مئات الآلاف من مسلمي إثيوبيا انتفضوا بالمساجد للمطالبة بإنهاء عصور التهميش ومحاكمة القائمين على التلفزيون الإثيوبي بعد عرضه فيلما يربط بين قادة المسلمين المعتقلين وبين التطرف والإرهاب وذكرت مؤسسات إثيوبية إسلامية أن الفيلم يمثل انتهاكا لحقوق المعتقلين من ممثلي مطالب المسلمين لدى الحكومة. وعلى الرغم من علمانية الدستور الإثيوبي في (البند رقم 11) إلا أن الدولة تصر على تشجيع مذهب الأحباش ليكون عقيدة للمسلمين فيها بدلاً من الإرث السني الشافعي للبلاد التي عرفت الإسلام قبل أن تعرفه المدينةالمنورة. والأحباش يدعون إلى تكفير الوهابية والسلفية، لذلك تلاقت أهواؤهم مع أهواء دولة إثيوبيا التي تخشى من فشو الوهابية وأنصار القاعدة بين مسلميها مما أملى عليها القيام بدور نشط في الصومال لقتال حركة الشباب، المتهمة بتبعية القاعدة، في إطار التنسيق مع الولاياتالمتحدة. ومن المثير للدهشة أن تتولى الطائفة تدريب الأئمة والخطباء دون غيرها في أديس أبابا وهرر وبهردار في أواخر 2011. فثارت ثائرة المسلمين على هذا التمذهب بالغصب ثورة كسرت حاجز الخوف الذي قام في إثيوبيا منذ قتلت الحكومة 200 متظاهر في 2005 احتجوا على انتخابات مزورة. وبدأت الاحتجاجات بتظاهرة طلاب معهد أولياء على المجلس الإسلامي لتغييرات أحدثها في منهجهم تحيز فيها لعقيدة الأحباش. ثم استردوا مسجداً ومدرسة أراد المجلس الإسلامي وضع يده عليها. وشمل الاحتجاج مسلمين بلغوا مئات الألوف. واستنوا جمعة التظاهرة على نهج الربيع العربي. فاقتحمت الشرطة جامع معهد أولياء في يوليو 2012 واعتقلت لجنة المقاومة بتهمة التطرف. فصار إطلاق سراحهم مادة أخرى للاحتجاج. فخرج مسلمو أديس أبابا بالآلاف يطالبون بإطلاق سراحهم. وصار الاحتجاج يتناسل عن احتجاج. فعم الاحتجاج على تعدي الشرطة على مصلين الجمعة خارج مسجد مدينة ديسي وحرك قطاعات أخرى من المسلمين في شمال البلاد وجنوبها. وأُغلقت ثلاث صحف إسلامية لجراءتها في التضامن مع المقاومة. ونضجت المقاومة ليصبح شاغلها هو الوضع الدستوري للمسلمين في بلاد غلبت عليها المسيحية في الحكم والاقتصاد لقرون طويلة: هم هم إثيوبيون فيبقون في إثيوبيا أم أنهم مسلمون وطنهم غيرها؟ يقول الباحث عبد الله علي إبراهيم أنه ما من شك في "أن تطفل زناوي على عقائد المسلمين وتحيزه للأحباش ردة عن مبدئه الفدرالي في فصل الدين عن الدولة، وجنوح الدولة للأحباش دون غيرهم من مذاهب الإسلام نصر للكنيسة، التي يسيطر طاقم منها على مفاصل الاقتصاد. القشة والبعير عصور التهميش والاضطهاد لم تبدأ مع أزمة الفيلم المسئ للإسلام ورموزه؛ بل سبقت ذلك بكثير، وتوجت احتجاجات الجمعة عامًا كاملا من التظاهرات الأسبوعية ضمن سلسلة التجمعات التي يقوم بها المسلمون لمطالبة الحكومة الإثيوبية بتوسيع الحريات الدينية واستخدام قوانين مكافحة ما يسمى "الإرهاب" للزج بالدعاة والشباب في غياهب السجون. وعمقت الدولة الحليفة للولايات المتحدة في حربها ضد «القاعدة» في الصومال من التخوفات المتزايدة بشأن حدوث توتر ديني في هذا البلد المتنوع دينياً والواقع في شرق القارة الأفريقية من خلال بث فيلم وثائقي وصفه البعض بأنه مستفز حول التطرف الإسلامي. وأعرب المسلمون الإثيوبيون عن غضبهم بسبب الفيلم الذين يقولون إنه يتجاهل على نحو يعكس سوء النية الفرقَ بين الاحتجاج السياسي الشرعي والعنف من خلال استعمال صور صادمة وقوية لإرهابيين ليست