\r\n «من الواضح دوماً أن الحلول الوسط متعددة الأطراف والاتفاق حول التوصل إليها أو تبريرها يصطدم بجدال سياسي أميركي وخطب وقيود أميركية كثيرة من دون أن تظهر فيه إلا نتائج قليلة في النهاية. ومن المعروف أن الأممالمتحدة جرى تصميمها من خلال الولاياتالمتحدة بطريقة جعلتها مؤسسة أو ابتكاراً مختلفاً جداً عن الولاياتالمتحدة نفسها. فقد ظهرت الأممالمتحدة بصفتها دواء للفشل الذي أصاب عصبة الأمم رغم أنها لم تحقق دور الدواء الشافي في النهاية. ففي قلب الأممالمتحدة تعين أن تفرض الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية مفهومها في حماية الأمن الجماعي وفي الجهود العملية لتعزيز القيم العالمية مثل حقوق الإنسان والديموقراطية. وبالاستناد إلى هذه المفاهيم، لم يتمكن أي رئيس أميركي باستثناء هاري ترومان كزعيم لقوة عظمى من فرض بلاده كقوة عظمى كانت الأكبر في عام 1946 أكثر مما هي القوة العظمى الوحيدة في هذه الفترة من عام 2006. ففي عهد ترومان تمكنت الولاياتالمتحدة من خلال الأممالمتحدة من إدارة مسائل تتعلق بالأمن والنمو العالميين مستخدمة شبكة الأممالمتحدة بشكل متوازن وفعال. وإذا كانت معادلة (خذ وأعط) قد سادت على مستوى الصفقات متعددة الأطراف إلا أن الموقف الأميركي لم يلجأ إلى التخفيف من حدته وهذا ما كان يزيد من خلق عرقلة في دعم واشنطن لموقف دولي مشترك. وفي كانون أول/ ديسمبر من هذا العام (2006) ستنتهي فترة ولاية عشر سنوات عمل فيها كوفي أنان أميناً عاماً الذي يعتبر رغم الجدل الدائر حوله أفضل أمين عام تسلم هذا المنصب في الأممالمتحدة. وعلى الرغم من هذه الصفة إلا أن النجاح الذي حققه في تعزيز شرعة حقوق الإنسان وفي خلق مكانة جديدة للمجتمع المدني ونشاطات الأممالمتحدة تعرض إلى انتقاد وهجمات إعلامية من الأطراف والمجموعات المعادية للأمم المتحدة. \r\n \r\n السلام الفعال وتكاليفه \r\n \r\n قبل عشر سنوات ظهر نوع من حالة السبات على النشاط المتعلق بقوات حفظ السلام خصوصاً في أعقاب الأخطاء المأسوية التي وقعت في راوندا والصومال ويوغوسلافيا. وفي الوقت الراهن تقوم الأممالمتحدة بالإشراف على 18 عملية حفظ سلام في مختلف أرجاء العالم وتكلف هذه العمليات ووجود قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام مبالغ مالية لا تقارن بما تكلفه العمليات التي تقودها الولاياتالمتحدة لوحدها. فالولاياتالمتحدة تدفع 25% من نفقات قوات حفظ السلام، أي مبلغ مليار دولار فقط لهذا العام 2006. ويعتبر الجميع أن قوات حفظ السلام تمكنت ولا تزال من حفظ السلام في المناطق التي تعمل فيها رغم حاجتها لأسلحة ثقيلة وهي تصون الوضع السلمي حين يجري التوصل إليه بفاعلية تزيد كثيراً عن العمليات العسكرية التي تقوم بها الولاياتالمتحدة. ولا شك أن مبدأ استخدام قوات حفظ السلام يصبح فعالاً حين تتشارك الدول نفقاتها بطريقة لا ترتبط بمفهوم تجاري وهذا ما ينطبق أيضاً على ميادين النشاط الأخرى التي تتولى الأممالمتحدة تنفيذها وتتحمل المسؤولية