يترتب على الانسحاب الدولي من أفغانستان في 2014 الفصل بين افغانستانوباكستان في السياسة والمقاربة الاستراتيجية الاميركيتين. ولا شك في ان أبرز المسائل المتعلقة بانسحاب الولاياتالمتحدة وقوات الناتو من أفغانستان هذا العام هو التغيير في الاستراتيجية الاميركية في جنوب آسيا. فمنذ 2009 بدأت واشنطن تنظر إلى العلاقة مع باكستان عبر منظار أو عدسة ما سمّته «أفباك» (افغانستان – باكستان). وبعد الانسحاب من أفغانستان سيتبدد هذا المصطلح مع الاستراتيجية المرافقة له. وفي 2009، انتهج الرئيس الاميركي اوباما سياسة أفباك من اجل خدمة المصالح الأميركية في المنطقة وتذليل المشكلة الافغانية والإقرار بدور باكستان الرئيس في محاربة «القاعدة» وخطرها. وسقط مصطلح أفباك في محركات البحث وعلى «تويتر»، وبدأ مصطلح جنوب آسيا يحل محله. ولم تحظ العلاقة المتوترة بين أفغانستانوباكستان باهتمام واسع في أوساط صناع القرار في باكستان. ويرى قادة البنجاب أن واشنطن تحاول وصم كل باكستان بمشكلات منطقة القبائل الباكستانية، أي بوصمة العنف المسلح. واستفادت باكستان من سياسة «افباك». وتدفقت على اسلام آباد مبالغ طائلة لزيادة قدرة الحكومة على القضاء على المسلحين في مناطق القبائل. ولكن ربط السياسة الاميركية مصير الدولتين (أفغانستانوباكستان) معاً غلّب كفة مصلحة أفغانستان على كفة جارتها الاكبر حجماً والأكثر نفوذاً، ونجم عنه خفض مستوى العلاقة السياسية والديبلوماسية بين واشنطنوباكستان، وقصر العلاقة بينهما على محاربة الإرهاب. وساهم هذا النهج الاميركي في توتير علاقات واشنطن بإسلام آباد، وفي تعميق الهوة بين باكستانوالهند. وفتور العلاقات الهندية - الباكستانية هي المسألة الأكثر خطورة في جنوب آسيا. لذا، حري بالسياسة الاميركية الجديدة أن تولي إسلام آباد الأهمية والأولوية. ولطالما سعت باكستان الى إقناع واشنطن بأهمية دورها وبأنها ليست جارة أفغانستان فحسب. ولكن على باكستان ان تكون حذرة في ما تسعى اليه وتتمناه. ففيما كانت القوات الدولية تخوض حرباً في أفغانستان، أرست الهند اقتصاداً قوياً. وإذا عاد صناع القرار في واشنطن عن سابق عهدهم في سياسة افباك، افتقرت إسلام آباد إلى دعم ديبلوماسي ومادي للوقوف أمام خصمها التقليدي. وإذا كان هناك امر تبغضه اسلام آباد فهو ازدراؤها لمصلحة الهند. واذا لم ينتهج الاميركيون سياسة حكيمة في جنوب آسيا، اندلع نزاع سياسي وديبلوماسي بين الهندوباكستان يبعث طيف التنافس النووي في المنطقة. وحري بواشنطن أن تجعل العلاقة مع الهندوباكستان مصدر الاستقرار في جنوب آسيا، أي ألا تذكي الخلاف بين دلهي وإسلام آباد وأن تشجع التكامل الاقتصادي بينهما وأن تساعد اسلام آباد في تذليل مشاكلها الداخلية وتعزيز استقرارها من طريق اعادة النظر في سياسة مكافحة الارهاب. وبليغ ما قاله ستيفن كوهين، كبير مستشاري معهد بروكينغز الاميركي: «الهند صديقة ولكنها ليست حليفة، وباكستان حليفة ولكنها ليست صديقة». وتمس الحاجة الى الحؤول دون تحول أفغانستان، إثر الانسحاب الدولي، ساحة حرب بالوكالة بين مؤيدي الهند ومؤيدي باكستان، وألا تنقلب واشنطن على باكستان. وخلاصة القول ان واشنطن مدعوة الى عدم الابتعاد من باكستان وإهمالها أو من المنطقة، بعد الانسحاب من أفغانستان وإنهاء سياسة افباك. نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية