خلال أقل من ستة شهور. وبعد تجربة هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة الأمريكية. سقطت ثاني امرأة لديها طموح رئاسي في دولة غربية كبري. وهي ماري لوبان في انتخابات الرئاسة الفرنسية. الفارق الفكري والأيديولوجي والعملي بين هيلاري ولوبان هائل.. القاسم المشترك بينهما. أنهما سيدتان خاضتا لأول مرة في تاريخ بلديهما انتخابات رئاسية. ما هو يا تري العنصر الحاكم في تشكيل أمزجة الناخبين وتحديد قرارهم لحظة التصويت. باختيار هذا المرشح أو ذاك؟!! سؤال صعب يحار أمامه أي محلل سياسي.. فالاختيار عادة ما يكون خلاصة أكثر من عنصر.. تراث الماضي.. مشاكل الحاضر.. أحلام المستقبل. أمريكاوفرنسا مثلاً. تنتميان لحضارة واحدة هي الحضارة الغربية. وتؤمنان بقيم مشتركة في الحرية والديمقراطية.. بل إن فرنسا بالذات بالنسبة للمرأة. هي تاريخياً الأكثر تحرراً في العالم. وقد وصلت هيلاري في أمريكا إلي منصب وزيرة الخارجية. فضلاً عن كونها سيدة البيت الأبيض الأولي عندما كان زوجها بيل كلينتون رئيساً لأمريكا لمدة ثماني سنوات. ووصلت ماري لوبان في فرنسا إلي قيادة حزب الحركة الوطنية اليميني المتطرف. خلفاً لأبيها مؤسس الحزب. الذي اعتزل القيادة قبل خمس سنوات. ومع ذلك. حين خاضت كل منهما الانتخابات الرئاسية في بلدها لم تنجح. وهذا يعني أن اختيار الناخبين لا يتأثر بعنصر "الجنس" كما لا يهتم الناخبون بأن يقال إن بلادهم تفخر بأن تقودها امرأة لأول مرة في تاريخها. في أمريكا. رفضوا هيلاري كلينتون التي هي جزء لا يتجزأ من الطبقة السياسية المسيطرة في واشنطن. أي المرشحة من "داخل الصندوق الأسود" للسياسة الأمريكية. وفضلوا عليها المرشح الشعبوي دونالد ترامب. الكاره لهذه الطبقة السياسية. ولكل ما تمثله. والذي توعد بنسفها وبمراجعة كل ارتباطاتها الخارجية. من حلف شمال الأطلنطي إلي الاتفاق النووي مع إيران. مروراً باتفاقيات "النافتا" و"التافتا" للتجارة الحرة.. إلي آخره. فضلاً عن قوانين الهجرة وأوضاع المهاجرين. في فرنسا. رفضوا ماري لوبان. المرشحة الشعبوية اليمينية المتطرفة والمتمردة مثل ترامب علي الأوضاع السياسية التقليدية لبلادها. والتي ترفع شعار "فرنسا أولاً" في وجه عضوية بلادها في الاتحاد الأوروبي. كما رفع ترامب شعار "أمريكا أولاً" في وجه كل حلفاء بلاده التقليديين. فضلاً أيضاً عن إصرارها علي مراجعة قوانين الهجرة وأوضاع المهاجرين. وفضل الناخبون الفرنسيون المرشح الوسطي الشاب "ماكرون" الذي لم يعدهم بالثورة علي كل الأوضاع. وإنما وعدهم بالإصلاح. ولم يرفع شعار "فرنسا أولاً" في مواجهة الاتحاد الأوروبي. وإنما طالب الاتحاد الأوروبي بأن يصلح من نفسه حتي يكون جديراً بأعضائه وبمستوي التحديات التي تواجهه. ووعد بمواجهة قوية للإرهاب. ولكن ليس علي أساس التصنيف الديني للبشر. رغم أن الانتخابات أجريت في ظل حالة الطوارئ. وتحت تأثير حادث "الشانزليزيه" الإرهابي. ومحاولة "لوبان" استغلال ذلك لإشعال مشاعر العداء والتطرف لدي الناخبين. من الصعب أن تجد تفسيراً واحداً لاختيارات الناخبين في أي بلد. أو التنبؤ بما إذا كان هذا الاختيار يتفق أم يختلف مع الجانب الصحيح من التاريخ.