عقدة الجنسية الأجنبية تحكمنا بطريقة مستفزة.. وتجعلنا نشعر بأن كل مواطن مصري حمل جنسية أخري إلي جانب جنسيته الأصلية هو خائن بالطبع لوطنه وللشعب الذي ينتمي إليه!! لم يوجد بلد في العالم يتعامل بهذا المفهوم مع مواطنيه بمثل ما تتعامل به مصر مع أبنائها الذين يحملون جنسيات أخري.. فنحن نفترض أن الأم التي حملت جنسية أمريكية مثلاً أرضعت ابنها الخيانة.. وأن الأب الذي حمل هذه الجنسية أورث ابنه جينات الخيانة. مع أنه من الممكن أن يكون حامل الجنسية الأجنبية أكثر وطنية وأكثر غيرة علي بلده من كثيرين لم يحصلوا علي هذه الجنسية. ولو تتبعنا علي مدي التاريخ الطويل لمصر كل من اتهم بخيانة الوطن من المصريين وعوقبوا بجناية التجسس لم يكن أحد منهم يحمل جنسية أخري غير جنسيته المصرية. الأمريكيون من الأجيال السابقة واللاحقة الذين تولوا مناصب مهمة في بلدهم معظمهم أصولهم غير أمريكية.. منهم الانجليز والألمان واليونانيون والإيطاليون وغيرهم.. والرئيس الأمريكي باراك أوباما من أصول افريقية "كينية".. والمفترض أن الأصول العرقية أكثر تأثيراً علي تصرفات الأفراد من اكتساب جنسية لاحقة لجنسية الفرد. ومع ذلك فإن أمريكا لا تحكمها عقدة الأصول العرقية في تبوؤ مواطنيها مناصب حساسة في الدولة حتي في الجيش. وكم من حكام للولايات الأمريكية ترجع أصولهم العرقية إلي جنسيات بلاد أخري هاجروا لهذا البلد بحثاً عن مورد جديد للرزق. والإسرائيليون الذين أقاموا دولة إسرائيل جميعهم ننتمي إلي دول أوروبية وآسيوية وافريقية. ونجحوا في اقامة الدولة التي أصبحت شوكة في ظهر الأمة العربية.. ونحن العرب الذين ينتمون إلي أصل واحد لم ننجح حتي الآن في إقامة وحدة تجمعنا لمواجهة هذه الدولة التي جاء أبناؤها من الشتات. إن المصريين الذين ضاقت بهم سبل العيش في بلادهم فانتشروا في بلاد الله شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً يبحثون عن تأمين حياتهم لا يمكن أن نعاقب من حصل منهم علي جنسية أخري بحرمانه من حق مشروع له في بلده الأصلي تحت هذه الحجة الواهية. المصريون اغتربوا ليعملوا علي تحسين ظروفهم المعيشية وليمدوا بلدهم بالعملات الصعبة التي هي في أشد الحاجة إليها. بينما هناك من المصريين الذين لم يهاجروا ولم يغتربوا ينعمون بخيراتها من خلال الاستغلال والفساد والنهب والسرقة. ومع ذلك لم نحرمهم من حقوقهم الدستورية كما نفعل مع المغتربين والمهاجرين. بأي حق وبأي منطق وبأي حجة نحرم الدكتور أحمد زويل من مباشرة حقوقه الدستورية ونمنعه من الترشح حتي لعضوية مجلس الشعب بحجة أنه حصل علي الجنسية الأمريكية.. أحمد زويل الذي بدأ بحكم مصريته ووطنيته يؤسس لأكبر مشروع علمي يضع بلده علي الطريق الصحيح للنهضة الشاملة يكون جزاؤه الحرمان من حقوقه الدستورية. لو أن جواز السفر المصري يُحترم في أي مكان في العالم لما لجأ مواطن مصري إلي اكتساب جنسية أخري.. فحامل الجواز الأمريكي أو أي بلد أوروبي تفتح له الأبواب دون قيد أو شرط.. بينما حامل الجواز المصري تغلق في وجهه كل الأبواب. لو سافر مواطنان مصريان أحدهما يحمل جوازاً مصرياً والآخر أمريكياً أو انجليزياً لأي بلد عربي.. كيف سيتعامل معهما موظف الجوازات في هذا البلد العربي؟! سيسمح لحامل الجواز الأمريكي بالدخول دون أية تأشيرة. ويمنع الآخر من الدخول إذا لم يكن معه تأشيرة.. وكلاهما مصريان؟!. إنها عقدة النقص تحكم تصرفاتنا تحت مسمي "الوطنية" التي نتشدق بها لنرضي بها غرورنا فقط!! بينما الواقع شيء مختلف تماما.