"إن المأزق الحالي الذي تمر به مصر لا يليق بها.. والمصريون سواء أكانوا من الجنود "الجيش" أو الشرطة أو الناشطين السياسيين أو الإسلاميين أساءوا إلي هذه الأرض المقدسة". بهذه العبارة التي تحمل نقدا لاذعا لما يجري في مصر من أحداث واضطرابات بدأت مجلة "فورين بوليس" الأمريكية استعراضها للحالة السياسية والأمنية والاقتصادية في بلد الربيع الثاني للثورة العربية بقلم ستيفن كوك محلل شئون الشرق الأوسط في المجلة. مجمل ما وصفت به المجلة الأحوال في مصر يتلخص فيما يلي: * ميدان التحرير تنبعث منه رائحة البول. وهذا ليس مستغربا مع هذا الحجم من البشر الذين كانوا ومازالوا يعيشون فيه في مخيمات منذ أسابيع عديدة!! ثم تضيف المجلة: ومع ذلك فالمشكلة لا تتعلق بالرائحة. فليست هي وحدها التي لا تليق بمصر. وانما هي مجرد رائحة تعبر عن المأزق الحالي الذي تعيشه ثاني الدول الحاضنة لثورات الربيع العربي. * ما حدث في شارع قصر العيني إهانة للثورة.. فالمعركة الضارية التي وقعت بين الشرطة العسكرية والمتظاهرين والتي استخدمت فيها الحجارة والزجاج والمعادن والهراوات وقنابل المولوتوف تؤكد ذلك. * هذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن هناك مشكلة أكثر عمقا تعاني منها مصر.. فقد تراجعت البلاد من القوة والكرامة الوطنية التي ترمز للثورة. وأصبحت الآن تعاني من لعبة السياسة القذرة وتطبيع العنف.. وتجلي ذلك في معركة قصر العيني التي اندلعت دون أسباب واضحة حيث نزل الشباب والأطفال وكأنهم يبحثون عن الثأر لاحداث شارع محمد محمود. ثم تساءل كاتب المقال عن الجهة أو الجهات التي تتحمل مسئولية هذه الاحداث التي أدت إلي الانهيار الاقتصادي وحددها في المؤسسة العسكرية. والمجموعات الثورية والاسلاميين. والليبراليين.. فالجميع ترك المجتمع علي الحافة. وأصبح أي حادث بسيط يتحول إلي شغب.. وأصبحنا نري جنودا يضربون النساء ومتظاهرين يحرقون مبني يحتوي علي بعض الكنوز المصرية التاريخية والثقافية. فالعسكريون في رأيه يفتقرون إلي الفطنة السياسية.. والإسلاميون يسعون إلي الحفاظ علي المكاسب السياسية التي حققوها بعد الثورة.. أما الثوار فرغم الابداع والطاقة التي مكنتهم من اسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك فإن لديهم الكثير من النرجسية الثورية. فبدلا من القيام بالعمل الشاق لاقامة تنظيم سياسي تزايدت اعتصاماتهم واحتجاجاتهم حتي بدأوا يخسرون تعاطف غالبية المصريين. كانت هذه نظرة من الخارج علي واقع حالنا في مصر.. فهل اختلفت عن الواقع الذي نعيشه فعلا والذي سبق أن كتبنا عنه وحللناه بنفس المفهوم والمضمون كثيرا؟! كم انتقدنا اصرار الشباب علي الاعتصام في ميدان التحرير بسبب وبدون سبب مما أدي إلي تعطيل عجلة الانتاج وتعطيل مصالح الناس.. وتساءلنا: كيف يقضي المعتصمون حاجاتهم وليس في الميدان دورات مياه والنتيجة هذه الروائح الكريهة. كم ركزنا في كتاباتنا عن الانفلات الأمني نتيجة للعلاقة غير السوية بين الشرطة والثوار وتراجع دور الشرطة.. بنفس الإصرار الذي حذرنا به من تراجع الاقتصاد المصري إلي درجة تنذر بالخطر. كم أدنا تواجد البلطجية والمأجورين بين الثوار واستخدامهم مع الاطفال في الاعتداءات علي مقر مجلس الوزراء وحرق مبني المجمع العلمي الذي يضم كنوزا تاريخية وثقافية. كم انتقدنا تشرذم الثوار وانقسامهم إلي شيع وأحزاب كل يبحث عن مصالحه بعيدا عن المصلحة العامة. كم انتقدنا جميع الأطياف السياسية المتنافرة والتي نسيت أو تناست مصلحة مصر ولم تضع نصب عينيها سوي الحصول علي قطعة من الكعكة. ما رآه المراقبون والمحللون من الخارج رأيناه نحن من الداخل ولكن أين العقلاء والراشدون في هذا البلد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه؟! مازلنا نسأل نفس السؤال الذي يطرحه عامة الشعب.. البلد رايحة علي فين؟!