* يسأل عمر.أ من القاهرة: في بعض الأحيان أظن ببعض الناس ظناً سيئاً. لكن من غير دليل قاطع. وكيف يكون التوفيق إذن بين ما جاء من ذم سوء الظن. والنهي عنه. وما أثر من أنه من حسن الفطن. والظن بأهل المعاصي؟!! ** يجيب الدكتور عثمان عبدالرحمن. مستشار العلوم الشرعية بالأزهر: لقد نهانا الشارع الحكيم عن الظن السيئ بالناس. وهو: حمل تصرفاتهم علي الوجه السيئ بلا قرينة أو بينة. إذ الأصل فيهم البراءة والسلامة. قال تعالي: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن. إن بعض الظن إثم" "الحجرات: 12". ومعني كونه إثماً أنه: إما أن ينشأ علي ذلك الظن عمل أو مجرد اعتقاد. فإن كان قد ينشأ عليه عمل من قول أو فعل. كالاغتياب والتجسس وغير ذلك فليُقدر الظان أن ظنه كاذب. ثلم لينظر بعد في عمله الذي بناه عليه فيجده قد عامل به من لا يستحق تلك المعاملة. من اتهامه بالباطل. فيأثم مما طوي عليه قلبه لأخيه المسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي "صلي الله عليه وسلم" قال: "إياكم والظن. فإن الظن أكذب الحديث. ولا تحسسوا. ولا تجسسوا. ولا تحاسدوا. ولا تدابروا. ولا تباغضوا. وكونوا عباد الله إخواناً" متفق عليه. وفي هذا الحديث تحذير من سوء الظن بالمسلمين من غير علم ولا تيقن. وليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالباً. بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به. وكذا ما يقع في القلب بغير دليل. وذلك أن أوائل الظنون إنما هي خواطر لا يمكن دفعها. .. والمراد بالظن هنا: التهمة التي لا سبب لها.. كمن يتهم رجلاً بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها. ولذلك عطف عليه قوله: "ولا تجسسوا". وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع. فنهي عن ذلك. والنصوص الشرعية كثيرة ومتضافرة في الحض علي إحسان الظن بالمؤمنين. ومن ذلك ما جاء في حادثة الإفك. والتي نزل بسببها قرآن يتلي إلي يوم الدين في تبرئة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها. والشاهد من تلك الآيات قوله تعالي: "لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين" "النور:12". وهذا عتاب من الله تعالي ذكره أهل الإيمان به فيما وقع في أنفسهم من إرجاف من أرجف في أمر عائشة بما أرجف به. يقول لهم تعالي ذكره: هلا أيها الناس إذ سمعتم ما قال أهل الإفك في عائشة ظن المؤمنون منكم والمؤمنات بأنفسهم خيراً. لأن أهل الإسلام كلهم بمنزلة نفس واحدة. لأنهم أهل ملة واحدة. ولقد ذكر فقهاء الشافعية وغيرهم من العلماء أن الظن في الشرع ينقسم إلي واجب ومندوب وحرام ومباح: فالواجب: حسن الظن بالله تعالي. والحرام: سوء الظن به تعالي. وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين.. والمباح: الظن بمن اشتهر بين المسلمين بمخالطة الريب. والمجاهرة بالخبائث. فلا يحرم ظن السوء به. لأنه قد دل علي نفسه. كما أن من يستر علي نفسه لم يظن به إلا خيراً. ومن دخل مدخل السوء اتُهم.. ومن الظن الجائز بإجماع المسلمين ما يظن الشاهدان في التقويم. وما يحصل بخبر الواحد في الأحكام بالإجماع. ويجب العمل به قطعاً. والبينات عند الحكام. أما المراد بسوء الظن الذي قيل عنه: إنه من حسن الفطن هو الحذر والاحتراز والاحتراس. لا امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس. بلا تيقن أو بينه. والفرق بين الاحتراز وسوء الظن: أن المحترز بمنزلة رجل قد خرج بما له مسافراً. فهو يحترز بجهده من كل قاطع للطريق. وكل مكان يتوقع منه الشر. وكذلك يكون من التأهب والاستعداد وأخذ الأسباب التي بها ينجو من المكروه. أما سوء الظن فهو: امتلاء قلبه بالظنون السيئة بالناس بغير سبب حتي يظهر علي لسانه وجوارحه. وعليه: فإن سوء الظن بمن اشتهر بالعدالة من المسلمين محرم شرعاً. والظن المباح هو بمن اشتهر بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث. فلا يُحرم ظن السوء به.