الوجوه جافة وشاحبة. نضب حياؤها وذهبت عنها حمرة الخجل!! الأيدي ممدودة والألسنة تسأل الناس الحافا!! ولم يعد هناك نبي يعطي قدوما وعود من حطب للسائل كي يحتطب ويأكل من كد يده. وما عاد هناك حكيم صيني يقدم النصيحة: لا تعطيه سمكة. بل علمه كيف يصطاد!! لقد طغي التسول وأصبح ظاهرة جديرة بالدراسة لمعرفة أسبابها والوصول إلي حلول لها لتخليص المجتمع منها. فالظاهرة لم تقتصر فقط علي الضعيف والمريض بل أصبحت نوعا من الهوس للقوي والصحيح وتلك العادة البغيضة لا تطور الإنسان ولا تجعله يعتمد علي نفسه بل يعتمد علي الآخرين بإعالته.. فهل تعتقد عزيزي القارئ انك عندما تتصدق بالمال لهم تساعدهم أم تزيد من معاناتهم بتكاسلهم عن العمل والسعي في الأرض لطلب الرزق ولخدمة المجتمع؟ تسألني نفسي: لماذا يتسولون؟ وأسألها أنا أيضا: ولماذا يعملون؟! وبالفعل لماذا يعملون وأحدهم خسر حوالي 400 ألف جنيه من أموالنا التي يتسولها منا بالمضاربة في البورصة..؟ لماذا يعملون والمصريون تغلبهم العاطفة التي تجعلهم يمدون أيديهم بالمتاح بمجرد رؤية المتسول أو سماع بكائيته الوهمية أو غير الوهمية ولا يجرؤ أحد منهم نصحه بالعمل!! لماذا يعملون وحصيلة المتسول منهم في اليوم أكثر مما يتقاضاه في الشهر لو امتهن مهنة أخري. الجشع غالب والعدل غائب والدولة لا ترفع المرتبات بقدر رفعها للأسعار هي والتجار التي تأتي علي ما في جيب من يعملون بشرف في العشر الأوائل من الشهر ويظلون بقيته يضربون بالأخماس في الأسداس لسد رمق عيالهم!! قد يتفهم عالم الاقتصاد الاضطرار إلي الاقتراض كل فترة لسد عجز ما ظهر بناء عن ظروف استثنائية ولكنه يرفض فكرة التسول المستمر من الجميع ويفضل التفكير في زيادة ايرادات الدولة مع ترشيد الانفاق وإعادة هيكلة بنود الميزانية بشكل كامل.