بعد فشل الغارة الفضائية التي تم تنسيقها بمكر شيطاني ضد المستشار هشام جنينه ، وبوادر ظهور رأي عام واسع معاكس تشكك في مغزاها ، وفي تلك اللهفة على الإطاحة بالرجل من منصبه ، بدأ "المايسترو" الذي يقود الحملة يحرك رجاله في الصحافة القومية ، حيث ظهر أكثر من مقال في صحف رسمية يهاجم جنينه ولكن بلغة أخرى ، فيها نوع من الاستعطاف والتودد أن يترك منصبه ، لأن الدولة ومؤسساتها اضطربت بسبب وجوده ، أي والله ، كبيرهم قال ذلك ، وأن الصراع بينه وبين بعض القضاة أساء إلى مؤسسات الدولة ، بطبيعة الحال لم يشر صاحب هذا الدجل بأدنى إشارة إلى سبب هذا الصدام ، أو أصحابه ، الاسم الوحيد الذي جرؤ على ذكره هو اسم هشام جنينه ، ليهرب من الاعتراف بالحقيقة وهي أن المواجهة الآن متعلقة بالمال العام ، وبأراضي الدولة ، بحقوق الناس والغلابة ، وهل إذا ذهب هشام جنينه ، ستتنازل الدولة عن أراضي الشعب لهؤلاء ، أم أن هؤلاء المتهمين باغتصاب أراضي الدولة وإهدار المليارات من المال العام سوف يعيدون ما اغتصبوه تلقائيا بعد ذهاب هشام جنينه من منصبه ، لا يذكرون ذلك ، المهم أن يذهب هشام جنينه ، الذي تحول إلى كابوس حقيقي لمافيا الفساد وأدواتها في مصر . اللهجة الآن ، أقل في عنفها الصريح ، وفي بجاحتها ، وفي إسفافها ، وفي بذاءتها ، اللهجة الآن "تناشد" المستشار هشام جنينه تقديم استقالته دون انتظار أي قرار من أي جهة ، ويتمسح هؤلاء بالقول أن ما حدث تسبب في حرج لرئيس الجمهورية ، وأنه من باب رفع الحرج عن الرئيس عليه أن يتطوع بالاستقالة ، ولا يذكر أحد من هؤلاء ما إذا كان هذا الكلام هو تكليف من الرئيس نفسه لإعلانه من خلال مقالاتهم ، أم أنه تطوع منهم ، أو أنه تكليف من جهات أخرى تموت كل ساعة مرة عندما يظل هشام جنينه في منصبه ، لأن تحت يديه ما يكفي لإرسالهم إلى السجن إذا تعاملت الدولة والسيسي تحديدا معه بشفافية وجدية وحرص حقيقي على المال العام . وقد وضح من المشهد وما آل إليه أن الحملة الجنونية على هشام جنينه ولدت رأيا عاما مضادا يقف في ظهر الرجل ويحميه ويدافع عن بسالته في وجه مافيا الفساد ، والغريب أن هذا الظهير الشعبي يمثل مختلف ألوان الطيف السياسي المصري ، من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار ، وهناك ما يشبه الإجماع بين النخبة الوطنية على أن هشام جنينه يقف في الخندق الوطني الصحيح ، وأنه شديد الإخلاص والنبل في حماية المال العام ، مال الشعب ، مال الفقراء والبسطاء والمستضعفين ، الذين نهبوه وما زالوا ينهبوه بقلب جامد ، ودم بارد ، ومن العسير أن تقابل أي شخصية وطنية من أي اتجاه فكري أو سياسي وتجدها في موقف مخاصم لهشام جنينه ، فقط هؤلاء الذين كانوا في معسكر الثورة المضادة ، هؤلاء الذين انتموا قبل ثورة يناير للدولة العميقة ، وبعد 30 يونيه عادوا إلى حضنها من جديد ، هؤلاء فقط هم من تجدهم ضد هشام جنينه ، وهو فرز وطني بالغ الوضوح على طبيعة المعركة التي يخوضها هذا الرجل . نعم ، موقف السيسي في تلك المعركة شديد الحساسية ، وهو شبه مكبل بالفعل تجاهها ، لأن انتصاره لأي طرف فيها ستكون له تكاليف ربما أكبر من قدرته على احتمالها في الوقت الحالي ، فخضوعه للضغوط المهووسة للإطاحة بهشام جنينه وإصداره أي قرار بهذا المعنى سيضعه شعبيا في خندق حماية لصوص المال العام ، ومافيا الفساد ، وسيزيد من خصم رصيده الشعبي بفداحة أكثر مما خسره من قبل ، وإذا رفض إقالة الرجل وحمى ظهره ولو مرحليا ، فإنه سيواجه مؤامرات وتحرشات من أدوات المافيا ، وخاصة في الإعلام الذي يحسب له السيسي دائما ألف حساب ، وربما كان المخرج من أزمته تلك هو انتظاره ثمانية أشهر ، حتى سبتمبر المقبل ، حيث تنتهي فترة تكليف جنينه بمنصبه ، ويصبح خروجه له وجه طبيعي أو أشبه بالطبيعي ، ولكن ، هل ينتظر أركان "المافيا" هذه الأشهر الثمانية ، أشك .