا في المنطقة. \r\n \r\n غير أن هناك خياراً أفضل من هذا. فأولاً علينا أن نتعهد بتوفير 10 مليارات دولار سنوياً، كدعم اقتصادي منا للعراقيين، خلال السنوات الخمس المقبلة. وفي الجانب العسكري، من واجبنا المساعدة في زيادة عدد قوات الجيش العراقي وتسليحه ومده بالعتاد العسكري اللازم، خلال العامين المقبلين. والفكرة هي أن نسهم في بناء قوة عسكرية قوامها 250 ألف جندي، يتم تدريبهم وتأهيلهم على النحو اللائق الذي يمكنهم من القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم إزاء حفظ الأمن والنظام الداخليين. \r\n \r\n ثم إن علينا أن نبدأ بسحب وخفض قواتنا خلال الإثني عشر شهراً الأولى المقبلة، بحيث تخفض الألوية القتالية الخمسة عشر المرابطة الآن هناك، والتي يضم كل واحد منها 5000 جندي، إلى 10 ألوية فحسب، على أن يتبع ذلك خفض إضافي للقوات التابعة للقيادة المركزية، بحيث تخلي هذه القوات المدن والمراكز الحضرية، وتتجه إلى القواعد الأميركية المعزولة والمحصنة خلال الاثني عشر شهراً التي تلي العام الأول. وسيكون في وسع قواتنا الإشراف على الوضع والتدخل متى ما طلب منها ذلك، انطلاقاً من قواعدها المعزولة المحصنة. والمقصود بهذا التدخل، شن العمليات لإنقاذ جنودنا المشاركين في مهام تدريب القوات العراقية، وحماية المدنيين من هجمات وأعمال العنف التي تستهدفهم، فضلاً عن حماية الحكومة العراقية الشرعية القائمة. \r\n \r\n وبذلك أصل إلى النقطة الأخيرة والختامية من نقاط هذا الخيار البديل بالقول إنه يتعين علينا التخطيط وتهيئة الظروف لإدارة حوار إقليمي بناء، شريطة أن يقود زمامه العراقيون أنفسهم، وأن يدعوا دول الجوار وفصائلهم الداخلية المتناحرة للمشاركة فيه على حد سواء. \r\n \r\n وقد حان الوقت لأن نعترف بأننا في مواجهة ظرف دقيق مُعقد، فرضته علينا استراتيجية دونالد رامسفيلد وسوء إدارة فريقه وإعداده للحرب، بكل ما كشفت عنه الأيام من عدم أهلية ذلك الفريق وصلفه وإنكاره للواقع على الأرض. ففي كلمة وداع له ألقاها مؤخراً في وزارة الدفاع، انهال رامسفيلد بسياط نقده على الصحافة واصفاً إياها بالانحياز والميل إلى نشر الأخبار السلبية فحسب، مقابل تجاهل حقيقة السلام الذي يعم ربوع العراق، كما رآه حقاً من متن طائرة الهليكوبتر التي حلقت به قريباً في سماء العراق! فهذا هو رامسفيلد يواصل تعاميه عن الواقع وإنكاره لحقائقه حتى اللحظة الأخيرة. ويعد هذا النهج الأعمى، هو المسؤول الأول عما آلت إليه حربه على العراق. وربما أخفى عنه الشعور بالأمان الذي وفرته له طائرة الهليكوبتر، هدير الانفجارات ولعلعة البنادق والرصاص، وأعمى بصيرته عن رؤية المئات من جنود \"المارينز\" وهم يُقتلون في شوارع بغداد وأزقتها، ولم يرَ كل تلك الفوضى العارمة وحمامات الدم الناشئة عن العنف الطائفي المتبادل! \r\n \r\n \r\n باري آر. مكافري \r\n \r\n جنرال متقاعد وأستاذ الشؤون الدولية بجامعة ويست بوينت \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n