تهديد الرئيس الأمريكي ترامب للسلطة الفلسطينية. بأنها ما لم تبدأ مع إسرائيل مفاوضات مباشرة "ذات مغزي" فإنه سيغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ولن يسمح بتجديد الترخيص الممنوح له بالعمل. يشكل تصرفاً يخرج الولاياتالمتحدة وإدارة ترامب تماماً من دور راعي عملية السلام. أو الوسيط النزيه في مفاوضاتها. إلي دور الخصم المنحاز لإسرائيل انحيازاً أعمي. نعرف جيداً. ويعرف العالم كله معنا ان الولاياتالمتحدة. عبر كل إداراتها السابقة لم تكن راعياً منصفاً لعملية السلام في الشرق الأوسط. ولا وسيطاً نزيهاً. ولكن هذا التهديد تجاوز بشكل فج حدود ما عرفناه ونعرفه. منظمة التحرير الفلسطينية ليست منظمة إرهابية حتي يوجه إليها الرئيس الأمريكي مثل هذا التهديد. ومكتبها في واشنطن يعمل وفق القوانين الأمريكية. فهل في القوانين الأمريكية نصوص تعتبر عدم تفاوض الفلسطينيين مع إسرائيل مخالفة عقوبتها غلق النشاط وسحب ترخيص العمل؟! وهل أصدر ترامب هذا التهديد بناء علي تحقق شخصي منه بأن الفلسطينيين هم من يعرقل المفاوضات ويعطل التسوية . وليس الإسرائيليين؟! وهل يستطيع. لو ثبت العكس أن يوجه تهديداً لإسرائيل لدفعها لتعديل موقفها. ولو بتجميد مؤقت لنشاط منظمة "إيباك" اليهودية المساندة لها في أمريكا؟! ثم ما الذي يعنيه الرئيس الأمريكي بعبارة: "مفاوضات مباشرة ذات مغزي"؟! إن كلمة "ذات مغزي" ليس لها معني واحد متفق عليه.. فمعناها في وثائق الشرعية الدولية لدي الأممالمتحدة. غير معناها لدي إسرائيل. وبالتالي لدي الولاياتالمتحدة وإدارة الرئيس ترامب. إن أي مفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل لابد أن يكون لها هدف. مثل أي مفاوضات بين أي طرفين. ووفقاً لما أجمع عليه المجتمع الدولي كله. فإن هذه المفاوضات لابد أن تقود إلي "حل الدولتين".. دولة فلسطينية علي حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. ودولة إسرائيلية. فهل إسرائيل موافقة. ولو من حيث المبدأ. علي ذلك؟! وإذا كانت غير موافقة. فهل يستطيع الرئيس الأمريكي أن يمارس عليها من الضغوط ما يدفعها. في مرحلة ما. إلي الموافقة؟! وإذا كان لدي الرئيس الأمريكي مسار تفاوضي آخر يقود إلي حل مختلف عما التقت عليه الإرادة الدولية. وترضاه إسرائيل. أليس من حق الفلسطينيين أن يعترضوا عليه إذا وجدوا فيه إهدارًا للشرعية الدولية ولحقوقهم المشروعة في أرضهم؟! وهل بعد هذا التهديد. يظل الرئيس الأمريكي صالحاً للرهان عليه لإنجاز ما يسمي ب "صفقة القرن" للسلام في الشرق الأوسط. ليس فقط بين إسرائيل والفلسطينيين. بل بينها وبين كل العرب. ووضع نهاية لقرن من الصراع والتهديد. ما بين وعد بلفور 1917 واليوم؟! إن أي سلام لا يقوم علي العدل لكافة أطرافه. ولا يراعي التوازن بين الحقوق والمسئوليات. ولا يضمن أمن وسلامة الجميع واحتياجاتهم. لن يكون سلاماً دائماً. بل هشاً. يحمل في طياته بذور صراع جديد حتي يعتدل ميزان القوي بين أطرافه. في منطقة ملتهبة ومضطربة بطبيعتها مثل منطقتنا. إن إغلاق أو استمرار مكتب منظمة التحرير في واشنطن. لن يجعل شعباً كالشعب الفلسطيني يغير من ثوابته. أو يقبل تفاوضاً ذا مغزي بمفهوم غير ما استقرت عليه الشرعية الدولية. وهو الشعب الذي يدفع كل يوم من حياة ودم أبنائه ثمناً للدفاع عن هذه الثوابت.