الدنيا تتغير بسرعة من حولنا . من كان يصدق أن يتحول العداء المزمن بين أمريكاوكوريا الشمالية إلي غزل مكشوف يتبادل فيه الرئيسان دونالد ترامب وكيم جونج أون عبارات المديح والثناء . ويؤكد كل منهما حرصه علي إتمام لقاء القمة المرتقبة بينهما في أواخر مايو القادم . يقول ترامب إن كوريا الشمالية تريد صنع السلام . ويقول كيم إن الوقت قد حان لإبرام معاهدة سلام مع أمريكا وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية . بما في ذلك فتح سفارة أمريكية في بيونج يانج . وليس خافيا أن هذا التغيير المفاجئ قد حدث بعد أشهر من الحرب الكلامية بين الرجلين التي وصلت إلي تبادل الشتائم والاتهامات والتهديدات بشن حرب نووية . وحين قال كيم ذات يوم إن لديه ذرا نوويا رد عليه ترامب بأن لديه ذرا أكبر وأطول . ويبدو الآن أن هذا التصعيد كان مقصودا علي الأقل من الجانب الأمريكي . فالرئيس ترامب الذي يتصرف بعقلية رجل الأعمال أخذ يبالغ في تصعيد الخلاف وتشديد العقوبات ضد كوريا الشمالية بينما هو يسير في اتجاه الصفقة حتي يبدو حين يتم اللقاء أنه قد نجح في تخويف كيم ودفعه إلي مائدة المفاوضات . ولو تم اللقاء بين الرئيسين كما هو متوقع فسوف يكون حدثا تاريخيا . أما إذا تم التوصل إلي اتفاق لنزع سلاح كوريا الشمالية النووي أو حتي السيطرة عليه وإخضاعه للرقابة الدولية . فسوف يكون هذا الاتفاق هو طوق النجاة الذي ينقذ ترامب من أزماته الداخلية التي تهدد وجوده في السلطة . لكن الأمر لن يكون سهلا ففريق ترامب الآن يفتقد إلي الحنكة الدبلوماسية المهنية اللازمة للتفاوض والملمة بالملف النووي الكوري بعد إقالة وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون المفاجئة . ورغبة كوريا في الحصول علي ضمانات مبالغ فيها لتحقيق أقصي استفادة من رئيس مهزوز داخليا ومتقلب المزاج ولا صبر له علي المناورات . أضف إلي ذلك أن انقلاب ترامب علي الاتفاق الدولي مع إيران بشأن برنامجها النووي سيدفع كيم إلي التشكك والتشدد والابتزاز . لكن يظل السؤال : لماذا اتجه ترامب إلي التفاوض مع أعدي الأعداء الآن؟ والإجابة ببساطة : لأنه يرغب في تحقيق انجاز ينقذه من الفشل الذي يلاحقه داخليا وخارجيا . فلا هو نجح في إقناع الأمريكيين به كرئيس قوي . ولا نجح في مواجهة الاتهامات التي تلاحقه . ولا نجح في الشرق الأوسط ولا مع روسيا أو إيران أو المكسيك . ومن ثم كان لابد من قفزة كبيرة للأمام بعيدا جدا إلي كوريا الشمالية . ولعلك تلاحظ مثلي أن الدعاية السوداء الموجهة إلي الرئيس الكوري الشمالي كيم اختفت أو كادت . فالرجل لم يعد مجنونا ومهووسا بالقتل والحرب والشره للطعام والنساء واتضح أنه "يريد صنع السلام وإعادة كتابة التاريخ" . والأمر المؤكد أن كلمة السر في هذا التحول هي قوة كوريا التي جعلت أمريكا تتعامل معها باحترام . ولولم تكن كوريا بهذه القوة فلربما اجتاحتها القوات الأمريكية ذات ليلة واعتقلت رئيسها أو فرضت عليه الجزية .