هل من الممكن أن يعود الاقتصاد الأميركي والاقتصادات الرئيسية الأخرى إلى مرحلة التوظيف الكلي والنمو الاقتصادي دون الحاجة إلى سياسة دعم غير تقليدية؟ الحقيقة أنني شخصياً قد أثرتُ هذا التساؤل خلال محاضرة لي ألقيتها في مقر صندوق النقد الدولي، وهو تساؤل ينبني على عدد من الاعتبارات، أولاً أنه على رغم تدابير الإصلاح المالي التي اتخذت قبل أربع سنوات لم يواكب ذلك نمو اقتصادي مهم، اللهم إلا النمو الاقتصادي المترتب على الزيادة السكانية الطبيعية، والارتفاع العادي في الإنتاج، علماً بأنه قد حصل فقط في الولاياتالمتحدة ولم يمتد إلى باقي البلدان. ثانياً أن الفقاعات الاقتصادية وتخفيف معايير الإقراض التي هيمنت على العقد الماضي، ومعها المال السهل، لم يساهما سوى في نمو اقتصادي معتدل. ويرتبط الاعتبار الثالث بمعدل الفائدة التي ظلت طيلة الفترة السابقة منخفضة إلى حدود الصفر، ما يعني أنه لا يمكن الاعتماد كثيراً على السياسة النقدية لحفز الاستثمارات التي من شأنها أن تقود إلى التوظيف الكامل. رابعاً في ظل الوضع الاقتصادي الراهن من المرجح أن تؤدي الرواتب المتوسطة والأسعار غير المرتفعة إلى تأخير الإنفاق وبالتالي كبح النمو. أما الفكرة السائدة عند البعض من أن الأوضاع الاقتصادية سترجع في لحظة ما إلى حالتها الطبيعية، فذلك مجرد وهْم، وما علينا لنتأكد من المعطى الجديد المتميز بانخفاض هيكلي للنمو سوى النظر إلى اليابان التي كان يعتقد أنها ستخرج من أزمتها فقط لتكون النتيجة أقل من المتوقع، حيث سجل ناتجها المحلي الإجمالي رقماً أقل بثلثي ما كان ينتظره الخبراء. وإذا كان الخوف في الولاياتالمتحدة وخارجها من أن ندخل مرحلة من الركود الممتد تظل فيها معدلات النمو بطيئة ولا تواكب سوى الزيادة الطبيعية للسكان فذلك يعني وجود تداعيات في مجال السياسات الاقتصادية المتبعة. ولكن قبل التطرق إلى تلك السياسات من المهم الحديث عن مسألتين مرتبطتين بالركود المزمن، أو النمو البطيء، أولهما أن حالة التفاؤل بشأن تجاوز الركود لم تتحقق على أرض الواقع، فعلى رغم المؤشرات الأخيرة الإيجابية مثل صعود سوق الأسهم، وتوقف التراجع المالي، إلا أن ذلك لم يترجم عملياً إلى معدلات نمو مرتفعة، بل حتى لو قفز النمو مع قدوم السنة الجديدة فإن ذلك ليس ضماناً للاستمرار في النمو بمعدلات الفائدة العادية من دون تدخل الحكومة الفيدرالية، علماً بأن نسب النمو حسب التوقعات في أوروبا واليابان ستكون أقل من نظيرتها في أميركا. والأكثر من ذلك أن معدل التضخم سيظل دون المستوى المطلوب مع عدم وجود مؤشرات لارتفاعه، ما يعني نقصاً مزمناً في الطلب. أما المسألة الثانية فيما يتعلق بالركود فهي مرتبط بالسؤال التالي: لماذا إذن لا يرجع الاقتصاد إلى سابق عهده عندما تعالج تداعيات الأزمة المالية؟ ولماذا يصر على النمو البطيء؟ وهل هناك ما يبرر بقاء سعر الفائدة الحقيقي منخفضاً؟ والحقيقة أن هناك عدداً من الأسباب التي تكبح الإنفاق حتى في ظل انخفاض سعر الفائدة مثل انكماش القوة العاملة، وربما تراجع نمو الإنتاج، فضلاً عن انحسار الاستهلاك بسبب تركيز الثروة لدى الأغنياء والعوائد المرتفعة على الرأسمال. وتضاف إلى ذلك الأزمة المالية الأخيرة وما نتج عنها من ميل واضح نحو الادخار وتراجع الرغبة في الاستثمار. وهذا الواقع الاقتصادي الجديد يضعنا أمام بعض الأفكار غير التقليدية مثل تفضيل الفقاعات الاقتصادية باعتبارها أداة فعالة لتحفيز الطلب، وهي فكرة جديرة بالبحث، بل قد ترقى إلى مستوى التوصية في الوضع الحالي، فلابد من الاعتراف بأن إبقاء أسعار الفائدة منخفضة سيحفز الطلب والاستهلاك حتى لو أدى ذلك إلى مزيد من الفقاعات لأن هذه الأخيرة تظل في جميع الأحوال أفضل من الدخول في متوالية الركود الهيكلي. وزير الخزانة الأميركية السابق والمستشار الاقتصادي للرئيس أوباما في الفترة بين 2009 و2010 نوع المقال: مقالات أقتصادية الولاياتالمتحدة الامريكية