عنها. لكن المشكلة أن الكثيرين من صناع القرار السياسي الأميركي وقادة الرأي في واشنطن لا يؤمنون بهذا الدور الذي تقوم به الأممالمتحدة أو يقللون من شأنه إلى حدود غير معقولة. ويبدو أن الاعتراف الأميركي بضرورة الاعتماد على المؤسسات الدولية لا أحد يحبذه في العمل السياسي الأميركي داخل الولاياتالمتحدة وبين أروقة السياسة فيها. لكن هذا لن يمنع بشكل محتم أن تصل الولاياتالمتحدة إلى الحقيقة، فمع زيادة التحديات التي يواجهها العالم تصبح قدرة الأممالمتحدة على الرد على هذه التحديات ضعيفة جداً إذا لم تكن الولاياتالمتحدة تتولى دوراً قيادياً في الأممالمتحدة. وإذا أردنا التحدث بشكل أوسع يمكن القول إن الأميركيين يعربون عن شكواهم من البيروقراطية السائدة في الأممالمتحدة، ومن الضعف في اتخاذ القرار، ومن عدم وجود هياكل إدارية حديثة يمكن الاعتماد عليها، ومن الانقسامات السياسية في الجمعية العامة. وأنا أرى في إجابتي على هذه الشكاوى أن الولاياتالمتحدة هي المذنبة في جميع فقرات لائحة الاتهام هذه. فالولاياتالمتحدة لم تلتزم وتتمسك بأمنيتها التي اعترفت بها في أن تخلق منظمة أمم متحدة قوية وفعالة بطريقة منهجية ونظامية. ولا ننسى أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت إضافة لآخرين لعبت دوراً قيادياً غير عادي في ترتيب علاقات جيدة بين الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة. لكن التزام الولاياتالمتحدة بدأ يميل بنظر بقية دول العالم إلى الانحسار تجاه الأممالمتحدة بدلاً من أن يزداد اعتماداً عليها. ولا شك أن مسألة الاختلاف والنزاع الكبير على موضوع العراق واستخدام الولاياتالمتحدة للعصا الاقتصادية والتلويح بها تسببا في إنهاء الزواج غير السعيد بين الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة. وبما أنني كنت ممن يتعاملون مع واشنطن يومياً أثناء عملي في الأممالمتحدة فأنا أعرف جيداً أنه لم يكن من العدالة تضييع جهود حقيقية بذلها ثلاثة وزراء خارجية أميركية كنت قد تعاملت معهم من أجل تعزيز دور الأممالمتحدة والعلاقة معها وهم أولبرايت، وباول وكوندوليزا رايس. وبعد تجربة العراق أصبحنا اليوم نجد أن الولاياتالمتحدة تتعامل بشكل بناء مع الأممالمتحدة في عدد من القضايا والميادين الكبيرة سواء في لبنان وأفغانستان أو سورية وإيران والقضية الفلسطينية. لكن أحداً لا يعرف أو يفهم بشكل ما ما الذي يجعل الخطاب العام الذي يصل إلى قلب الولاياتالمتحدة يتحدث عن الحط من قدرة الأممالمتحدة. ويبدو أن دفع المسائل إلى درجة التفاقم والمبالغة أصبح مفهوماً يتسع اللجوء إليه حتى بين الكثيرين من حلفاء الولاياتالمتحدة الذين يميلون معها تجاه اتخاذ مواقف الحد الأقصى عندما تتوفر إمكانية إيجاد أساس وسط في حل المسائل. \r\n \r\n تحولات ضرورية \r\n \r\n إن التجديد الحيوي للأمم المتحدة وتحديث مهماتها ودورها وطريقة أدائها وإدارتها وكذلك تجديد وسائل هذه الإدارة لا أحد يتطرق إليه إلا بشكل متقطع ولا يجري العمل