لم يستغرق النطق بالحكم في "قضية القرن" سوى بضع دقائق ليسدل الستار على آخر فصول محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك، بعد ثلاثة أعوام هي عمر المحاكمة في قضية قتل المتظاهرين والفساد المالي، إذ من المنتظر أن يصبح حرًا طليقًا بعد ضم فترة الحبس الاحتياطي التي قضاها على ذمة التهم التي حصل على براءة منها إلى الفترة المقررة في حكم الإدانة بقضية القصور الرئاسية وهي ثلاث سنوات. "براءة... عودوا إلى مقاعدكم" هكذا ذيل المستشار محمود الرشيدى، قاضى محاكمة القرن، حكمه على المتهمين العشرة، ليثير الأمر تندر البعض وسخريته من مغزى عبارته، وحول ما إذا كان المقصود مقاعدهم التي جلسوا عليها لسنوات مديدة، محتقرين إرادة شعب مل طلتهم كل صباح ليزفوا إليه رخاءً ورفاهية لم يتذوقوها أبدًا، لكن للمسألة بعدًا جادًا، إذ يصبح السؤال مطروحًا وبقوة: هل يعودوا إلى مناصبهم التي أزاحهم منها حراك شعبي في 2011. هكذا كان لسان حال الشباب الذين رأوا فى حصول مبارك وأعوانه على البراءة عدم اعتراف ضمني ب25 يناير، ومن ثم من حق كل شخص أن يعود إلى موقعه مزيلين كل آثار حراك سمى مجازًا "ثورة". "ثورة" ناصبها العداء من اللحظة الأول كل مَن كان يرى فيها إزعاجًا حتى ولو كان مزاجيًا؛ فهذا مواطن وجد فى حبسته فى البيت تعكيرًا لصفو حياته، فرحب بكل مَن يضمن له الخروج فى كل الأوقات وجم الأماكن، وثانٍ وجد فيها إزعاجًا عمليًا فراح يحارب حتى لا تصل إليه، وثالث وجد فيها "موضة عصرية" فراح يصعد على أكتافها، معتبرًا أن التصاقه بها يعنى أنه أخذ من الثورية ما يكفي. وما يكفى ليس دائمًا بالكافي، فأحيانًا نتأكد من نقصانه ولكن بعد مرور وقت غالبًا ما يكون طويلاً، وهو ما لمسه الشباب حين تيقنوا أن 18 يومًا لم تعد كافية لخلع نظام تجذر في البلد لعقود مرت، ليأتي ما عرف ب"مهرجان البراءة" نتيجة طبيعية. ومعه تأكدوا أن الأزمة ليست فى النظام بقدر ما هى فى قوى سياسية أخفقت فى إدارة المشهد السياسي، وفى شعب يرى فى "الاستقرار" أقصى أمانيه، ليفتح خروج مبارك ورجاله ألف تساؤل يظل أبرزهم هل يعود مبارك للحكم مجددًا وهل من حق دولته التى برأها القضاء فى العودة للحياة السياسية من جديد؟.. اختلف فقهاء الدستور فى الإجابة عن التساؤل الذى طرحته "المصريون".. الدكتور جمال جبريل، الخبير القانونى والدستوري، قال إن الرئيس المخلوع حسنى مبارك لن يتم خروجه من محبسه إلا بعد انقضاء مدة حبسه فى القضية التى حكم عليه فيها ب3 أعوام والمعروفة باسم القصور الرئاسية. وأكد جبريل ل"المصريون" أن مبارك عندما يكمل الثلاثة أعوام التى ستنقضي بعد أقل من 3 شهور تقريبًا، يستطيع بعدها أن يتم الإفراج عنه لانقضاء المدة، مشيرًا إلى أن ذلك هو المنتظر. وتابع جبريل "الحكم ببراءة مبارك والعادلي ومساعديه كان متوقعًا، لأن القاضى يحكم بملف الدعوى أمامه ولا يحكم بالاتجاهات التى قد ترضى الرأي العام"، مبينًا أن "الأمور واضحة من البداية، فلم يكن هناك ما يؤدى للإدانة بمقتضى ملف الدعوى". وأشار إلى أن الحكم في أول درجة استند إلى أنه قتل بالترك وهو رأي فقهي، لكنه ليس قويًا، ولفت إلى أن هناك فرصة لطعن النيابة أمام محكمة النقض على أن تحيلها النقض إلى دائرة أخرى، مبينًا أن الحكم نهائي لكنه ليس باتًا. واستبعد الفقيه الدستوري إمكانية عودة مبارك للحكم بناءً على حكم قضائي، قائلاً: "هذا الكلام ليس له أى أساس من الصحة والمنطق والقانون". من جانبه، قال المستشار طارق البشري، الفقيه الدستوري، ونائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، "الخطأ حدث من البداية عندما تمت محكمة مبارك ومَن معه محاكمة جنائية وليست محاكمة ثورية وهو ما طالب به الثوار فى بداية ثورة 25 يناير". وأوضح البشري، أن "المحاكمة السياسية كانت واجبة لأسباب من أهمها أن مبارك ومَن معه أضاعوا استقلالية مصر وأضاع اقتصادها وكل منابع خيراتها". ورأى أن "المحاكمة الجنائية تمت للتغطية على جرائم مبارك السياسية الحقيقية"، لافتًا إلى أن هذه المحاكمة لا تكفى الجرائم التى ارتكبها. وأضاف البشري الذي أشرف على أول تعديلات دستوري أجريت في أعقاب ثورة 25يناير، قائلاً "المشهد السياسي لم يتغير، فنحن عدنا مرة أخرى لدولة مبارك بنفس سياساته الخارجية والداخلية والالتزام الاقتصادى والاجتماعي وغيرها من السياسات". من جانبه، قال الدكتور ثروت بدوى، أستاذ القانون الدستوري، إن "هناك تناقضًا واضحًا يجعل من المؤكد أن الأحكام الصادرة في عهد سابق صدرت في اتجاه مختلف عن الأحكام الصادرة اليوم في عهد آخر"، مضيفًا: "المسألة واضحة". وتابع: "كلنا كنا متوقعين هذا، لكنه لم يحدث فى تاريخ العالم أن المتهم فى جناية يترك له هذه المساحة من الوقت على مدى أسبوع كامل لتسجيل أمجاده وإنجازاته ولتسجيل مساوئ الآخرين، والمحكمة تعطيه هذه الفسحة من الوقت. من جهته، أكد الفقيه القانوني الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة سابقًا، أن "حكم مبارك نهائي وبات إذا ما طعنت عليه النيابة ويترتب عليه إخلاء سبيله ما لم يكون محبوسًا على ذمه قضايا أخرى". لكنه أشار إلى أنه "إذا تم طعن النيابة عليه فأنه يصبح نهائيًا ولكن غير بات، وفى هذه الحالة تقوم محكمة النقض بإحالة القضية إلى دائرة أخرى"، لافتًا إلى أنه في كل الأحوال سيتم إخلاء سبيله وعودته إلى بيته، بعد أن قضى مدة الحبس الاحتياطي كاملة. وتابع "مبارك - رئيس سابق بحكم الثورة- والفعل الثورى هو مَن أنهى فترة حكمه ولا يجوز عودته كرئيس جمهورية، مبينًا أنه لا يعتقد أن يفكر مبارك فى العودة للحياة السياسية مرة أخرى". وأكد أن جمال وعلاء وحبيب العادلى لا يزالون يحاكمون فى قضايا أخرى.