\r\n في الثاني من آذار الماضي اعلن شارون خطته احادية الجانب للانسحاب من قطاع غزة وازالة وتفكيك كل المستوطنات اليهودية المقامة في القطاع. ورغم ان هذه الخطة لم يبدأ العمل بتنفيذها بعد, الا ان كل المناقشات الجارية على الساحة الاسرائيلية حول المبررات الحقيقية والاسباب التي دفعت شارون لاعلان مثل هذه الخطة المثيرة للجدل والتي احدثت ازمة حقيقية داخل المجتمع الاسرائيلي وتسببت في تجزئة وتفتيت هذا المجتمع بين مؤيد ومعارض واثارت احاسيس وهواجس الرأي العام الاسرائيلي برمته واثارت في الوقت نفسه مجموعة من الاسئلة والتساؤلات. واولى هذه الاسئلة المطروحة بالطبع: هل يمكن ان يكون شارون جادا في طرح وتنفيذ هذه الخطة? الفلسطينيون من ناحيتهم لا يعتقدون ذلك, وكذلك العديد من نشطاء السلام الاسرائيليين يشككون بجدية مثل هذا الطرح من جانب شارون. اما المعارضون للخطة والذين ينتمون الى المعسكر الاسرائيلي اليميني فانهم يعتقدون ذلك. ويجري الحديث داخل اسرائيل عما يمكن وصفه بانتفاضة او تمرد ضد شارون حتى داخل حزبه, حزب الليكود, كما تتزايد المخاوف من وقوع حرب اهلية يمكن ان يكون المستوطنون المتشددون اليهود الشرارة التي ستؤدي الى انفجار تلك الحرب الاهلية, فهؤلاء المستوطنون المتطرفون يتحدثون الان وبصوت عال ومسموع وبنوع من الغرابة وبالعلن تارة والخفاء تارة اخرى عن عملية اغتيال لشارون وتنفيذ اعتداء ضده فهل يستطيع شارون في ظل مثل هذه الظروف تنفيذ خطة الانسحاب احادية الجانب من قطاع غزة? فالماضي القريب قد اوضح بان اي رئيس وزراء اسرائيلي - اذا كان يتمتع بالشجاعة - يستطيع تنفيذ كل خطة حتى ولو كانت تحظى بمعارضة قوية. واذا ما اراد تحقيق اية خطة من هذا القبيل فانه سيكون مطالبا بتوفير الدعم والتأييد من جانب اغلبية المواطنين الاسرائيليين وبأن يكون متأكدا من ضمان حصوله على هذا التأييد. وعليه بالتالي ان يحدد ويعدد اولئك الذين يساندونه ويدعونه وبالارقام. ويعلم شارون جيدا بأن معظم الناخبين داخل حزب الليكود الذي يتزعمه, يؤيدونه في توجهاته وسياساته هذه بعكس النشطاء الآخرين داخل الليكود. \r\n في شهر نيسان الماضي قال شارون في حديث لصحيفة »نيويورك تايمز« الامريكية »نحن لا نستطيع الصمود امام ضغوط المبادرة السعودية وامام مبادرة جنيف واية مبادرات مماثلة, بدون ان تكون لدينا مبادرة او خطة خاصة بنا«. واضاف يقول: » وانا الآن بين يدي خطة تحظى بتأييد غالبية الرأي العام الاسرائيلي والمجتمع الدولي ويمكن ان تكون بديلة لحظة السلام الرباعية المعروفة »بخارطة الطريق« التي لم تعد مؤهلة للوصول الى اهدافها. وعلى اسرائيل الا تخشى وعلى مدى فترة زمنية طويلة قادمة من طرح اية مبادرات سلام جديدة في المدى المنظور ورفض مثل هذه المبادرات بما في ذلك مبادرة الرئيس السوري بشار الاسد والتي عرض فيها استعداد بلاده لاستئناف مفاوضات السلام المجمدة مع اسرائيل. رئيس مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي دوف فايسغلاس ذهب الى ابعد من ذلك حين اعلن بالحرف الواحد: »نحن قمنا بالاعلان عن مبادرة الانسحاب من قطاع غزة من جانب واحد من اجل تجميد او حتى الغاء العملية السياسية في الشرق الاوسط. ومثل هذه الخطوة يستطيع المرء الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية«. \r\n ان عملية اخلاء قطاع غزة والانسحاب منه وازالة المستوطنات اليهودية المقامة فيه وتفكيكها يمكن تشبيهها ومقارنتها بالكتلة الحديدية الضخمة والثقل الذي يتم قذفه في البحر من على متن السفينة حتى تتمكن هذه السفينة من مواصلة سيرها وشق طريقها دون وجود اية عوائق اخرى. هذا التشبيه وهذه المقارنة جاءت على لسان رئيس الحكومة الاسرائيلية شارون. وهذا يعني ضمنا بان الاحتلال الاسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية سيظل قائما ومتواصلا. وهو يعني ايضا بان المستوطنات اليهودية القائمة يمكن توسيعها بحيث يتبقى للمواطنين الفلسطينيين نوع من السيادة المحدودة على مناطق محدودة جدا ايضا, وهو ما سعى شارون وخطط له, منذ توليه منصب رئاسة الحكومة قبل حوالي اربع سنوات. \r\n ان خطة شارون بشأن الانسحاب من قطاع غزة ليست خطة ثنائية وانما خطة احادية الجانب, وذلك لسبب وحيد وواضح وهو انه لا يريد التفاوض مع الفلسطينيين او حتى التنسيق معهم. وفي بداية هذا العام حقق شارون فوائدجمة من واء خطته احادية الجانب حيث حصل على التأييد العلني والرسمي الواضح من جانب الرئيس الامريكي جورج بوش وادارته بالرغم من كون هذه الخطة تندرج في اطار »خارطة الطريق« التي اقترحها بوش شخصيا بمشاركة الاطراف الثلاثة الدولية الاخرى والمتمثلة في روسيا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي, وتشكل بالتالي جزءا من خطة السلام الرباعية. ونقطة الخلاف الوحيدة التي لا زالت قائمة بين شارون وبوش تتمثل في مسألة ابعاد وطرد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات, بالرغم من ان الاثنين لم يتوانيا لحظة عن اظهار كراهيتهما لعرفات وعمل كل ما في وسعهما للحد من شعبيته وفرض العزلة الدولية عليه وابقائه رهن الاقامة الجبرية في مقر المقاطعة في رام الله, واسقاط الهالة الرئاسية عنه. واستغل الرئيس الامريكي بوش مناسبة القاء خطاب امام الجمعية العامة للامم المتحدة في 21 من شهر ايلول الماضي, لكي يشن هجوما عنيفا وغير متوقع على عرفات وعلى القيادة الفلسطينية. لكن الشيء غير المتوقع تمثل في تلك المواعظ والنصائح والارشادات التي وجهها للسياسات الاسرائيلية وللخطط الاسرائيلية على حد سواء. وبدون ان يلفظ كلمة واحدة بشأن خطة شارون الاحادية للانسحاب من قطاع غزة, تحدث الرئيس بوش فقط عن المستقبل وعن الوقت الذي سيعقب الانسحاب. وطالب بضرورة وقف اسرائيل لبناء واقامة اية مستوطنات يهودية جديدة وازالة المستوطنات غير الشرعية وغير القانونية فورا, واخيرا مطالبة اسرائيل بتشجيع الفلسطينيين على تشكيل واختيار قيادة فلسطينية بديلة لقيادة عرفات. ولعل ذلك هوالذي دفع بوش الى تصحيح وتوضيح التصريحات السابقة التي وردت على لسان وزير خارجيته كولن باول والتي قال فيها ان خطة الانسحاب الاسرائيلية تأتي خطوة في الطريق الصحيح لكنها ليست هدفا بحد ذاتها, وبعد تنفيذ هذه الخطة ينبغي على المرء مواصلة العمل وبذل الجهد في الضفة الغربية: »خطة بانتوستانية للفلسطينيين لا يمكن لامريكا ان تقبل بها ومثل هذه الخطة غير واردة على الاطلاق في اذهاننا«. ويبدو ان باول كان يقصد من وراء ذلك خطة شارون المطروحة والتي تمنح الفلسطينيين حوالي 40 بالمئة من مساحة الضفة الغربية وعلى شكل بؤر غير متصلة وغير مترابطة في نطاق سلطة حكم ذاتي محدودة تشكل في نهاية المطاف »دولة فلسطينية«. \r\n ملاحظات الرئيس الامريكي بوش امام الجمعية العامة للامم المتحدة تشكل تراجعا واضحا عن الاستراتيجية المتفق عليها من جانب بوش وشارون على حد سواء. ففي الثاني من الشهر القادم سينتخب الشعب الامريكي رئيسا جديدا لهم, واذا ما تم اعادة انتخاب بوش لفترة رئاسية ثانية فان السؤال يبقى ما اذا كان بوش سيواصل دعمه وتأييده الى شارون بدون اية شروط مسبقة وعن سابق اقتناع وضرورات سياسية?! ام ان بوش سيعمل بنصيحة وزير خارجيته باول بانتهاج سياسة جديدة ازاء اسرآئيل وازاء الصداع الاسرائيلي العربي?! لكن الاهم من ذلك بالنسبة لمعظم الاسرائيليين, يتمثل بالدرجة الاولى بالعديد من الاسئلة والقضايا المؤلمة المتعلقة بتنفيذ خطة الانسحاب الاحادية بكل ما يحيط بها ويرافقها من اخطار وتهديدات.0 \r\n »دي فيلت« الالمانية \r\n