أوشك شهر رمضان علي الرحيل.. حقيقة يعلمها الكثير منا وينساها.. حقيقة أن الأشياء عندما تبدأ تكون قد أخذت طريق النهاية.. وشهر رمضان انطلق ومر ما يقرب من ثلثه.. ومع مغرب كل ليلة عندما تجتمع الأسر لتناول إفطارها نسمع كلمة واحدة وهي: "يا خسارة تلت الشهر فات".. كلمة نكررها كل عام ولا نتعلم منها.. شهر ننتظره إحدي عشر شهراً ثم يأتي ويمر أمام أعيننا كأنه لم يأت.. كنا قبل ان يهل علينا تغلبنا الروحانيات وحلاوة الصيام وقراءة القرآن وصلاة التراويح ومجالس العلم والعشر الأواخر وعمرة رمضان والزكاة والرحمة والتأدب مع الله وتربية النفس.. وعندما يهل الشهر نستسلم للتليفزيون والمسلسلات والإعلانات والسحور خارج المنازل ودورات رمضانية والسهرات حتي الصباح والعزومات. تمتلئ المساجد في اليوم الأول ثم تفرغ من عمارها.. يكتفي البعض بصلاة العشاء وركعتين أو أربع من التراويح ثم يغادر.. يقتصر حديثنا علي ما شاهدناه في التلفزيون.. نعقد المقارنات بين ما كانت تقدمه الشاشات من أعمال فنية من رمضان زمان ورمضان الآن.. نخدع انفسنا بأننا في شهر الفضائل وتعظيم شعائر الله وإذا جلست أمام الشاشة لا تطيق سماع أي برنامج ديني وما أكثرها.. نبحث عن عمل درامي أو برنامج مثير.. ثم نأتي مهاجمين المسئولين عن التلفزيون بحجة انهم ملأوا الشاشات بالأعمال الفنية لابعاد الناس عن العبادات.. نعم الشاشات ممتلئة بأعمال فنية.. ولكن هناك أيضاً أعمال دينية.. لكننا نذهب برغبتنا للدراما وتتابع عشرات المسلسلات والبرامج ثم نفتح النار علي التلفزيون والمسئولين عنه. شهر نصنع فيه كل ما نستطيع أن نفعله في غيره ولكننا نفعله فقط في رمضان.. 11 شهراً نستطيع أن نشاهد فيها مئات المسلسلات ونقيم الدورات الكروية وما شابه ذلك.. ولكننا نقبل علي ذلك وبكثافة في رمضان وكأنها الغنيمة التي لو راحت لن تعود.. والله إنما الغنيمة في رمضان بالتفرغ لمزيد من العبادة.. لمزيد من التقرب إلي الله بقليل من الجهد والتعب.. واعلم ان الله هو العدل وسيعطي كل واحد منا علي قدر تعبه.. فمن التزم من بداية الشهر ليس كمن التزم في وسطه أو في آخره. وأخيراً وليس آخراً أعلم ان الله وهو الغني عن العالمين يفتح لك أبواباً ترزق منها الخير فيأتيك بشهر رمضان لتحسن فيه درجاتك قبل لقائه.. شهر فيه الحسنة بعشر امثالها.. والله يضاعف لمن يشاء.. درجات من الله يمن علينا بها ونرفضها.. نتكبر عليها.. نحن بكل ذنوبنا نرفض نعمة الله.. نرفض فضلاً كان يأتيه الرسول كاملاً بكل جوارحه.. الرسول الذي سألته السيدة عائشة لما تفعل ذلك يا رسول الله وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر.. فقال لها: أفلا أكون عبداً شكوراً. أما نحن فلا نملك سوي جملة شهيرة هي: رمضان عدي زي البرق.. وكأنها مفاجأة.. وبرغم ذلك فلا تيأس أخي المسلم.. فالفرصة لاتزال قائمة ورحمة الله واسعة.. فمن منا سيتحرك قبل ان يقول يا خسارة الشهر عدي ومعلمناش حاجة.