" أنا لاجيء من مخيم ..، وأصلي من ..".. بهذا الوصف يبدأ الفلسطيني اللاجيء تعريفه على نفسه أينما كان من مخيمات اللجوء التي أنشات إبان النكبة الفلسطينية قبل 67 عاما، ليصبح هذا رمزا لعدم نسيان البلد التي هجر منها أجدادهم، وآبائهم وحتى من تبقى منهم". "أنا من جمزو، اللد، قرية سلمة المهجرة، من صفد، من بلدة أبو شوشة المهجرة.."، وبهذا الوصف مع ذكر بعض المناطق يتحدث الفلسطيني عن أصله، حتى لو كان طفلاً، لم ير شيئاً منها، أو حتى يشم ريحها". وهذه روايات لمن تبقى من رجال ونساء فلسطينات عاشوا النكبة، وما زالوا يزرعون حب أوطانهم وبلداتهم وقراهم في أذهان أولادهم وأحفادهم، ويربونهم على معرفتة اسمها، وموقعها، والعائلات التي كانت فيها، ويسلموا ما تبقى من حاجياتهم التي استطاعوا ان يخرجوها معهم، ليتذكروا أرضهم، ويعودوا اليها وقت تحريرها". بلدنا كانت.. الحاج اسماعيل نوفل من يافا، يقول: "بلدنا كانت مثل العسل، وأما اليوم فحياتنا مثل الطين!، فقريتنا القريبة من يافا كانت مليئة ببيارات البرتقال، ورائحتها التي كانت تفوح في المكان، لا يمكن ان يتصورها أحد الا الذي عاشها". ويكمل الحاج: "لقد تشتت شمل عائلتنا، فاليوم لنا أقارب في عمان، وآخرين في غزة، وسوريا، ولبنان، وهناك عائلات أعرفها، الأشقاء توزعوا كل واحد منهم في دولة من الدول العربية، ومنهم من خرج الى بلاد الغرب". ورغم أن أعداداً منهم بقوا على قيد الحياة، إلا أن تشتتنا جعلنا لا نرى بعضنا لسنوات طويلة، حتى لو شاهدنا بعضنا في وقت ما، فابن عمي توفي ولم أره، وشقيقي توفي ولم أره، وكثير من أبناء جيلي الذين تعرفت على مخيماتهم بعد النكبة؛ سمعت انهم توفوا ولم أرى أحد منهم". وأنا اليوم أربي أولادي على حب الأرض، وعلى أسماء البلدات والقرى التي كانت حولها، وماذا سموها اليهود بعض احتلالها، لنعود ونسمي أرضنا كما كانت ونلغي اسمائهم التي سرقوها". سأعود إلى وطني تقول الحاجة آمنة والتي تعيش مخيم الدهيشة القريب من بيت لحم: "لقد خرجنا من بلادنا في العام 1948، وكنت وقتها طفلة صغيرة، كنت قد وضعت بعضاً من "الترمس" في وعاء لآكله، وعندما خرجنا، ومن هول الرحلة والمشهد، رميت "الترمس" لأنه بقي في يدي طوال الطريق ويبدو أنه أصبح غير صالح للأكل، حتى أنني نسيت أن آكله". وفي سؤال لها عما إذا أرادت بعد كل هذه السنين العودة إلى أرضها، تقول الحاجة آمنة: "إذا قدر لي أن أرجع فسأعود اليوم قبل الغد، وسأنام فوق التراب لأن منازلنا دمرت، وهدمت وخربت وأقاموا فوقها بناياتهم وشوارعهم، ومن يكره العودة ‘إلى وطنه؟، ونحن لو عدنا، ولو أكلنا تراب من وطننا فسنعيش". أما الحاج محمد من قرية" بير أماعين" المهجرة؛ والتي حولتها سلطات الاحتلال إلى مستعمرة "مودعين" والتي كان عدد سكنها 50 فردا، قبل عام 48، فيقول: "لقد عدت إلى بلدي ولم أعرف أين كان بيتنا، لأن البلد كلها قد تغيرت معالمها، وكان قبر أبي خلف بيتنا، وبحثت عنه ولم أجده رغم أن المنطقة لم يكن فيها بناء حديث". وقال: "حدث ذلك رغم أن مستعمرة "مودعين" من كبرى المدن في الداخل المحتل، وتوسعت حدودها كثيرا عن جدود قريتنا، إلا انهم سرقوا الإسم وحرفوه، ومهما حصل، فان هذه الأرض في نظري ونظر أولادي ستبقى "بير أماعين". ويكمل الحاج محمد: "اصطحبت أولادي وأحفادي، وعرفتهم على حدود بلدنا، وحتى لو متنا فجيب أن يتذكر أولادنا أن هذه أرضهم، وانا أحتفظ بمفتاح منزلنا رغم أن المنزل لم يبق منه شيء، إلا أن هذا المفتاح هو ليتذكروا أن أرضهم ما زالت موجودة، وهي لنا، ولأولادنا ولأحفادنا".