بعد وقوع الهجمات الإرهابية في باريس كتب عالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران يقول: "إذا كان نمو داعش إسلامي المنشأ. ويشكل أقلية شيطانية داخله. ويعتقد أنه يحارب الشيطان المتمثل في الغرب فلنتذكر أن أمريكا هي التي أطلقت قواه العمياء.." ورغم وجاهة ما قاله موران فإن لدي يقيناً بأن داعش ليس إسلامي المنشأ بل هو صناعة أمريكية بامتياز. وأنه يعمل كرأس حربة لمن صنعوه ومولوه وسلحوه. وحين اكتووا بناره حاربوه في سورياوالعراق. فاتحين الطريق أمامه للتسلل إلي ليبيا ليعيدوا استخدامه كمخلب قط ضد مصر التي نجحت في إغلاق سيناء في وجوههم. وحافظت علي تماسكها وقوة جيشها. وثمة شواهد عديدة لا تخفي علي صنع أمريكا لداعش. فمن سجونها بالعراق انطلق قادة القاعدة وداعش. وذاق الذين هللوا لسقوط صدام مرارة الندم. فقد توهموا - يومها - أنهم تخلصوا من ديكتاتور ودخلوا جنة أمريكا التي ما لبثت ان نصبت موالين لها في بلادهم. لا هم لهم إلا سرقة البلاد بإشرافها. والآن تدير حروبهم علي المذهب والطائقة وتأليب العراقيين بعضهم علي بعض.. أما ليبيا فلم تكن أحسن حالاً من العراق. إذ تحمست فرنسا لإسقاط القذافي أيما حماسة وأطيح بالديكتاتور وقادت واشنطن المعركة من وراء ستار وخرجت القبائل وداعش من جوف المجتمع. وصار للإرهاب قواعد أخري علي أبواب أوروبا وتخوم مصر.. ورغم خطورة داعش علي الجميع فقد استثنت باريس - في مسلك مثير للدهشة والريبة - داعش ليبيا من قرار استصدرته من مجلس الأمن لمحاربة ذلك التنظيم الإرهابي في سوريا فلماذا الإقدام هنا والاحجام هناك.. لماذا الإصرار علي الحل السياسي الملغم بالفشل طيلة الوقت في ليبيا. وكأنه هدف في ذاته. ورفضه في سوريا ومنح الدواعش فرصة للتوغل حتي حصل قادته علي أول جهاز "سميوليتر" للتدريب علي قيادة الطيران في سرت.. وإذا كان المجتمع الدولي وخصوصاً حلف الناتو جاداً في محاربة الإرهاب فلماذا تخلي عن ليبيا منذ البداية وتركها نهباً للصراع. وسمح بدخول آلاف الإرهابيين إليها من العراقوسوريا. ناهيك عن تدفق كميات هائلة من الأسلحة عبر تركيا ومنها إلي طرابلس ومصراتة وسرت.. ومن المستفيد من تحويل ليبيا إلي قاعدة خلفية تؤوي الدواعش الفارين من سوريا..؟! الإشكالية في رأيي ليست في تنظيم إرهابي هنا أو هناك بل هي صراع ضار علي النفوذ والقوة والمغانم في اقليمنا المضطرب. ذلك ان دخول روسيا علي خط المواجهة الحاسمة مع داعش سوريا. وتوتر علاقتها مع تركيا علي خلفية إسقاط الأخيرة لطائرة حربية روسية دليل لا تخطئه العين علي تصارع تلك الإرادات حتي ان الغرب بات في حرج بالغ. فإما الزج بتركيا وحلف الناتو في مواجهة غير آمنة مع الدب الروسي. وإما تسريع وتيرة الحل في سوريا والقضاء علي داعش. وهو ما يجعل ليبيا مرشحة لاستقبال عناصره الفارين من وطأة الضربات الروسية. وهو ما يفسر لنا لماذا لم يتحمس الغرب منذ البداية لضبط السواحل الليبية مترامية الأطراف. ولماذا يرفض رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي.. ولماذا لم تتبن أمريكا استراتيجية شاملة للحرب علي داعش.. وهو ما أكده بوضوح السيناتور الأمريكي جون ماكين. ولم ينفه الرئيس أوباما.. فهل آن الأوان لإنشاء قوة عربية مشتركة تحول دون تدمير ما بقي من دولنا بعد أن صار داعش حركة تدمر العمران وتسبي النساء وتتاجر بالآثار والنفط وتشوه الإسلام وتجلب العداوة إلي معتنقيه في كل الدنيا؟!