لهم أي علاقة بهم. وقد بث الفيلم، الذي يحمل عنوان «الحركة الجهادية»، على التلفزيون الرسمي خلال أوقات ذروة المشاهدة الأسبوع الماضي، وهو يربط محتجين مسلمين محليين يخضعون للمحاكمة حالياً بمجموعات قتالية مثل حركة «بوكوحرام» في نيجيريا و»الشباب» في الصومال، إضافة إلى مقاتلين إثيوبيين ليست لهم أي علاقة بهم. ويخضع حالياً 29 عضواً من حركة احتجاجية مسلمة وممثلين لمنظمتين خيريتين إسلاميتين للمحاكمة في أديس أبابا، حيث يواجهون تهم التخطيط للعنف بهدف تأسيس دولة إسلامية! وتجرى المحاكمة وراء أبواب مغلقة من أجل حماية نحو 200 شاهد، مثلما تقول الحكومة. وكان المتهَمون المسلمون قد أوقفوا في أغسطس الماضي بعد قرابة عام من الاحتجاجات غير العنيفة على ما يقولون إنه تدخل غير دستوري للدولة الإثيوبية في الشؤون الإسلامية. خريطة المسلمين حسب إحصائيات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، يشكل المسلمون ثلث سكان البلاد البالغ عددهم نحو 90 مليون نسمة في ثاني أكبر بلد من حيث عدد السكان في أفريقيا جنوب الصحراء، لكن ملايين المسلمين في مرتفعات إثيوبيا لم تشملهم الإحصاءات، مما يلقي بجبال من الشك والريبة حول مدى صحتها. ويمنح موقع إثيوبيا الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي -بجوار الصومال والسودان المضطربتين وبالقرب من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- أهمية في نظر الدول الغربية. ولذلك، تتلقى أديس أبابا نحو 3 مليارات دولار من المساعدات الاستراتيجية من مانحين مختلفين، وقد نظرت إليها واشنطن بعين الرضا عندما قامت قوات إثيوبية بمهاجمة مقاتلين في الصومال، كما تقدر قيام قواتها لحفظ السلام بدوريات في منطقة «أبيي» السودانية المتوترة. وفي المقابل، تسمح إثيوبيا للطائرات الأميركية بدون طيار التي تراقب الصومال بالإقلاع من مدينة أربا مينتش الإثيوبية الواقعة جنوب البلاد. والمسلمون الذين احتجوا (بشكل سلمي عموماً) لقرابة عام تتزعمهم لجنة تتألف من 17 رجلًا من «المدرسة الإسلامية الأساسية». ويقول الأشخاص الذين يحاكَمون حالياً إن الدولة تقود حملة قمع ضدهم، مضيفين أن الحكومة تخاف من ظهور تيار إسلامي جديد يُنظر إليه على أنه متشدد وتحاول إحكام سيطرتها على المجلس الوطني الإسلامي الرئيسي. يذكر أن المجموعة تطالب بالسماح للمسلمين بإدارة شؤونهم بأنفسهم وبالإفراج عن زعمائهم. ولكن المسؤولين الحكوميين يرون أن الحملة هي وسيلة للتمويه من قبل المتطرفين الذين يخططون لسيطرة إسلامية على البلاد. والفيلم يبدأ بصور للمقاتلين «الشباب» في الصومال ومشاهد مذبحة عقب هجمات نفذتها حركة «بوكوحرام» في نيجيريا. ثم ينتقل إلى حوارات مع مقاتلين مفترضين، ينتمي بعضهم إلى خلية تتكون من 15 إثيوبياً تم توقيفهم مؤخراً. ويظهر في الفيلم رجل يدعى «أمان أصيفا» وهو يقول للكاميرا إنهم خططوا لهجمات في إثيوبيا بعد أن دُربوا وسُلحوا من قبل «الشباب». وعلى نحو غير مفهوم، تعقب ذلك مقاطع من حوارات مع بعض الرجال ال29 الذين يخضعون للمحاكمة وخطابات لزعماء من «المدرسة الأساسية». وبعد ذلك، تظهر حوارات مع مواطنين إثيوبيين عاديين يقولون إن مطالبة المجموعة الإسلامية بمزيد من الاستقلالية الدينية زائفة لأن إثيوبيا تتمتع بحرية دينية كبيرة أصلًا. ولكن قدير محمد، وهو سائق سيارة أجرة، لا يخفي تشككه إذ يقول: «إن الأمر برمته مدبَّر من قبل الحكومة».