وكما حدث سابقاً في كثير من الأحيان ستتكسر تلك الآمال على نحو قاس. وعندما ينقشع غبار الانسحاب "الاسرائيلي" عن غزة في خاتمة المطاف، ستظهر الحقيقة العارية وهي انه على الرغم من ان غزة ربما عادت للفلسطينيين إلا ان الضفة الغربية لن تكون التالية. وعلى الرغم من ان الجنود "الاسرائيليين" أخلوا أربع مستوطنات معزولة في الضفة الغربية خلال الاسبوع الماضي، لن تتخلى "اسرائيل" عن المستوطنات الأكثر أهمية والأكبر مساحة في الضفة الغربية. وفي الحقيقة ان "اسرائيل" ستزيد على الأرجح عدد المستوطنين في مستوطنات بعينها. وفي الاسبوع الماضي، وعد رئيس الوزراء ارييل شارون بتوسيع المستوطنات اليهودية في مناطق أخرى من الضفة الغربية. \r\n \r\n وكما يتعلق الصراع بين "اسرائيل" وفلسطين بالدين والأرض، يتعلق أيضاً بالموارد ومن يسيطر عليها. ومن تلك الموارد الأساسية المياه. ويبقى موضوع المياه جزءاً مركزياً في الصراع. ويقول الدكتور مهدي عبدالهادي رئيس الجمعية الأكاديمية الفلسطينية لدراسة الشؤون الدولية "باسيا" "ان المياه كانت موضوعاً أساسياً في المفاوضات الفلسطينية "الاسرائيلية" منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ولكن لم يتم حتى تاريخه إلا تحقيق القليل من التقدم سواء على المسار الثنائي او المتعدد الأطراف". \r\n \r\n وهناك سبب بسيط يجعل شارون لا يتخلى عن الضفة الغربية وهو ان حوالي ثلث مياه "اسرائيل" تأتي من طبقات صخرية مائية تحت أراضي الضفة وتحرص "اسرائيل" منذ 1967 على السيطرة عليها. \r\n \r\n وتعني سيطرة "اسرائيل" على المياه الحق الأساسي للحصول على الماء يمثل صعوبة يومية بالنسبة لمئات الآلاف من الفلسطينيين ولا سيما خلال الصيف. وبينما يتمتع "الاسرائيليون" بتوافر المياه في الحنفيات يتعين على كثير من الفلسطينيين انتظار امدادات المياه بواسطة شاحنات تحمل صهاريج مياه لا يمكن الاعتماد عليها. وينتج عن هذا الواقع ان استهلاك الفرد الفلسطيني من المياه يعادل خُمس استهلاك الفرد "الاسرائيلي". \r\n \r\n ويدرك الفلسطينيون في غزة هذه الحقيقة جيداً. ففي عام 1967 أعلنت "اسرائيل" ان جميع موارد المياه ستكون مملوكة للدولة ويسيطر عليها الجيش. ومنعت "اسرائيل" سكان غزة العرب من حفر آبار جديدة دون تصريح. وتم كذلك تنظيم استهلاك الفلسطينيين من المياه بحصص مشددة مع اقتلاع الآلاف من أشجار الحمضيات. وفي الوقت ذاته، لم يكن المستوطنون "الاسرائيليون" في غزة يواجهون أي قيود على استهلاكهم المياه، علاوة على ان الفلسطينيين كانوا يدفعون أكثر بعشرين ضعفاً مما يدفعه المستوطنون اليهود، الأمر الذي زاد من الشعور بالاستياء وسط الفلسطينيين. \r\n \r\n وخلال السنوات القليلة الماضية عانى الفلسطينيون بسبب الجفاف الذي تعرضت له المنطقة وأصبحوا يعتمدون على امدادات المياه بواسطة شاحنات تحمل صهاريج المياه وهي وسيلة لا يمكن الاعتماد عليها. وفي بعض مناطق الضفة الغربية يزداد الوضع صعوبة. \r\n \r\n ويقول محمد حمامدة وهو المشرف على المياه في بلدية "يطا" بمنطقة الخليل ان "يطا" تعاني من "شح حاد في المياه". ويوضح ان لديه شاحنة واحدة مجهزة بصهريج مياه لامداد البلدة بالمياه وان هذا الوضع يجعل كل عائلة تحصل على المياه خلال اسبوع واحد كل أربعة شهور او مرة واحدة فقط خلال الصيف. \r\n \r\n ولا يعتبر الشرق الأوسط المنطقة الوحيدة التي تعاني من أزمة المياه. وبينما شاهد العالم الانسحاب من غزة، كان كثيرون في شرق أوروبا مشغولين بأزمة خاصة بهم. وتعاني منطقتا جنوب أوروبا وشمال افريقيا من أزمة جفاف حادة أيضاً، ولم تشهد أجزاء عديدة أي أمطار منذ أكثر من عام. ويعتبر الجفاف الذي تشهده اسبانيا الأسوأ من نوعه منذ ستين عاماً، وتم تسجيل درجات حرارة مرتفعة على نحو قياسي، ولحقت بالنشاط الزراعي والسياحي أضرار بالغة. \r\n \r\n وبالنسبة للفلسطينيين، سيجعل التغير المناخي صراعهم مع "اسرائيل" أكثر تفاقماً. وغني عن القول ان الحصول على الماء يمثل مصدر خلاف أساسياً بالفعل بين الجانبين. ومع ازدياد ندرة المياه سيؤجج هذا الأمر من النزاع القائم. ومن يسيطر على الوصول الى موارد المياه سيتحكم في القوة. \r\n \r\n وبالتالي، وفي حال استمرت "اسرائيل" في رفض حصول الفلسطينيين على الحق الانساني الأساسي بالحصول على ماء نظيف فإن السلام لن يتحقق. ولذلك، وكما نفذ شارون اجلاء المستوطنين من غزة، يجب عليه التفكير في الأمر العسير والمحظور وان يعطي الفلسطينيين حقوقاً متساوية في الوصول الى موارد المياه في المنطقة. وستكون تلك الخطوة نقطة تحول حقيقية نحو السلام. \r\n \r\n \r\n \r\n * كاتب مستقل ومتخصص في قضايا البيئة والصحة والعولمة ويشارك في تحرير موقع "سبن ووتش" لرصد التضليل الإعلامي \r\n