كان مدرسي في البوصيري الأولية يعاقب الفصل كله لخطأ تلميذ ينسي المذاكرة. أو يحدث جلبة في الفصل. يأمر المدرس فيخلع الأولاد أحذيتهم. ويضعوا أقدامهم الحافية علي الادراج. ينهال عليها المدرس بقطعة خشب عريضة منتزعة من أرضية الفصل. لا تشغله التوسلات ولا عبارات الاسترحام بأن العقاب ينبغي أن يقتصر علي مرتكب الخطأ وحده! تذكرت تلك الصورة القديمة. وأنا أتابع ردود الأفعال العنيفة التي تلت أحداث بورسعيد. والتي نتج عنها استشهاد العشرات من أجمل زهور هذا الوطن. الحادثة المأساة كما روي تفصيلاتها منفذها الأول تحددت في جلب ثلاث سيارات محملة بمن أعدوا تنفيذ الاعتداء من الدقهلية. اندس ركاب سيارتين في مدرجات المصري. وركاب سيارة في مدرجات الأهلي. ودارت وقائع كثيرة تتصل بتطورات ما حدث من ألفه إلي يائه. كل شيء كان مدبرا. بورسعيد هي المثل الأهم للإرادة المصرية والمقاومة ودحر الغزاة . وإذا كان انفتاح السداح مداح قد أساء إلي صورة النضال الذي عرفت من خلاله المدينة الباسلة. فإن معني البسالة بين المدن يكاد يقتصر عليها. القصاص حق للشهداء الذين اغتالتهم المؤامرة الحقيرة. وهي مؤامرة أعدت للأسف جيدا. فلم تترك شيئا للمصادفة. مما يستدعي العقاب الصارم لكل من شارك في الجريمة بالإعداد والتنفيذ. فلا يدفع الثمن إلا من أثبتت التحقيقات مسئوليته. أخشي أن نكرر حكاية عقاب المدرس لتلاميذه في مدرسة البوصيري . العقاب القديم اقتصر علي عدد محدود من التلاميذ الصغار. أما العقاب الذي يواجه أبناء بورسعيد فلا يستهدف أشخاصا بقدر ما يستهدف مدينة بكاملها. ربما يطالعنا من يتحدث عن العقاب الجماعي للأندية التي يلجأ مشجعوها إلي إحداث الفوضي. الأمر هنا يختلف. فقد برأ الفاعل الحقيقي أبناء بورسعيد مما حدث. وأنه لم يكن مجرد شغب. بل هو فعل مدبر بين مجموعة من المتآمرين علي هذا الوطن. ليس بهدف إحداث الفوضي. أو نشر الفتنة. إنما الهدف حلقة جديدة في سلسلة تآمر بقايا النظام السابق التي تعاني مصر تأثيراتها منذ قيام ثورة يناير. الإصرار علي العقاب الجماعي. يعطي الفرصة لمن أعدوا المخطط الحقير لينفذوا مخططهم. من غير المتصور أن نتحول إلي أدوات في مؤامرات القتلة! فلتظل بورسعيد رمزا لكل ما هو جميل ومقاوم في هذا الوطن. وإذا كانت الأنظمة الاستعمارية في بريتوريا وروديسيا وإسرائيل قد اتبعت سياسة العقاب الجماعي لمواطني تلك البلاد. فإنه من المستحيل ان تتبع مصر هذه السياسة مع أنبل مواطنيها.