تأثرت بشدة بقصة صاحبة "الحنين للآلام" تلك الفتاة التي مرت بطفولة بائسة كادت تسلمها إلي عالم التشرد والضياع لولا ان أرسل الله لها من ترفق بها واحاطها برعايته ليضيف للمجتمع عضوا صالحا نافعا له وليس عبئا عليه. تأملت قصة هذه الفتاة وأخذت اسأل نفسي إذا كانت هي قد وجدت من ينتشلها من هوة التشرد والضياع فماذا عن غيرها ممن فشلت محاولات إصلاحهم وتقويمهم علي يد متطوعين مثل صاحب القلب الرحيم الذي أثمر جهده وأينع مع هذه الفتاة في "الحنين للآلام". انني من واقع اهتمامي بظاهرة أطفال الشوارع - التي تمثل صداعا مزمنا في رأس المجتمع - اسمحي لي وعبر نافذتك "وتستمر الحياة" طرح هذه الفكرة التي أري من شأنها توفير المأوي الآمن والتربية الصحيحة والتعليم الحقيقي لتلك الفئة التي شاركنا جميعا بصورة أو بأخري في ظهورها واستفحال خطرها. وفكرتي تطمح إلي إنشاء مدينة مبتكرة في الصحراء لأطفال الشوارع ليس من باب الاقصاء بالطبع وإنما لضمان تحقيق التوسعات المنشودة لها مستقبلا.. مدينة لن ترهق ميزانية الدولة في شيء فنحن لسنا بحاجة إلي طوب وأسمنت لبنائها لأن الوحدة التي ستدخل في تصميمها موجودة ومتوفرة وما أعنيه هنا هي عربات قطارات الركاب والبضائع التي انتهي عمرها الافتراضي وصارت "خردة" تلك العربات التي تكفي لإنشاء اقسام متخصصة لكل ما يحتاجه اطفال الشوارع لإعادة تأهيلهم وتقديمهم للمجتمع من جديد كعضو فاعل ومفيد.. فلا مانع من تخصيص عربات للفصول الدراسية وعربات لورش التدريب علي المهن المختلفة وأخري لدور العبادة وتحفيظ القرآن إلي جانب تخصيص مساحات لمزاولة النشاط الرياضي. وأري في هذه المدينة ضرورة الوجود الكثيف للسيدات باعتبارهن الأكثر قدرة علي رعاية الاطفال في هذه السن دونا عن الرجال.. ومن غير ذلك سيظل هؤلاء المشردون طاقات بشرية جامحة تطلق سهامها في المجتمع وتنال من استقراره نيلا عظيما في حين لو أننا قمنا باستثمارها علي النحو المرجو لاستطعنا التغلب علي تلك الظاهرة عندما يتحول هؤلاء الأطفال إلي لبنات قوية في المجتمع تضيف له ولا تخصم منه.. تماما مثل هذا المستشار الألماني الذي لم يخجل من الاعتراف بأن كان من الاطفال اللقطاء في يوم من الأيام.. ولم يمنعه ذلك دون أن يحقق ذاته ليمضي في طريق التفوق والنجاح. أحمد جعفر - المنوفية ** المحررة في البداية أود الاشارة إلي أن مصطلح "أطفال الشوارع" مصطلح وافد علينا من الغرب فهو يعني عندهم الطفل "مجهول النسب" بحكم انتشار الاباحية في بلادهم.. أما عندنا فنجد العموم من هؤلاء الاطفال المشردين معلومي النسب وما جاء طريقهم للشارع إلا تحت وطأة التفكك الأسري والفقر المدقع. وأعود لفكرة الصديق الدائم للنافذة أحمد جعفر فأري انها وان كانت تفوت الفرصة علي المحتجين دائما بقلة الامكانيات فهي أيضا تجربة سبقتنا إليها اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية حين طال الدمار كل شيء فيها فظهرت الافكار المبتكرة علي غرار ما طرحه قارئنا العزيز حين تم إنشاء مدارس كل مكوناتها من عربات القطارات المستهلكة والتي بقدر ما كانت وكما تروي لنا الروائية اليابانية توتيت شين مخرجا لعلاج واقع أليم.. بقدر ما كانت محل جذب واقبال من جموع تلاميذ المدينة عليها. وبعد فإنني أري ان مصر وبكل ما تمر به الآن لن تعجز في المستقبل القريب عن مواجهة تلك الظاهرة التي توالت عليها الدراسات والابحاث وقدمت وصفات هائلة من العلاج لكن تظل المشكلة في عدم توافر الارادة الحقيقية لمن في يدهم انجاز هذا الملف.. رغم انه ملف نعول عليه كثيرا في تحقيق السلم الاجتماعي الذي معه تختفي الفروق الشاسعة بين ابناء الوطن الواحد.. تلك الفروق التي تجعل من هذا الشخص مواطناً من الدرجة الأولي والآخر من الدرجة العاشرة.. وما علينا سوي أن نصبر وننتظر.