حسم ميدان التحرير في القاهرة مستقبل العلاقة بين الشعب المصري وعدوهم الإسرائيلي، وتم سحب السفير المصري من تل أبيب احتراماً لمشاعر الشعب الذي يرفض أن يستقبل سفيراً يهودياً فوق تراب مصر الطاهر. وإذا كانت اتفاقيات كامب ديفيد قد ألزمت مصر بالتبادل الدبلوماسي مع إسرائيل، إلا أن اعتماد السفير المصري "حازم خيرت" قبل أيام في تل أبيب، قد تم خلف الأبواب المغلقة، ودون احتفال رسمي، وذلك بناءً على رغبة مصر، كما جاء في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" التي أكدت أن الحديث الذي جرى بين الرئيس الإسرائيلي والسفير الجديد، وأن النخب تم رفعها احتفالا بالعلاقات الثنائية، قد تمت وراء أبواب مغلقة. وهذا يعكس احترام الحكومة المصرية لمشاعر الشعب الرافض للتمثيل الدبلوماسي، ويبكى كرامته الوطنية والعربية، حين يرى يد مصر البريئة الشجاعة تصافح يد العدو الخبيثة الجبانة.
تلك الكرامة الوطنية هي رأس مال الشعب المصري، وبها يتفاخر على كل شعوب الأرض، وذلك ما غاب عن بال الإعلامي المصري توفيق عكاشة، الذي عمد إلى البهرجة في استقبال السفير الإسرائيلي "حاييم كيرن"، مستهزئاً بشهداء الشعب المصري، ومستهيناً بتاريخ مصر الرافض للمذلة، لقد تعمد عكاشة بذلك الاستقبال الاستفزازي أن يصفع الغالبية العظمى من الجمهور المصري بالحذاء؛ الذي تعود أن يرفعه في فضائية فراعين، مهيناً كل وطني مصري وعربي وفلسطيني؛ يرفض أن يكون كومة من اللحم المقدد على موائد الإسرائيليين.
لقد استقبل عكاشة السفير الإسرائيلي بحجة جلب المنافع للمصريين؛ وإنه عرض على الإسرائيليين مساعدتهم في تحديد مكان هيكل سليمان مقابل حل أزمتي سد النهضة، وتحكيم الغاز، وبناء 10 مدارس بدلا من تلك التي دمرت في بحر البقر بالشرقية أثناء احتلال إسرائيل لسيناء، مؤكدا أن السفير وافق بشدة على هذا العرض.
من المؤكد أن السفير الإسرائيلي سيوافق على بناء عشر مدارس في مصر، فهذا مبلغ من المال لا يساوي شيئاً مقابل الوصول إلى قلب المجتمع المصري، ولكن السفير الإسرائيلي وعكاشة لن يعيدا للحياة طفلاً مصرياً واحداً من الأبرياء الذين مزقتهم الطائرات الإسرائيلية، ومن المؤكد أن السفير الإسرائيلي سيوافق على التنازل عن بعض المال الذي قضى فيه التحكيم الدولي عن اتفاقية الغاز، ولكن الأهم من كل ما سبق هو موافقة السفير على التدخل الإسرائيلي لدى دولة أثيوبيا لحل أزمة سد النهضة، ولاسيما أن المال اليهودي والخبرة اليهودية هما اللذان وقفا خلف بناء السد ذاته، فهل التدخل الإسرائيلي لدى صديقتها أثيوبيا، سيضمن تدبير صفقة مياه، تمنح بموجبها دولة أثيوبيا المزيد من ماء النيل لمصر، على أن يكون ذلك مشروطاً بضمان حصة إسرائيل من المياه النيلية العذبة؟.
وإلى أن تكشف الأيام القادمة على الأطماع الإسرائيلية من وراء سد النهضة في أثيوبيا، فقد نجح عكاشة في جذب الأنظار إليه، ليكون مركز الحدث السياسي، والنجم الإعلامي للإدهاش، ولكن المهرج عكاشة فشل في تسويق فكرة التآخي والتعاون بين الشعب المصري واليهود الإسرائيليين، وفشل في التسلل من خلف خطوط الشعب المصري، الذي يرفض التجاور والتزاور مع أعدائه التاريخين، لتأتي ردة فعل بعض الإعلاميين والبرلمانيين بمثابة الانعكاس المباشر لغضب الشعب المصري، الذي غطى صفحات التواصل الاجتماعي، وطغى على كل حدث.
لقد طلب توفيق عكاشة من السفير الإسرائيلي شيئاً لافتاً، حين قال له: عليكم بناء تمثال من الفضة لجمال عبد الناصر في تل أبيب، فلولا عبد الناصر لما كانت إسرائيل، والمفروض أن تطلعوا أنور السادات من القبر وتضربوه بالرصاص مرة أخرى"، وهذا الحديث متروك للشعب المصري، فهو يعرف آلية الرد على توفيق عكاشة؛ الذي أعدمت مصر خاله فاروق عبد الحميد الفقي بتهمة التجسس، وكان قد تم تجنيد فاروق الفقي للموساد الإسرائيلي على يد عشيقته "هبة سليم" وهي فتاة مصرية ذهبت إلى فرنسا للدراسة، فصارت جاسوسة، قدمت مع عشيقها فاروق لإسرائيل خدمات عسكرية تتعلق بمنصات صواريخ سام " 6 "، ومكافأة لها على الإبداع في التجسس، رتب لها الموساد استقبالاً رسمياً مع رئيسة الوزراء الإسرائيلية "جولدا مئير"، وقد تم ذلك قبل أن تلقي المخابرات المصرية القبض عليها، لينفذ فيها حكم الإعدام شنقاً.
ومن مفارقات الزمن العجيبة أن إسرائيل ترتب في هذه الأيام لقاءً خاصاً لتوفيق عكاشة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بن يامين نتانياهو".