"شيخ جاكسون" شاب مصري اشتدت عليه الهواجس. محاصر بميراثين ثقافيتين وحضارتين جد متناقضتين!.. تبدأ هواجسه منذ طفولته المبكرة عندما ينجذب بحسه الفطري إلي صورة المغني الأمريكي الأسود "مايكل جاكسون" فيسأل أمه "درة" التي تجيبه: "إنه أشهر مغني في العالم". إنه كذلك بالفعل فقد تربع هذا الفنان علي عرش موسيقي البوب "الشعبية" مؤلفاًومؤدياً ومنتجاً وراقصاً له أسلوبه ومظهره الغريب المتفرد الذي أثر في عشرات العشرات من ملايين الشباب في الشرق والغرب حتي أصبح "أيقونة" عالمية متجاوز أسوار التمييز الديني والعرقي. ومتجاوزاً حتي فكرة الانتماء الوطني إلي الانتماء لحياة بلا أسوار. بلا كوابح وعالم بلا حدود أو حواجز. ولكن والد "خالد" الشهير "جاكسون" يراه مخنثاً فلا هو رجل ولا هو أنثي وعندما تموت "الأم" فجأة يصبح الأب السيد المستبد بقوته الجثمانية وتسلطه "ماجد الكدواني" مصدراً لهاجس أو قل لحزمة هواجس حول الذكورة والأثونة. يسأل ولده بينما يستمتع بحمام مع امرأة يجلسان سويا في ماء البانيو "هو الشيطان دكر ولا نتاية؟!". وتجده ينهر ابنه بقسوة حيث لا يري فيه رجلاً ولا طالباً مجتهداً وانه ليس قوياً بالمعني الذي يؤمن به ويسعي إلي تحقيقه تشغله فكرة "الرجولة" وينزعج جداً عندما يجد في ابنه ميولاً للرقص وتقليد ل"جاكسون" بمظهره وقبحته وملابسه وشعره الطويل. إن هذا الشاب الذي أصبح مشهوراً بلقب جاكسون من فرط غرامه بهذا "الأيدول" تربطه عاطفة بزميلته وبوادر علاقة قد تنضج لو سارت الأمور علي طبيعتها ولكنها لا تمضي هكذا بسبب الصراع الشرس بينه وبين الاب. "شيخ جاكسون" إذن ضايع بين عالمين متصارعين. عالم الاب المهيمن. مع أنه هو نفسه غير بعيد عن متع الدنيا أو عن نداءات الغريزة بدلالاتها الحسية وبين عالم الموسيقي والرقص الذي يمثله مايكل جاكسون. تشاركه نفس الميول تلك الفتاة الصغيرة زميلته التي تصبح لاحقاً مغنية تشدو "بالحلم المحال الذي علمها أن تشب فوق الخيال" الأغنية الحلوة التي ينتهي بها الفيلم وتلخص كلماتها جوهر ما تمثله حساسية جيل يري في هذا "المعبود" تجسيداً لكل ما يمثلهم "تؤديها ياسمين رئيس" فصل ثالث من التوهان ويبدأ في حياة "جاكسون" أو "خالد" فصلاً ثالثاً من حياته لعله الأكثر نفاذاً وأكثر انتاجاً للهاجس الأكبر. وأعني فصل الانتقال من حصار "الاب السيد" إلي "الخال الوالد" "محمود البزاوي" الذي يصحب ابن شقيقته المتوفاة إلي رحاب "الدين" إلي ما يمكن أن ينقذه من سطوة الاب الدنيوي إلي "المسجد" والقائمين عليه بما يمثلونه من انغلاق عقائدي يقوده بالضرورة إلي الاسراف والتطرف الايدولوجي وإلي انكار الحياة لصالح الآخرة. بعيداً عن حكمة : "أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً. ولآخرتك كأنك تموت غداً". وفي هذا الفصل يصبح الفتي الراقص داعية ديني. له زوجة منتقبة "أمينة خليل" وطفلة في المدرسة ولديه قناعاته التي تجعله يبكي بينما يؤدي الصلاة ويؤم المصلين داخل الجامع فقد أصبح مسكوناً بهواجس الموت وعذاب القبر والنار والجنة والحرام والحلال ويحمل جهازاً صغيراً يعد الآثام والصواب. ولكن. هذا الشيخ الداعية لم يتخلص بالكامل من هاجس "جاكسون" وما يمثله "ملك البوب" الذي يقفز له بكامل هيئته ويجلس وسط المصلين بقبعته وشعره ومظهره فيرتبك وتتوه منه الكلمات وحتي الدموع تتوقف وتتحجر في مقلتيه فيستعين برائحة "البصل" حتي يظل "باكيا" أمام مريديه في الجامع. "شيخ جاكسون" حالة مركبة متصارعة عوامل نفسية ويعاني من اضطراب سلوكي وتوهان أيدولوجي لافت للنظر. أنه داعية في جامع يتأثر حتي البكاء أثناء الصلاة. تسأله الطبيبة النفسية "بسمة" ماهي آخر مرة بكيت فيها؟ وتطلب منه أن يحكي عن "المدفون" في أعماقه. ذكرياته التي يضمها كرتونة. تشير إلي حصيلة الألم والفرح والمؤثرات التي تركت بصماتها علي وجدانه. يأخذه الحنين لرؤية صديقة الصبا التي لعبت دورها ممثلة صغيرة ثم "ياسمين رئيس" في مرحلة لاحقة فتعجب لما آل إليه مظهره.. تكشف الزيارة عن حالة "توهان" تستمر حتي بعد أن يعود الوصال مع والده بعد فترة انقطاع. انها أزمة مركبة لشخصية تتنازعها عوامل داخلية مربكة تتعلق بالحقيقة وبالهوية وطبيعته الشخصية وعوامل خارجية ارتبطت بالأم. بالاب. بالخال. بالموسيقي. بالغناء. بالرقص. وبالمجتمع. والبيئة المجتمعية في فترة حرجة جداً من تطوره أو بالأحري تراجعه ايدولوجياً وقيمياً. أسلوب الحكي وأمام موضوع خاص من هذا النوع يحتاج المخرج وصناع هذه التجربة السينمائية المهمة إلي بناء فني يضبط هذه الخيوط المتشابكة والتفاعلات التي تختمر داخل عقل وروح ووجدان إنسان شاب علي درجة كبيرة من الحساسية يعيش أجواء وظروف ذاتية ومجتمعية تتجاوز احتماله. فماذا ياتري ستكون نهاية هذه التفاعلات؟ وإلي أي نقطة سوف تصل بنا النهايات المرتبطة بخيوط أزمة وجودية لشاب في مثل تركيبة "شيخ جاكسون"؟ وهل ما وصل إليه المؤلف المخرج "عمرو سلامة" وزميله عمر خالد هو النتيجة الطبيعية لهذه الأزمة التي تمثل ربما أزمة قطاع من الشباب وليس بالقطع كل الشباب؟ في نهاية الفيلم نجد لقطة عبقرية التكوين واللون والأداء للشخصية المحورية تشير إلي أن الشيخ جاكسون سوف يجمع بين كونه "شيخ" و"جاكسون" أي إلي "مركب بشري" لا يمكن افتراضه عملياً ويصعب مجرد وجوده.. لكنها رؤية صانع الفيلم التي لا نملك إلا احترامها ولو اختلفنا معها كلية فنحن أمام حالة خاصة نادرة ربما. ومنذ الوهلة الأولي يواجهنا "الحلم الهاجس" ذلك الفضاء البارد المليء بالغيوم الرمادية الخالي من كل شيء إلا التابوت المحمول علي اكتاف مجموعة من أصحاب الملابس البيضاء الملتحين هذا التكوين المليء بالإيحاءات يأتي من عمق المشهد ويقترب رويداً حتي يصل إلي القبر و"القبر" مرتبط بفكرة العذاب في ذهن "شيخ جاكسون" كما سنفهم لاحقاً وتبعاً للدور الذي يلعبه كداعية. إنه الكابوس الذي يطارده في منامه "الموت" ذلك الذي اختطف أمه وهو بعد طفل صغير فلم يتبق منها غير قلادة ذهبية يعلقها في رقبته باعزاز شديد. و"الموت" دائماً ما يخلف وراءه سؤالاً مفزعاً أتراها "أي الأم" في الجنة أم في النار؟ أنها في الجنة أكيد. والسؤال نجد له تجسيداً بصرياً متخيلاً في مشهد آخر يعيشه "شيخ جاكسون" في منامه أيضا ويحمل تصوره عن الجنة والنار والمشهد يشير إلي مهارات صناع الجرافيك الذين ترجموا هذا الخيال وأثاروا فينا نفس المشاعر التي ولدها "الحلم الهاجس". في عقل "الشيخ" الباطن. أسلوب السرد الذي لجأ إليه المخرج المؤلف كإطار يضم مادته الموضوعية المركبة وفق تصميم لا يخضع لتسلسل زمني ولا وحدة للمكان أو الزمان أو الحدث وإنما بناء يتداخل فيه الحلم بالواقع. الماضي بالحاضر والحسي بالملموس. المجرد والمطلق. الشعبي بالفلسفي والذاتي بالموضوعي من دون إرباك. أنها معضلة تحلها لغة الصورة بأجوائها المفعمة بالغموض أحياناً. أو بالحيوية والحياة وأحيانا المعبأة بالرقابة. مع شريط صوت يضاهي المرئي ويزيد من وقعة يضيف من خارج الصورة عنصراً يكرس حالة "الأزمة" ويكشف عن هواجس. أو ينقل المتلقي إلي حالة من البهجة عندما يريد المؤلف المخرج اشاعة روح "جاكسون" وما يعنيه الفنان العبقري الأمريكي ذو الأصول الأفريقية بالنسبة لملايين من الشباب في العالم ما خلفه موته المفاجيء من صدمة رهيبة بالنسبة لبطل الفيلم "الشيخ جاكسون". الفيلم يأخذنا إلي أماكن في التفكير والمشاعر وردود فعل لا يصلح معها الحدود الفاصلة ولكنها تدعونا إلي التركيز مع نماذج علي غرار "شيخ جاكسون" نفسه وأسلوب أداء الممثل الذي يتحمل في تجسيده له مهمة ابداعية صعبة تجعلنا نتصور حجم المجهود في دور يتطلب تدريباً ولياقة بدنية ورشاقة ومرونة كبيرة اضافة إلي "روح" ومصداقية تبعث الاحساس خلال الحوار بحجم الإيمان الذي يكنه الممثل بالأسطورة التي يجسدها. هنا لا نملك إلا الاشادة بأداء أحمد الفيشاوي الذي يلعب دوراً يتناغم مع تركيبته هو الشخصية حسب ما أتصور. أنه ممثل "طاقق" بالمعني الايجابي وقادر علي التلون. وهو مقنع في كل الألوان ذلك لأنه يمتلك موهبة وطاقة فنية "طائشة" يوجهها المخرج في الاتجاه الخادم للشخصية "وطيشه" هذا يمكن توظيفه لانه في النهاية ممثل مجهتد وفنان بطبيعته وشاب ابن زمانه بما ينطوي من دلالات. ويمكن أن يقال نفس الصفات عن أحمد مالك الذي لعب مرحلة المراهقة في حياة "شيخ جاكسون" فهو أيضا يمتلك موهبة وطاقة غير محدودة وجديرة بالرعاية والاهتمام. يظهر ذلك بوضوح في المشاهد التي تصور العلاقة المأزومة بينه وبين الاب. وردود أفعاله المشحونة بالانفعالات والتمرد. هذه المشاهد المتفجرة بمثابة مباراة بين جيلين وأسلوبين وصدام بين ثقافتين وبين اثنين من الممثلين بامكانهما انتاج حالة شعورية وإنسانية محملة بشتي المعاني والانفعالات "فالكدواني" "أستاذ" ولا يحتاج إلي أكثر من اشادة قوية تضاف إلي رصيده الثري والمتنوع. "شيخ جاكسون" اسم يشير من البداية إلي موقعين ودورين في الحياة يلفظ أحدهما الآخر ولكن في إطار سينما تتجاوز المألوف والمعقول وتتحدي النهج الخاضع للسائدمن الأفكار ومظاهر الإيمان بل لوحدة المكان والزمان والمستوي الحضاري. يمكننا أن نتوقع أي شيء ومن حقنا أن نطرح الأسئلة مثل: لماذا مايكل جاكسون تحديداً؟ وما هو المنطق لتسكينه بجوار "الشيخ" في حيز يفترض انه لا يتسع أبداً لهما معا. ولكنه الاضطراب والتوهان وحتمية التداخل بين المؤثرات المختلفة في الاجيال المتعاقبة حتي يبين صناع الأفلام وهل ثمة علاقة بين دلالة الاسمين "شيخ وجاكسون" لكنها الظواهر التي تشب فوق الثوابت وتتجاوز التابوهات المألوفة وسط تيار بعينه من الشباب ينتمي إليه صناع هذا الفيلم أو معظمهم.