عند كل مساء وقبل أن أصبح في عداد الأموات، تتزاحم الأفكار حول ذكرياتي بأفراحها وأتراحها، ولكن البارحة كان التفكير منصباً حول أمر آخر، كنت أفكر في الهدية المناسبة التي سأرسلها لوالدتي، هل أشتري لها عقداً ذهبياً، أم أجرب حظي هذه المرة مع الالماس، أو ربما أشتري ساعة فخمة، أم أرسل لها شيكاً نقدياً تشتري بقيمته ما تراه مناسباً، وفي زحمة هذه الأفكار، توقفت عند واحدة من الذكريات وبدأت أضحك، كانت مؤلمة ومضحكة في ذات الوقت.. وتعود القصة إلى شهر مارس قبل ثمانية أعوام تقريباً، عندما كنت طالباً في الجامعة، وكانت جيوبي شبه فارغة، بدأت أفكر ماذا سأشتري هدية لأمي في يومها، أسبوع كامل وأنا أحاول الحصول على أي عمل حتى أستطيع تأمين مبلغ مالي صغير، لأقدم لأمي هدية حتى لو كانت رخيصة، أو هدية تؤكل، من باب أن الهدية بقدرها وليس بقيمتها.. وقبل أن يحين موعد العيد بأسبوع تقريباً، خرجت إلى الشرفة متسللاً بعد أن تكشف القمر وأصبح في كبد السماء، وجلست بجانب قهوتي، أحاول أن أجمع أفكاري، فيما يجب أن أفعله، دخول أخي قطع سلسلة أفكاري الفقيرة التي حاولت يائسة في إيجاد شيء غير مكلف بحكم أنني لا أعمل، وآخر قطعة نقدية لدي أهديتها للبائع لأحصل على علبة سجائري.. ودون أن يستفسر عن حالة الشتات التي كنت غارقاً فيها في تلك اللحظة، قال: “هل توصلت إلى حل، يوم الأم أصبح على الأعتاب”، اكتفيت بالنظر إليه، ومتابعة استجماع أفكاري قبل أن تضيع في ظلام الليل، بعد ساعة أو ساعتين لمعت فكرة وأخذت تنمو بسرعة، حتى عقدت العزم عليها، وصرخت بصوت خافت “وجدتها”، شعرت أنني أرخميدس مع بعض التعديلات حيث كنت على الشرفة، بينما كان هو في الحمام، قلت لا بد أن أتكتم على الموضوع حتى لا أفسد المفاجأة، وبالفعل قبل يومين من عيد الأم ذهبت إلى السوق المخصص الذي يبيع تلك الأوراق الملونة التي تغلف الهدايا وأشرطة ملونة، وعدت فرحاً منتصراً والفكرة تتخمر أكثر، دخلت البيت متلصصاً أحاول أن لا تشاهدني أمي حتى لا تسألني عن حملي وتفسد المفاجأة. في صباح اليوم المنشود، كنت وأخي مستيقظين طوال الليل نحضر المفاجأة، وقبل أن تخرج أمي وأبي كعادتها إلى عملهما، لابد من شرب القهوة الصباحية، في هذا الوقت خرجت ووقفت عند الباب أنتظر إشارة أخي لأطرق الجرس، في ظل إنشغاله حتى نتأكد من أن والدتي هي من ستفتح الباب، وبالفعل فتحت الباب ووقفت لثواني تتأملني وتتأمل هديتها الناطقة وقد علت على وجهها ابتسامة مشرقة، اقتربت منها “قفزاً” فالورق والأشرطة كانت تسبب عائقاً للتحرك ولابد من القفز، وأنا أقول: “كل عام وأنت بخير يا أمي”.