"الأسعار" .. قنبلة موقوتة، ولا ينبغي التعويل على طول بال المصريين وقدرتهم على الصبر والاحتمال؛ لأنه بمجرد انتهاء جرعة الصبر ستنفجر هذه القنبلة في وجه الجميع ودون أي سابق إنذار. واليوم وبعد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني أصاب عامة الشعب بغضب عارم حيث شهدت أسعار الخضراوات والفاكهة ارتفاعات غير مسبوقة خلال الأسبوعين الماضيين، وصلت في بعض السلع إلى نسبة 100٪. وقد هدد محمد أبوشادي، وزير التموين والتجارة الداخلية، بفرض تسعيرة جبرية على الخضراوات والفاكهة إذا لم تنخفض أسعارها. وطالب أبوشادي خلال اجتماعه بشعبة الفاكهة والخضراوات التابعة للاتحاد العام للغرف التجارية بمقر الوزارة، تجار الخضر والفاكهة والغرف التجارية بتقديم قائمة بأسعار التجزئة والجملة، حتى يمكن محاسبة ممثلي التجار، واتخاذ القرارات اللازمة لضبط الأسواق. كما طالب وزير التموين بتحديد موعد للقاء ممثلي البائعين، الأسبوع القادم، مهددا بأنه سيطبق التسعيرة الجبرية، إذا لم يلتزم التجار بخفض الأسعار التي ارتفعت دون مبررات لا تستند إلى التكلفة الحقيقية. وفي المقابل، رفض التجار اتهامهم بأنهم وراء ارتفاع الأسعار، أو أنهم يعطشون السوق بتقليل الانتاج، متهمين من يتحدث بذلك بأنه لا يفهم أصول التجارة، لأن الخضر والفاكهة سلع قصيرة الأجل ومن الصعب احتكارها أو تخزينها بهدف رفع السعر. ويؤكد عدد من الخبراء أن استقرار الأسعار يأتي كنوع من أنواع الاستقرار والسلام الاجتماعي، لافتين إلى أن زيادة الأسعار تأتي لتحرق الجميع. ويقول الدكتور محمد سيد أحمد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، حسبما نقلت عنه "الوطن"، إن ارتفاع الأسعار مرتبط دائماً بدور الدولة، لافتاً إلى أن الدولة خلال فترة الستينات، وفي عهد جمال عبدالناصر، كانت تعرف حينها بالدولة «الكفيلة»، التي كانت تكفل مواطنيها. ويضيف: الدولة الناصرية كان لها دور كبير في الاقتصاد الوطني، وكان هدف الدولة الأساسي، وقتها، حسم الأمور لمصلحة المواطن البسيط، فيما رفعت الدولة في 1974 في عهد أنور السادات، شعار «الانفتاح الاقتصادي» واتجهت للاقتصاد الرأسمالي، وبدأت تتخلى دولة السادات عن فكرة الدولة الكفيلة التي بدأها عبدالناصر، وأغلقت الدولة المجازر، مؤكداً أن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، في عهد السادات كان بمثابة شرارة انتفاضة 1977. يتابع: «عهد مبارك كان استكمالا لتخلي الدولة عن مسئوليتها تجاه مواطنيها، وإذا كان السادات بدأ بالتخلي عن المواطن الغلبان، فإن مبارك أكمل مسيرته، وتضاعفت الأسعار بشكل ضخم»، مضيفا: «كلما انسحب دور الدولة وتخلت عن مواطنيها، تنشأ الجماعات الخفية، وأكبر مثال على ذلك تنظيم الإخوان الذي وجد غطاءه السياسي والاجتماعي بسبب تخلي الدولة عن المواطنين»، وأكد أن تقرير البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة أعلن أن نسبة الفقر وصلت في عهد مبارك إلى 41%، منوهاً إلى أن هذا يشير إلى أن الدولة لم تحتضن مواطنيها بل ساعدت على إفقارهم. يقول المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي، إن هيمنة رأس المال وارتفاع الأسعار دائماً ما تأتي بثورات شعبية، لافتاً إلى أن ثورة يوليو 1952 فرضت الدعم على المنتجات، وأنهت سيطرة رأس المال في مجالات الإنتاج الزراعي والصناعي، مضيفا: «جمال عبدالناصر وقتها أعلن عن تبني مشاريع جديدة أسهمت في رفع مستوى الاقتصاد المصري»، واصفاً فترة حكم ناصر ب«عهد السلام الاجتماعي». يلفت الدسوقي النظر إلى أن مصر في عهد الرئيس الراحل أنور السادات دخلت مرحلة جديدة من الانفتاح والاقتصاد الحر، ورفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج، لافتاً إلى أنه في يناير 1977، أصدرت الحكومة المصرية قرارا برفع الدعم عن 25 سلعة استهلاكية ضرورية بشكل مفاجيء بناء على شروط صندوق النقد الدولي وقتها والانتفاضة استمرت لليوم التالي حتى جرى التراجع عن قرار رفع الأسعار. يقول الدسوقي: مصر في عهد المخلوع مبارك شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار، وبيعت شركات القطاع العام وجرت تصفيته، وفي نهاية الثمانينات وأول التسعينات رفع الدعم عن جميع مستلزمات الإنتاج حتى ارتفعت نفقات الإنتاج وبدأت السلع تطرح في الأسواق بأسعار مرتفعة. وتقول الدكتورة عاليا المهدي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الدولة بعد ثورة 1952 أممت المصانع والشركات وحددت الأسعار ودعمت الصناعات وعملت على رفع الكفاءة الاستهلاكية، لافتة إلى أنه في الفترة «1967- 1969» شهدت البلاد أزمات عديدة تمثلت في عدم توافر السلع، ولم تكن الحكومة وقتها تعتمد على الاستيراد من الخارج، فضلا عن أنه في أواخر فترة حكم جمال عبدالناصر فتح الباب أمام القطاع الخاص للاستيراد، وانتعش الاقتصاد رغم الأزمات التي لاحقت عبدالناصر بعد النكسة. وتضيف: الرئيس الراحل أنور السادات انتهج نفس نهج عبدالناصر ومنح القطاع الخاص الحق في الاستيراد من الخارج، لذلك شهدت فترة حكم السادات وفرة كبيرة لجميع السلع الاستهلاكية وجرى دعمها بالكامل، وما حدث في 1977 ما هو إلا انتفاضة شعبية استجاب لها السادات على الفور. وتابعت: بداية ظهور ارتفاع الأسعار بالشكل المبالغ فيه واختفاء بعضها ظهر بصورة كبيرة في عهد المخلوع مبارك، كما قلت السلع الاستهلاكية التي يجري توزيعها على البطاقات التموينية بشكل ملحوظ، حتى إن بعضها اختفى بشكل تدريجي.