مشكلة المحسوبية أو توريث المناصب والوظائف أو ما يعرف شعبياً وإعلامياً بمشكلة "الكوسة" من المورثات المميزة للفهلوة المصرية الأصيلة. ولها في بلادنا حكايات وروايات قد تعود لزمن الفراعنة. وقد جلبت علينا مصائب عديدة وتسببت في الجمود الاداري وتجريف الكفاءات ووأد المواهب وقتل الطموحات والتطلعات. حتي قال القائل بعد ان فاض به الكيل "يا مصر فيكي حاجة محيراني نزرع القمح في سنين تطلع الكوسة في ثواني"! وبعد ثورتين متتاليتين هل يمكن القول "وداعاً" للمحسوبيات. وهل تحققت العدالة بين أبناء الأغنياء والفقراء وهل انتهي حقاً زمن "الكوسة" إلي غير رجعة أم أن آثار الماضي تلقي بظلالها علي الواقع. ولابد من الاعتراف بهذا المرض العضال حتي نجد له الدواء الملائم. والحقيقة التي تؤكدها شواهد الواقع ان مصر لم تتخلص بعد من هذا التمييز. وما تعانيه من كوارث. وأزمات متتالية هو من جراء تسلط فئات معينة دون غيرهم لحصد الثمار والاستيلاء علي كافة مناصب الدولة "صغيرها وكبيرها"! وبعد ان هدأت العاصفة قليلاً هل يكفي التضحية بوزير العدل وقبول استقالته تهدئة للرأي العام الثائر لإعادة الأمور لنصابها الصحيح وتحقيق العدالة الاجتماعية الغائبة التي كفلها الدستور الجديد. أم ان الأمر يتجاوز هذه المهاترات والجدل الإعلامي إلي اجراءات فعلية تقود لاصلاحات جذرية في كافة مؤسسات الدولة. فالمعضلة ليست في القضاء أو الشرطة. ولكنها امتدت ولا تزال كالسرطان في كافة قطاعات ومؤسسات الدولة. ولا أدري سبباً مقنعاً لامتعاض الوزير أو مؤيديه من ان يصل أبناء فئات اجتماعية بسيطة إلي تولي مناصب مرموقة. ألا تعلم يا عالي المقام أنه ما قامت الثورة إلا بعد ان زاد الكيل وطفح وعانت الأمة من ويلات هذه العنصرية والتفرقة الاجتماعية البغيضة التي قادتنا لهذا التفاوت الرهيب في المناصب وفي الدخول بين مختلف فئات الوطن. ولابد ألا ننسي ان هذه العنصرية كانت سبباً في هجرة العقول وهروب الكفاءات. سواء للدول العربية أو للغرب. لشعورهم بالاغتراب النفسي في وطنهم. والخوف من المستقبل المظلم. ولابد أيضاً ان ندرك ان التوريث ليس شراً مطلقاً. ففي تخصصات علمية معينة. هناك آباء صنعوا من أبنائهم كفاءات قدمت خدمات جليلة للوطن. والأمثلة لا تعد ولا تحصي!!