أصبح السكر فزورة حياتنا.. فزورة صعبة وعصية علي الحل.. الناس تعيش أزمة حقيقية في السكر.. تزداد استفحالا كل يوم.. لكن الحكومة لا تعترف بوجود الأزمة.. هي أساسا لا تري أزمة.. وتسخر من الذين يتحدثون عن الأزمة.. وتشك في نواياهم وانتماءاتهم.. ورئيس الوزراء يقول إنه تلقي تقريرا من وزير التموين يؤكد أن أرصدة السكر تكفي 6 شهور.. أين الأزمة إذن؟! رئيس الوزراء لا يصدق أن لدينا أزمة في السكر.. مع أنه يستطيع أن يراها بعينيه في الطوابير الطويلة أمام المجمعات الاستهلاكية وبقالي التموين وبعض محلات السوبر ماركت التي تبيع السكر كما تبيع الممنوعات.. ويستطيع أن يقرأ أخبار الأزمة في كل الصحف: حملات لضبط التجار المحتكرين ومصادرة مئات الأطنان المهربة والمخزونة.. ارتفاع سعر الكيلو في الأسواق إلي 13 جنيها.. وزير التموين يصدر قرارا برفع سعر الكيلو الحر إلي 6 جنيهات بدلا من خمسة.. ضخ كميات إضافية في الأسواق والمواطنون يصرخون: "مش لاقيينه".. التعاقد علي صفقات جديدة تأتي في نوفمبر.. وتشديد إجراءات التفتيش علي المنافذ والمجمعات. لا يقتصر الأمر علي تلك العناوين فقط.. الصور التي تنشرها الصحف أيضا تعكس الأزمة المستحكمة.. آلاف من البشر تتزاحم علي سيارات المواد الغذائية والمحافظ يبيع السلع بنصف الثمن لمواجهة الغلاء وجشع التجار.. الأهالي يقطعون الطريق احتجاجا علي عدم وجود السكر. كيف تكون لدينا أرصدة تكفي 6 أشهر بينما الطوابير تنذر بالخطر؟!.. هل نصدق تقارير وتصريحات الحكومة ونكذب أعيننا؟!.. بيوتنا هي الشاهد الأكبر علي الأزمة.. إذا كانت الأرصدة تكفي فأين هي؟!.. لماذا لا تخرج للناس وتقضي علي الطوابير.. وتنهي حالة التوتر والخوف والزحام وشراهة الشراء؟!.. لماذا لا تنزل للأسواق وتغطي الاحتياجات؟! من الأصدق.. التقارير الحكومية أم الواقع؟!.. لو كان خالد حنفي مازال في منصبه وزيرا للتموين لقطعناه إربا إربا.. لكن الوزير الحالي المحظوظ يعيش في مأمن من العواصف والزعابيب ووجع الدماغ. المشكلة في تصوري ليست في وجود أزمة في السكر.. فهذا وارد دائما.. مع السكر وأية سلعة أخري.. المشكلة في طريقة التناول والتفكير في علاج أزمة السكر. الحكومة تبدأ عادة بإنكار وجود الأزمة من الأساس.. وتحاول إقناع الناس بأن الأزمة مفتعلة و"كله تمام".. والحقيقة طبعا أن "كله مش تمام" وأن "هناك حاجة غلط". ثم تنتقل إلي المرحلة الثانية.. مرحلة البحث عن كبش فداء تلقي عليه المسئولية حتي تبرئ ساحتها.. وفي أزمة السكر كان كبش الفداء هم التجار الجشعين المحتكرين.. أو الجمهور الذي لديه شراهة غير عادية في الاستهلاك.. أو محلات الحلويات.. المهم إيجاد سبب أو أسباب - شماعات - تعلق عليها المشكلة لتعفي نفسها من المسئولية أمام الشعب.. مع أنها - أي الحكومة - يجب أن تتحمل المسئولية كاملة وبشجاعة في مثل هذه الظروف.. والمسئولية هنا تبدأ بالاعتراف الصريح الشفاف بوجود أزمة حقيقية.. والبحث عن جذورها والتعامل معها بحسم وكفاءة من خلال بدائل عديدة. ومسئولية الحكومة تبدأ بتوفير السلعة - السكر - وحماية السوق من الاحتكار.. وتنشيط الأجهزة الرقابية لضبط المتلاعبين والجشعين.. وإلا فما هو دور الحكومة وما هي وظيفتها؟! وعندما تترك الحكومة مسئوليتها وتبحث عن أسباب واهية وطرق قديمة جدا ومستهلكة جدا للتعامل مع الأزمة.. أو تكتفي باللجوء إلي المسكنات - مثل سيارات المواد الغذائية - فإنها تفتح ألف باب للشائعات التي تزيد الأزمة تعقيدا. يحدث هذا مع السكر.. وحدث من قبل مع الدولار والقمح ولبن الأطفال وأنابيب البوتاجاز والأرز والأدوية.. وكل سلعة أخري يراد تعطيش سوقها ورفع أسعارها.