على تحقيقه إلا بشكل متقطع. فحين تتولى واشنطن قيادة الدفاع أو عرض المسائل الصحيحة والمحقة مثل مسألة الإصلاح الإداري في الأممالمتحدة فهي غالباً ما تثير الشكوك بين الفرقاء والمعنيين أكثر مما تدفع إلى التأييد. وفي كانون أول/ ديسمبر عام 2005 أصرت الولاياتالمتحدة على فرض ميزانية للأمم المتحدة مدتها ستة أشهر فقط بدلاً من سنتين كما كانت العادة دوماً وأصبحت هذه الميزانية صالحة حتى 30 حزيران/ يونيو الجاري 2006. والآن أصبحت الدول النامية والدول المتطورة الغنية على خلاف مع الولاياتالمتحدة حول مدى فعالية الإصلاح ومدى الاقتراب من تنفيذ برامجه وعلى خلاف أيضاً حول الارتباط بين الميزانية وبرامج الإصلاح. وأنا أرى أنه إذا لم نتفق منذ الآن فسوف نواجه أزمة مالية في ميزانية الأممالمتحدة قريباً جداً. وإذا كانت الأممالمتحدة قد شهدت عدداً مهماً من الإصلاحات في الأشهر الثمانية عشر الماضية، إلا أن هذا لم يعد يكفي فما تزال تنتصب أمامنا مواضيع جدول العمل الإصلاحي في الإدارة وهو ما تعتبره الولاياتالمتحدة في مقدمة مطالبها لإصلاح الأممالمتحدة. فالولاياتالمتحدة تقول إن الأنظمة والإجراءات التي وضعتها دول العالم للأمم المتحدة قبل ستين عاماً كان هدفها خلق منظمة تكرس نفسها لإدارة المؤتمرات الدولية وكتابة التقارير وهذا الأمر لم يعد يتناسب مع العمليات التي تتولى الأممالمتحدة إدارتها وتنفيذها وتنفق بموجبها مليارات عدة من الدولارات على قوات وبعثات حفظ السلام والإغاثة في كل أنحاء العالم. ومن الصحيح القول بأن علينا تلبية متطلبات الفجوة المكثفة القائمة بين حجم المسائل العالمية وبين الحجم المحدود للمؤسسات الدولية التي أنشأناها لتحقيق هذا الغرض. وظهر في أيامنا الراهنة أن اقتراحات معتدلة نسبياً ولا تثير الاختلاف في أي منظمة من هذا الطراز مثل الاقتراحات الداعية إلى إعطاء المزيد من الصلاحيات والمرونة للأمين العام للأمم المتحدة من أجل تحويل المهمات والمصادر إلى الأولويات التنظيمية غالباً ما تستلزم مصادقة مباشرة من الدول الأعضاء، وتعترض عليها الدول السبع الكبار وكذلك المجموعة الأساسية من كتلة الدول النامية.. ويعتبر الكثيرون أن توسيع صلاحيات الأمين العام وإعطاءه مرونة زائدة سيؤدي إلى إضعاف المحاسبة والمسؤولية في قضايا ومشاكل كثيرة. لكن هذه المواقف لا تعود أسبابها إلى عدم رغبة الدول النامية بإصلاح الأممالمتحدة وليس هناك في الحقيقة سوى عدد قليل من الذين يعارضون الإصلاح لأنه إصلاح. ولا شك أيضاً بوجود بعض الدول التي تحاول احتكار عملية الإصلاح ودفعها بطريقة ومضمون يخدم أغراضها حتى لو كانت نتائج الإصلاح مدمرة. ومع ذلك يمكن القول إن الغالبية العظمى من الناحية العملية تؤيد مبدأ تحقيق إدارة أفضل لمنظمة الأممالمتحدة وتحويلها إلى أداة أكثر فعالية وقدرة. وتدرك غالبية الدول أيضاً أنها ستكون أول المستفيدين من السلام والإنماء حين يتحقق الإصلاح في الأممالمتحدة. لكن هذا الاعتقاد يطرح سؤالاً مهماً هو: إذن لماذا لم نتمكن حتى الآن من عزل الدول المتشددة وتأسيس تحالف قوي مع الدول الراغبة عن صدق بالإصلاحات لدفع جدول عمل الإصلاح في الأممالمتحدة؟ يبدو أن هناك مفهوماً يسود بين عدد من الدول المعتدلة بأن كل ما تؤيده الولاياتالمتحدة وتدعمه من برامج للأمم المتحدة له جدول عمل سري لا يحقق إلا أهداف الولاياتالمتحدة ولذلك تفضل هذه الدول وهي كثيرة معارضة ما تؤيده واشنطن من دون أي نقاش حقيقي أو عقلاني. \r\n \r\n التحديات العالمية الجديدة \r\n \r\n من الملاحظ أن الولاياتالمتحدة تواجه على غرار كل دولة في العالم مشاكل تمثل تحدياً أمام الحلول الوطنية مثل: مشكلة تغير المناخ، والسياحة، والانتشار النووي والهجرة وإدارة الاقتصاد على المستوى العالمي وتدويل مجابهة المخدرات والجريمة المنظمة وانتشار مرض الإيدز وإنفلونزا الطيور. ولا شك أن تحديات الأمن القومي في يومنا الحاضر تفرض مزيداً من أشكال المواجهة والتخلي عن التصورات القديمة للسيادة القومية. فمشكلة الأمن أصبحت عولمية ولم يعد بمقدور أي دولة تجاهل المؤسسات العالمية والاحتياج إليها من أجل مواجهتها. إعادة بناء الأممالمتحدة وهياكلها لقد اقترح كوفي أنان إعادة تشكيل بنية الأممالمتحدة على نحو يلبي مستلزمات مواجهة التحديات الجديدة على أسس ثلاث هي: الإنماء، والأمن، وحقوق الإنسان. وتتفق هذه الاقتراحات مع برامج إصلاح الأممالمتحدة. ولكي تتحول هذه الاقتراحات إلى برنامج عمل مجسد لا بد من نيل تأييد ودعم الولاياتالمتحدة لجدول عملها، ولا بد لقادة الولاياتالمتحدة من إعطاء اهتمام مرة ثانية للأمم المتحدة. فعندما نتحدث على سبيل المثال عن تحقيق نتائج كبيرة إيجابية في ميدان التربية والتعليم فهذا لا يعني مجرد الإعلان عن تأييد ما تقوم به وزارة التعليم الأميركية. فالمسألة هنا سياسية وتبدأ برجال السياسة الأميركيين الذين يتعين عليهم التأكيد بأن واشنطن سوف تشارك مع بقية دول العالم في الجهود المطلوبة للتغلب على موضوع تغير المناخ، والفقر والهجرة والإرهاب. فالوقوف إلى جانب جدول عمل كهذا بشكل مستمر سيتيح للأمم المتحدة أن تقوم بأعباء مهمة وتمتلك وسائل حيوية في إنجاز أهدافها. ودعوني أختتم هذا المقال بعبارات قليلة للتأكيد بأن الولاياتالمتحدة بحاجة ماسة للأمم المتحدة كوسيلة متعددة الأطراف يمكن استخدامها بنجاح في إزالة ما يقلق السودان من مخاوف في موضوع دارفور، والولاياتالمتحدة بحاجة إلى الأممالمتحدة لضمان وجود تنوع في قوات حفظ السلام وفي إعطاء صفة الشرعية الدولية لكل إجراء دولي يعزز السلام والأمن. وفي المقابل، لا بد من التأكيد على أن الأممالمتحدة بحاجة إلى أول شريك لها وهو الولاياتالمتحدة ودعوني أستشهد بما قاله فرانكلين روزفلت بعد الحرب العالمية الثانية وتأكيده على حاجة الأممالمتحدةلواشنطن وحاجة واشنطن لها. فالساسة الأميركيون يأتون ويمضون وتبقى صلات الطرفين قائمة وضرورية لمصلحة الأمن القومي الأميركي والأمن العالمي على السواء». \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n